العدد 5263 بتاريخ 02-02-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةمنوعات
شارك:


كيف أصبح الإفطار «أهم وجبة في اليوم»؟

الوسط - محرر منوعات

ربما سمعت مقولة «الإفطار أهم وجبة في اليوم»، لكن ما لا تعرفه أن أصل هذه المقولة يعود لحملة تسويقٍ لحبوب إفطار، أطلقتها شركة غريب نتس صاحبة العلامة التجارية جنرال فوودز للمواد الغذائية عام 1944 ، وفق ما قال موقع منشور

وخلال الحملة التي رفعت شعار «تناول إفطارًا جيدًا،  تُنجزْ عملًا أفضل»، وزعت محال البقالة منشوراتٍ تروج لأهمية وجبة الإفطار، وزعمت الإعلانات الإذاعية أن خبراء التغذية يؤكدون أن الإفطار أهم وجبة في اليوم.

لعبت إعلانات كهذه دورًا رئيسًيا في زيادة مبيعات الحبوب، وهو منتج ابتكره طبيب نباتي متدّين، يدعى جون هارفي كيلوغ، لأنه اعتقد أن الحبوب ستحسّن الصحة

في منتصف القرن التاسع عشر، وقبل انتشار حبوب الإفطار، كانت الطبقة المتوسطة والعليا من الأميركيين يتناولون على الإفطار البيض والمعجّنات والفطائر والمحار والدجاج المسلوق وشرائح اللحم.

وأسهمت الدعاية في إقناع الأميركيين بأن الإفطار أهم وجبة في اليوم، مما ساعد على انتشار الحبوب كوجبة إفطار جاهزة سريعة التحضير.

بدأ العصر الحديث للإفطار مع الحبوب، فقبل اختلاقها، لم يكن الإفطار وجبة أساسية أو روتينية.

فقد اعتقد الرومان أن تناول وجبة واحدة في اليوم أفضل للصحة، وترى أبيجيل كارول في كتابها «ابتكار الوجبة الأمريكية» أن الهنود الحمر لم يعتادوا نظام وجبات الطعام، بل كانوا يأكلون لقيمات على مدار اليوم، وأحيانًا يصومون عدّة أيام.

وبحسب المؤرخين، كان الإفطار في أوروبا عبر القرون الوسطى يمثل ترفًا للأثرياء، وضرورة للعمال. وكان العديد من المستوطنين الأمريكيين يتناول الإفطار بعد ساعات العمل الصباحية.

ويبدو تاريخيًا أن وجبة الإفطار تحولت إلى عادة صباحية، عندما انتقل العمال إلى المدن، وأصبحوا يعملون بدوام منتظم. بدأ هذا الأمر في أوروبا في القرن السابع عشر، وانتشرت العادة عالميًا إبان الثورة الصناعية، فمع ذهاب الناس للعمل طول اليوم، أصبح الإفطار أمرًا مهمًا.

وكانت هناك أطعمة مألوفة على مائدة الإفطار، كالخبز والجبن والعصيدة، أو بقايا الأطعمة المطبوخة. ونظرًا لقلة تعرّض المؤرخين لوصف أطباق الإفطار، فإن تعقُّب منشأ هذه الأطباق يبقى أمرًا صعبًا.

يبرز البيض عنصرًا أساسيًا على الإفطار. وبالعودة للتاريخ القديم يصف باحث في الإنجيل، كيف كانت مريم تُعدّ البيض ليسوع. أما الفطائر فيظن علماء الحفريات أن البشر أكلوا فطائر بدائية قبل أكثر من 5,000 عام.

وعندما تحوّل الإفطار إلى وجبة أساسية، أضاف الأمريكيون المهووسون باللحوم لمائدته شرائح اللحم والدجاج المشوي والبطاطا وخبز الذرة والفطائر والزبدة، وهذه المائدة الحافلة ليست وصفة صحية. فالأمريكيون يعانون عسرَ هضم مزمنًا. وبيّنت أبيجيل كارول أن المجلات والصحف كانت تزخر بالحديث عن عسر الهضم وعلاجه بشكل يشبه النقاشات الدائرة اليوم بشأن السمنة، لذا احتاج الأمريكيون إلى وجبة إفطار خفيفة وبسيطة، فكانت.. الحبوب.

اعتبر الأميركيون الحبوب غذاء صحيًا، قبل أن تكشف تلك الحبوب علاقتنا بالطعام ذي نسبة السكر المرتفعة وعالي التصنيع.

وتعود جذور وجبة الحبوب إلى المصحّات التي أُنشئت منتصف وأواخر القرن التاسع عشر، على يد أطباء مثل جون هارفي كيلوغ. وكانت وصفته الطبية المفضلة هي الاستحمام. وتشبه طريقته في العلاج تلك المستخدمة حاليًا في المنتجعات، فقد شاع استخدام العلاج المائي حينئذ.

اعتقد كيلوغ وزملاؤه أن النظام الغذائي للأمريكيين، القائم على الكثير من اللحوم والتوابل، تنعكس آثاره السلبية على صحتهم. فعمدوا إلى وضع أنظمة غذائية من شأنها تحسين صحة مواطنيهم. واستندوا في عملهم لتفضيل الحبوب الكاملة على الخبز الأبيض. واخترع سيلفستر غراهام، وهو خبير حميات غذائية، رقائق غراهام عام 1827، ثم اخترع جيمس جاكسون حبوب الجرانولا عام 1863. وطوّر كيلوغ الجرانولا إلى الكورن فليكس في 1890.

لم تكن النسخ الأصلية حلوة المذاق، وتختلف كثيرًا عن الرقائق التي نعرفها اليوم. وكان الناس ينقعون جرانولا جاكسون بالحليب لتصبح صالحة للأكل. وقد سمّاها منتقدوها صخور القمح، ولم تجعلها تعديلات كيلوغ أفضل كثيرًا.

ورغب الناس في هذا المنتج، وبيع أكثر من خمسين طنًا منه في أول سنة طُرح فيها بالأسواق، على الرغم من مرافق الإنتاج البدائية. وقد كتب مؤلف سيرة كيلوغ حينئذ «قريبًا ستنتشر شركات تصنيع الحبوب في جميع أنحاء البلاد». وبحلول عام 1903 كان هناك مئة شركة لإنتاج الحبوب في باتل كريك (بلدة كيلوغ) وحدها.

وتذكر أبيجيل كارول:

«عمّت موجة من الجنون، فقد اعتُبرت الحبوب حلًا لعسر الهضم المنتشر في البلاد. ونظرًا لأنها سهلة التحضير، فقد غدت طعامًا مناسبًا في زمن الثورة الصناعية، لأنه لا يتوافر للناس الكثير من الوقت لإعداد الطعام».

أكثر اتجاهات الغذاء نجاحًا تميل إلى الجمع بين العلم والأخلاق ولم يكن اختراع الحبوب استثناء.

أطلق كيلوغ اسم «معيشة حيوية» على نمط الحياة الذي يتضمن «رياضة أكثر، واستحمام أكثر، وطعام أخف» وألقى محاضرات وكتب مقالات لترويجه. ووصف النظام الغذائي الجديد بأنه غير طبيعي، لكنه كثير التنوع. وكان يرى أن تناول الطعام الحيوي يعني ببساطة أن تأكل علميًا، وبشكل طبيعي. وللعودة إلى النظام الغذائي الطبيعي للإنسان فالحل يكمن في الحبوب.

وكأي اتجاه غذائي، تبنى المسوّقون عمل الأصوليين، مما جعل الدكتور كيلوغ يشعر بمرارة شديدة إزاء تحوّل فكرته إلى عمل تجاري لا يسعى إلا للربح. وكان أنجح رجلَي أعمال في مجال صناعة الحبوب، شقيقه ويل كيلوغ، وأحد مرضاه السابقين سي. دبليو بوست، الذي اتهمه الدكتور كيلوغ بسرقة وصفة رقائق الذرة من خزنته.

أنشأ كلا الرجلين شركة لصناعة الحبوب. شركة كيلوغ برئاسة ويل كيلوغ شقيق الدكتور كيلوغ، والأخرى شركة بوست سيريالز. وحققت كلتا الشركتين نجاحًا باهرًا بفضل عنصرين رئيسيين، هما السكر والإعلان.

صنعت بوست سيريالز في أربعينيات القرن الماضي حبوبًا مغلّفة بالسكر بشكل كامل، في حين تجادل الأخوان كيلوغ طويلًا بشأن إضافة السكر. فالدكتور يرى أن السكر يشوّه نقاء تركيبته، في حين يرى شقيقه ضرورة إضافته لتحسين المنتج. وبعد حيرة طويلة استسلمت الشركة لإنتاج الرقائق المغلفة بالسكر.

بقيت الحبوب محافظة على سمعتها كغذاء صحي بفضل وابل الإعلانات المستمر. فالمبالغات الإعلانية جعلت شركة بوست تدّعي أن الحبوب تعالج كل الأمراض حتى الملاريا والتهاب الزائدة الدودية. وعبارة «مصدر جيد لفيتامين د» على عبوة الحبوب اليوم، تعود لهاجس الأمريكيين بخصوص  الفيتامينات في عشرينيات القرن الماضي.

ولإغراء الأطفال بتناول الحبوب، استخدمت الشركات شخصيات كرتونية مثل توني النمر (على الرقائق المغطاة بالسكر) وبوب (على الأرز المقرمش) وغيرها. ومثّلت الإعلانات مفتاح تسويق الحبوب، وسواء بمشاركة شخصيات كرتونية أو ادعاءات صحية حمقاء، فالواجب إنشاء علامة تجارية لكل نوع من الحبوب. واليوم تبلغ قيمة ثروة سي. دبليو بوست 800 مليون دولار بفضل الإعلانات.

أهم وجبة في اليوم

هناك أسباب عديدة تجعل المعركة بخصوص  الإفطار حامية الوطيس. السبب الأول  أن أي شركة تستطيع إقناعك بأكل منتجاتها من الحبوب أو فطائر الذرة أو الخبز ستمتلك حتمًا فطورك. فمعظم الناس يتناولون الإفطار نفسه يوميًا. ووجدت الدراسات أن لدى المستهلكين ولاءً شديدا للماركة وتحديدًا لأطعمة الإفطار كالحبوب، لأن خيارات الإفطار غالبًا ما تكون اعتيادية بسبب قوة روتين الصباح. ويؤدي سيل إعلانات رقائق الحبوب للنمر توني لدفع عشرات الآلاف من الأطفال لتناول الرقائق المغطاة بالسكر كل صباح لسنوات.

السبب الآخر أن الأميركيين يرغبون في وجبة سريعة ومريحة على الإفطار. والعديد من أطعمة الإفطار منتجات معبأة تعتمد في تسويقها على الإعلانات. إن تصنيع الحبوب أمر في غاية السهولة. وهي حقيقة أغضبت الدكتور كيلوغ الذي سجّل براءة اختراعه، لكنه أخفق في منع الآخرين من تقليده. ومع ذلك فإن عددًا قليلًا من الشركات يهيمن على سوق الحبوب.

واشتكت لجنة التجارة الاتحادية في دعوى قضائية لمكافحة الاحتكار، من صعوبة المنافسة مع عمالقة الحبوب، لأنهم يطرحون عشرات العلامات التجارية ويسوّقونها بإعلانات مكثفة، مما يقف عائقًا أمام دخول سوق الحبوب.

أما السبب الأخير لضراوة معركة تسويق طعام الإفطار، أن الشركات وجدت خلال عقود طويلة، أنها الوجبة التي توفر أكبر فرصة لزيادة إنفاق المستهلكين على الطعام. وقد أوضح صناعيون في مقالة للتايم أن:

«مبيعات وجبات الغداء والعشاء في جميع أنحاء العالم بالنسبة للوجبات السريعة بقيت راكدة طول سنوات، في حين ارتفعت مبيعات الإفطار بشكل مطرّد».

لكن هل يؤمن موظّفو التسويق والمديرون التنفيذيون حقًا بالقيمة الغذائية التي يروجونها لحبوب الإفطار؟

ناقش خبراء التغذية مرارًا طول عقود، مسألة حاجة القوى العاملة في أمريكا للإفطار. ومع بدء حملة 1944 خلال الحرب العالمية الثانية، انحاز خبراء التغذية الحكوميون لمصلحة المعسكر المؤيّد للإفطار، لتحسين صحة الجنود، وتعاونوا مع شركات الحبوب في نُصح الجميع بأن يتناولوا وجبة إفطار جيدة من الحبوب الكاملة والفواكه.

لم يعد خبراء التغذية اليوم متيقنين من هذه النصيحة، ويقولون بأن الأبحاث التي تدعم أهمية الإفطار لإدارة الوزن، تتناقض مع اختبارات أكثر دقة، كما أن الدراسات التي تبحث في أن تناول التلاميذ للإفطار يساعد على زيادة التركيز لم تنجح في إثبات وجهة نظرها.

من الجيد أن تشك في الادعاءات الواردة في الإعلانات التجارية. ولكن مع أطعمة الإفطار فالشك ضروري على وجه الخصوص، لأن الإعلان هو أساس كامل صناعة المأكولات الجاهزة، وهناك حوافز قوية للخداع.

تَوَخَّ الحذر، فوجبة الإفطار هي أكثر وجبة تسويقًا اليوم.



أضف تعليق