بالفيديو... «بندر الدار» القرية المندثرة والميناء المنسي...مطالبات لـ «بابكو» بتضمينه متحفاً يوثق طفرة النفط
بندر الدار - محمد العلوي
خلافاً لما يعتقده الكثيرون، يقف بندر الدار الكائن جنوبي سترة، كأحد أهم الموانئ التاريخية في مملكة البحرين.
يتبنى ذلك الباحث جاسم آل عباس والذي يذهب إلى القول إن البحرين ارتقت في نهضتها الاقتصادية والاجتماعية الحديثة على البندر، في إشارة منه على وجه التحديد لدوره كميناء بعيد 1932، عام اكتشاف النفط في مملكة البحرين.
انطلاقاً من ذلك وجه آل عباس مقترحه ومطلبه إلى شركة نفط البحرين (بابكو)، وللجهات المعنية داخل الحكومة، داعيا إلى إنشاء متحف على أرض البندر، مؤكداً في الوقت نفسه جاهزية وأهلية الموقع لذلك، «في ظل تاريخه التليد وتوافر المعلومات والصور الخاصة بحقبة النفط، إلى جانب موقعه الذي يشكل معبراً لجزر فوكلاند، حيث يتردد السياح الأجانب».
ولحظة الجولة البحرية في البندر، تحدث آل عباس لـ»الوسط»، عن الموقع بوصفه «قرية مندثرة»، فقال «قبل نحو 200 سنة، كان البندر ووفقاً لتوثيق اعتمدت فيه على استفراغ شهادات الرواة من كبار السن، عبارة عن قرية من قرى سترة، واسمها قرية (الدار) وتختلف عن قرية (الدور) الكائنة جنوباً».
وأضاف «ما حصل لقرية (الدار)، التي تظهر المعلومات صغر مساحتها، هو نزوح أهلها وجميعهم من البحارة، لقرية الحمرية والتي تقع على الساحل الغربي لجزيرة سترة، لتتحول قرية (الدار) بعد ذلك إلى ميناء أو مرفأ»، مشيراً إلى غموض في الأسباب وراء هذا النزوح، لافتاً في الوقت ذاته إلى تعرض (الحمرية) للاندثار هي الأخرى، والتي تكتسب أهميتها كونها مقرا لحاكم سترة القديم الشيخ خالد بن علي آل خليفة، والذي اتخذ من قلعة سترة التاريخية مقراً له، وذلك في زمن حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة.
وتابع «مرفأ الدار قديم جداً، ويتكون من ممرات بحرية لدرجة أن السفن الخشبية الكبيرة تستطيع المرور من خلالها، وأحد تلك الممرات هو (بوابة جابر) الكائن بالضبط في موقع شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات (جيبك)، ويمتد هذا الممر (قناة بحرية عميقة) إلى المرفأ أو الميناء»، وأردف «لا معلومات عن سبب تسميته بـ(بوابة جابر)، لكن كفرضية أولية قد يعود ذلك للشخص الذي عمل على إنشاء القناة».
ويواجه تاريخ البحرين، أحد أبرز تحدياته، ممثلاً في غياب ثقافة التدوين والتوثيق، «الأمر الذي يعزى إليه، غموض حوادث ومسميات، وضياع معلومات»، يشمل ذلك عمر قرية (الدار)، والذي يكتفي آل عباس بالقول إنه (قديم جداً).
وبحلول العام 1910، بدأت قرية (الدار) دخول مرحلة جديدة بوابتها (الذهب الأسود)، حيث تزامن ذلك مع بداية اكتشاف النفط في بلدان قريبة، من بينها إيران والعراق.
يعلق على ذلك آل عباس في كتابه (محطات من ذاكرة المعامير)، «هذا الأمر عزز من القناعة بإمكانية وجود نفط في البحرين وفي منطقة الخليج، لذا زار البحرين في 1924 الميجور هولمز (نيوزيلندي)، ليلتقي نائب حاكم البحرين آنذاك الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، وتم عقد اتفاقية بين الميجور وحكومة الانتداب في البحرين لحفر آبار للمياه».
وأضاف «نجح الميجور هولمز في العثور على المياه حيث تم حفر أول بئر مائي في البحرين عام 1925، وكان هدفه من العمل في البحرين الحصول على امتيازات نفطية قادمة».
آنذاك لم يكن الأهالي ليصدقوا هذا احتمال وجود النفط في بلدهم، رغم علمهم بوجود مادة (القار) في رأس البر، تحديداً عند بئر الأمل في منطقة الصخير، والتي كانوا يستخدمونها لصناعة خزانات الغوص الخشبية وتحصينه بـ(القار) من الأطراف.
يتابع آل عباس سرد تسلسل الأحداث «بحلول العشرينيات، بدأت عملية إدخال أدوات ومعدات التنقيب عن المياه والنفط وذلك عن طريق بندر الدار، والشيء المهم أن كبار السن في المنطقة كانوا يسمعون عن كل ذلك ولا يرون شيئا، حتى بدأت السفن ترسو على مقربة من بندر الدار، ليروا معدات الحديد الضخمة وهو الأمر الذي مثل ذلك مشهدا جديدا على الناس ومثيرا لهم، دون معرفتهم للسبب وراء ذلك، فقط أن ذلك دلالة على إقبال البحرين على مرحلة جديدة».
وأضاف «لم يكونوا ليتوقعوا أن النفط الذي يصلهم عن طريق عبادان وغيرها، سيجدونه في البحرين وأن ذلك سميثل إيذاناً ببدء نهضة اقتصادية واجتماعية».
وواصل «في العام 1931 وصل الى البحرين فريق من شركة شوكال للاعداد والتخطيط للحفر، وفي العام نفسه توقفت بعض السفن الانجليزية على ساحل سترة شرق المعامير محملة بالمؤن والمعدات الحديدية الضخمة التي تستخدم للحفر، وتم تفريغها على الساحل الشرقي لجزيرة سترة بالقرب من موقع خزانات النفط الحالية، ومع حلول العام 1932 تم الإعلان عن اكتشاف النفط في البحرين وبكميات هائلة، فبدأ العمل على البحث عن موقع تشيد عليه مصفاة النفط فاختاروا جنوب غرب المعامير، وهذا الأمر ضاعف من أهمية بندر الدار بالنسبة للإنجليز في ظل حاجة المصفاة للتصدير والتوريد فتم اختيار بندر الدار ليكون المنطلق لذلك».
وأردف «نتيجة لكل ذلك، بدأ البحارة في رؤية السفن الضخمة القادمة للبحرين عبر البندر وذلك للاستعانة بالعبارات لنقل المعدات للبندر، فيما كانت الشاحنات الضخمة من نوع (مرسيدس)، تحمل المعدات من البندر إلى موقع بابكو أو إلى عوالي لمباشرة أعمال التشييد والبناء، والتي تمت الاستعانة فيها بأهالي المنطقة لتعبيد الشوارع وغيره من الأعمال، كما تمت الاستعانة بأهل النويدرات والمعامير والعكر وسترة، في الغوص لتثبيت القواعد وكانوا يغوصون أسفل البحر من دون نظارات ولمدة تصل إلى دقيقتين وثلاث، وذلك لتثبيت الأعمدة، وكان ذلك مثار إعجاب الإنجليز».
عطفاً على كل ذلك، انتهى آل عباس للقول وهو يخاطب «بابكو»: «ما هو مأمول من الشركة، تشييد متحف في موقع بندر الدار، وهو اقتراح نأمل من الجهة المعنية في الشركة تلقفه، فالموقع يمثل محطة لتواجد يومي لأعداد كبيرة من السياح الأجانب من مختلف الجنسيات، ووجود متحف من شأنه تعريفهم بأهمية الموقع (الميناء)، أما المعلومات الخاصة بالمتحف فمتوافرة سواء لدينا أو لدى الشركة نفسها ونحن على أهبة الاستعداد للتعاون معها».
وبين حقبتين، كان بندر الدار حلقة وصل وجسر، نقل البلد لمرحلة كان الله فيها يغلق باب رزق (هو اللؤلؤ) ويفتح آخر (هو النفط)، فيما آل عباس يواصل توثيقه «انتشرت آنذاك الاخبار بسرعة الريح بين القرى عن مجيء النصارى الذين سيبحثون عن الذهب الاسود، حتى خرجت الافواج من الاهالي رجالا ونساء للتفرج على الحدث التاريخي الذي غير مجرى حياتهم لاحقا».