قصة قصيرة... حبة بندق تنمو في رأسي
وفاء الحربي - قاصة سعودية
كالعادة، وصل طابور الخبز إلى باب المسجد، وكالعادة، كان عمّه يشتري له الأرغفة الأربعة، ويكفيه عناء حشر جسده الضئيل بين أقدام الكبار، لانتظار دوره.
قال له جدّه ذات مرّة: احذر أن تعتاد على أيّ شيء، فما إن تفعل حتى تتغيّر الأشياء فجأة، ولن تستطيع مواجهة التغيير.
ومع أنّ عمّه كان يشتري له حاجته من الأرغفة كلّ يوم، إلّا أنّه كان يحافظ على موقعه في الطابور إلى حين الحصول عليها.
وعلى عادته، منذ ليالٍ بعيدة، حين يضع رأسه على الوسادة وينام، لا يزال يرى الكابوس نفسَه، وها هو العدّ التنازلي ينتهي عند الرقم "صفر"، ويغرق في الظلام، فيحسب نفسه قد نام.
في ذلك الصباح، كان الطابور أطول من المعتاد، أمّا هو؛ فبدا عاجزًا عن المحافظة على موقعه، على رغم محاولاته البائسة في التشبّث بالأرض بقدميه الحافيتين، فقد شعر بأنّ ثمّة شيئًا ثقيلًا يسحبه نحو القاع، فوقع مُبعثرًا الطابور.
مِن فور استيقاظه في المشفى، وجد أخته الكبرى تحدّقُ نظرَها فيه، كما لو أنّه كان يؤدّي دور الساحر في سيرك ما. أخبرته، لاحقًا، بأنّ ثمّة حبّة بندق تنمو في داخل رأسه، والأطبّاء يشعرون بتأنيب الضمير لتفكيرهم في إخراجها، وخاصة أنّها تكبر بسرعة. سكت يفكّر في مدى صحّة كلامها، ولم يجد بُدًّا من تصديقها.
بينما كان يسأل الطبيب عن ميعادِ رجوعه إلى المدرسة، أصابه الذعر؛ لأنّ الكوابيس لا تنتاب المستيقظين، فقد عاوده ذلك الكابوس؛ فبدأ العدّ التنازلي، وانتهى عند الرقم صفر، وغرق في الظلام. وحين تيقّنتْ أخته أنّه قد هدأ تمامًا، أخبرته، وهو ما زال غارقًا في الظلام، بأنّ حبّة البندق في رأسه كبرت، وحجبت النور عن عينيه.
تراكم ثلاثة عشر يومًا، بلياليها ونُهُرِها، متواصلة في الظلام، وكأنّها ترجم شعوره بالقلق لفقده الإحساس بحبّة البندق الخاصّة به، ولمّا أحسّ بأذنيه تبدوان وكأنّهما مغلقتان بالقطن، اطمأنّ، وتأكّد أنّها لا تزال تكبر.
قرابة شهر، بقي كلّ صباح يصف لأخته كيف تبدو حبّة البندق؛ لتقوم برسمها، فهو الوحيد الذي يستطيع رؤيتها، بعد ذلك يحتفظ بالكرّاسة تحت وسادته. وعدها بأنّه حين يخرج من المشفى لن يشتري كثيرًا من الحلوى في المدرسة، ظنّ بأنّ حبّة البندق اختارت رأسه من بين رؤوس الصغار جميعًا؛ لأنّه كان يُفرط في تناول الحلوى، وخاصّة تلك التي بنكهة البندق.
وقبل أن يسمع جوابَها عن سؤاله، عن الوقت الذي يستغرقه البندق في النضج، أحسّ فجأة بأنّ جسده بدأ يرتفع عن السرير، كما لو أنّ أيدٍ خفيةً تجذبه نحو الأعلى.
ارتعش وهتف بأخته يريد أن يخبرها بأنّ حبّة البندق خاصّته قد نضجت أخيرًا، وأنّه شعر برغبتها القويّة في الخروج، وصار بالإمكان قطفها، غير أنّ لسانه أصبح ثقيلًا، وانقطع نفَسُه، وتوقّف قلبه عن النبض. حبّة البندق في الكرّاسة تحت وسادته، غنيّة وكبيرة، كانت آخر ما تبقّى من جسدِه بعد أن دفنوه.