أفغانستان في "حالة طوارئ مستمرة" لأن الحرب ترغم أعداداً قياسية على الفرار من ديارهم
الوسط - المحرر الدولي
كانت بيبي مريم تحلب بقرة عندما أطلقت البقرة فجأة عواءً غريباً وانهارت وسط بركة من الدماء.
كان ما يسمى بتنظيم “داعش” وحركة طالبان يقاتلان بالقرب من قريتها في ولاية ننغرهار في أفغانستان، وكانت الرصاصة الطائشة التي قتلت بقرتها هي التي أقنعت مريم أخيراً بالفرار - حيث انضمت إلى عدد قياسي من الأفغان النازحين بسبب النزاع.
وقالت مريم في بيت أسرتها المؤقت الجديد، وهو خيمة صغيرة في مخيم للنازحين بالقرب من عاصمة الولاية جلال أباد، "كان من الممكن أن تصيبني أنا أو أي من أطفالي".
وتجدر الإشارة إلى أن مريم هي واحدة من أكثر من 623,345 نازحاً داخل البلاد فروا من الصراع في أفغانستان في عام 2016 - وهو عدد لم يسبق له مثيل، وفقاً لهيئة تنسيق المعونة الطارئة بالأمم المتحدة المعروفة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وفق تقرير لشبكة "ايرين" الاخبارية اليوم السبت (28 يناير/ كانون الثاني 2017).
"تؤكد هذه الأرقام المذهلة أيضاً وجود اتجاه مثير للقلق، وهو أن أفغانستان تشهد زيادات سنوية كبيرة في عدد الأُسر التي تُرغم على الفرار من ديارها،" كما قالت دانييل مويلان، المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، مضيفة أن "عدد النازحين في عام 2016 وصل إلى ثلاثة أضعاف العدد المسجل في عام 2014، وستة أضعاف العدد المسجل في عام 2012".
واستناداً إلى الاتجاهات الحالية، تتوقع الأمم المتحدة أن يشهد عام 2017 انضمام 450,000 شخص آخر على الأقل إلى أولئك النازحين بالفعل. علاوة على ذلك، تكافح أفغانستان لدعم العديد من الـ616,620 شخصاً الذين أرغمتهم دولتا إيران وباكستان المجاورتان على العودة في العام الماضي. وحذرت باكستان من أنها ستبدأ الترحيل القسري للأفغان الذين لم يغادروا طوعاً بحلول شهر مارس المقبل، وتتوقع الأمم المتحدة عودة حوالي مليون آخرين، لا يملك الكثيرون منهم منازل ليعودوا إليها.
وأضافت مويلان أن "التدفق المستمر للأسر النازحة يعني أن حالة الطوارئ المتواصلة أصبحت هي القاعدة في أفغانستان".
ويغادر العديد من النازحين منازلهم لأول مرة، ويضطرون للعيش في مخيمات مؤقتة، حيث يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة.
لم تغادر مريم قط الوادي النائي الذي نشأت فيه بمنطقة باتشير أو أغام، حيث ربّت أيضاً خمسة أطفال بمساعدة زوجها حتى مقتله بالخطأ أثناء تبادل لإطلاق النار بين الشرطة ومقاتلي تنظيم “داعش”. وعلى مدار الأشهر الستة الماضية، أصبح الوضع خطيراً على نحو متزايد نظراً لتوغل تنظيم “داعش” في تلك المنطقة. وقد بدأ المسلحون المتشددون مداهمة المنازل، فضلاً عن اندلاع القتال بينهم وبين طالبان بغرض السيطرة على الأرض.
تركت مريم وأطفالها مزرعة وحيوانات الأسرة، ويعيشون الآن على الأرباح الضئيلة التي يحققها أبناؤها من بيع الكعك الذي تخبزه في فرن التنور. وتقع الأسرة فريسة للجوع في معظم الأوقات والظروف المعيشية السيئة. إنهم ينامون على قطعة من القماش المشمع على الأرض، ولا توجد عيادة صحية أو مدرسة في المخيم.
وقالت مريم وهي تنتحب أثناء تقييمها لمأزق الأسرة: "لا أرى أي مستقبل لبناتي أو أولادي في جلال آباد. لقد دُمرت طفولتهم".
تعم الفوضى الآن المشروع الأميركي لبناء الأمة في أفغانستان، بعد 16 عاماً من الغزو الذي أطاح بحركة طالبان. وقد سحبت الولايات المتحدة جميع قواتها تقريباً في نهاية عام 2014، وكان من المفترض أن يتولى الجيش الوطني الأفغاني مهام الحفاظ على الأمن، لكن القوات الحكومية تعثرت وفقدت السيطرة على العديد من المناطق. *فقد بسطت الحكومة سيطرتها على 63 بالمائة فقط من مناطقها حتى شهر أغسطس عام 2016، مقارنة بـ72 بالمائة قبل تسعة أشهر فقط من هذا التاريخ، وفقاً لتقرير المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان الذي صدر الأربعاء.
وتسيطر حركة طالبان على معظم الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرة الحكومة. ولكن في أوائل عام 2015، انتقل تنظيم “داعش” إلى شرق أفغانستان وأعلن نيته إقامة منطقة تخضع لسيطرته تسمى "خراسان"، في إشارة إلى المنطقة التاريخية التي كانت تشمل جزءاً كبيراً من أفغانستان وكذلك أجزاء من إيران وآسيا الوسطى.
وقد ركز التنظيم، الذي يعرف باسم “داعش” في أفغانستان، أنشطته في شرق أفغانستان، وخاصة ننغرهار، على الحدود مع باكستان. وفي بعض المناطق، ظهرت ميليشيات محلية لمحاربة تنظيم “داعش”، في حين انضم آخرون إلى طالبان أو القوات الحكومية. ولكن التنظيم وسع انتشاره القاتل أيضاً في جميع أنحاء البلاد.
في شهر يوليو، هاجم انتحاريان مظاهرة سلمية نظمتها طائفة الهزارة الشيعية في العاصمة كابول، مما أسفر عن مقتل 80 شخصاً. وأعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن الهجوم، فضلاً عن تفجير مسجد شيعي في كابول في شهر نوفمبر، الذي أسفر عن مقتل 40 شخصاً على الأقل.
والجدير بالذكر أن القتال ضد تنظيم “داعش” يدور بالأساس في ثلاث مناطق بولاية ننغرهار، وفقاً لعطاء الله خوجياني، المتحدث باسم حاكم الولاية، الذي أشار إلى أن التنظيم بدأ يقاتل في أتشين في عام 2015 ودخل منطقتي باتشير أو أغام وتشابيرهار في عام 2016.
وقال: "نحن ننفذ هجمات جوية وعمليات برية ضدهم. ونؤيد أيضاً المقاومة المحلية ضدهم و[ندعم] الشرطة المحلية الأفغانية،" وهي قوة تدعمها الحكومة ويتم تجنيد أفرادها من المجتمعات المحلية لمحاربة المتمردين.
من جانبه، قال أمير جان، وهو رجل مسن من أتشين، أن ابنه انضم إلى انتفاضة محلية ضد تنظيم “داعش” وقُتل في المعركة. وقد أوضح أفراد من تنظيم “داعش” لأهل القرية أنهم إذا لم يدعموا التنظيم، فلن يكون بقاؤهم موضع ترحيب.
"في صباح أحد الأيام، وصل مقاتلو تنظيم “داعش” على أعتاب منزلي وأمروني بالمغادرة، وعندما حاولت جلب بعض الأغراض، ضربوني. وغادرت بلا ممتلكات،" كما أفاد في مقابلة خارج خيمة أسرته في مخيم سمر خيل، خارج جلال اباد.