ماذا عاهدت «قتيلة الرفاع» ابنها قبل مقتلها بدقائق؟... وعائلتها لـ «الوسط»: هذه قصة رحيلها
العدلية - فاطمة عبدالله
«يمه لا تخليني... وعديني لا تخليني»، وتجيبه: «لا تخاف، أنت ولدي وعمري ودنيتي، أنت أول فرحتي... لا يا يمه أوعدك أبقى يمك طول العمر، أوعدك أني ما أغيب»... حوار بسيط حمل في طياته الكثير بين قتيلة الرفاع إيمان صالحي وابنها في كل مرة يركب معها السيارة، ففي كل مرة يدور هذا الحديث بينهما، إلا أن إيمان لم تفِ بوعدها لابنها، فغادرته بشكل لم تتخيله أو تتوقعه هي وغيرها يوما، فقد جاء القدر المحتوم.
عقارب الساعة تعود إلى يوم الجمعة (23 ديسمبر/ كانون الأول 2016) قبل الساعة الرابعة عصراً، حيث اتصال من إيمان إلى اختها أمل: «أنا في الطريق إليك لنذهب إلى بيت خالتي»... استعدت أمل وركبت السيارة مع إيمان ولم تكن تعلم أنها الرحلة الأخيرة التي ستجمعها مع أختها الوحيدة، وقبل انطلاقهم قالت الفقيدة بعفوية: «تمنيت أن أجتمع مع جميع خالاتي اليوم»... وبعد الرحيل، عرف الجميع أنها كانت تنوي توديعهن قبل أن يحل القضاء والقدر بالحكم عليها.
وصلت إيمان إلى بيت خالتها وأمها الثانية أم محمود، الساعة كانت تشير إلى الساعة الخامسة، همت بخلع عباءتها، أخذ ابنها في البكاء طالباً وجبة من إحدى محلات الوجبات السريعة، حاولت تهدئته لم تفلح تدخلت خالتها وأختها ولم يفلحن، فرضخت له، على الرغم من أنها لم يمض سوى 5 دقائق على دخولها منزل خالتها، وكان هذا آخر اللقاء.
ولدها كان حاضر المشهد، إلا أن والدة إيمان كانت حاضرة الإحساس، فإحساس الأم لا يخيب. فتحت أم إيمان قلبها لـ»الوسط» أثناء زيارة إلى مأتم العدلية للنساء، فدموعها أثرت في الجميع، صوتها يعلو المكان، تمنت لو كانت بالقرب من ابنتها ذلك اليوم لعلها تخفف من روعها أو تمسح على رأسها، لكن الأقدار شاءت أن تواجه إيمان ما واجهته وحدها.
وقالت أم إيمان: «ماذا أتذكر عنها، اليوم كل المواقف معها حاضرة، فمنذ ولادتها حتى مقتلها كانت هادئة، وقد ميزها ذلك كثيراً في علاقتها الاجتماعية، حتى باتت شخصيتها تجذب الجميع، فهي اجتماعية تحب خدمة ومساعدة الناس».
تعود إلى آخر موقف كانت حاضرة معها قبل مقتلها فقد كان قبل خروجها من المنزل، قائلة «في ذلك اليوم طلبت منها ألا تتأخر وقد كان ذلك خلافاً إلى العادة فهي لا تتأخر، لا علم لماذا طلبت منها ذلك، وقد أكدت بأنه ستعود في الساعة السابعة مساء؛ وذلك بسبب التزامها بالعمل».
ولفتت إلى أنها سمعت الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن ابنتها أمل التي أبلغتها مقتل إيمان.
تتوقف قليلاً فقلبها لا يحتمل ذكرى التفاصيل، فقد تمنت أن تكون المقتولة إيمان سنداً لها في هذه الدنيا تعينها على تقلباتها، فبدأت في البكاء حسرة على فراقها وألماً على طريقة قتلها، لتطلب من اختها وهي خالة إيمان سرد بعض من فصول حياتها فقد كانت الأم الثانية.
خالتها صرخت بين طيات الكلام «أنا من استقبلتها بقماطها عند ولادتها، وأنا من أغمضت عينيها وهي في المغتسل والكفن يغطي جسدها، فجعت قلبي فهي ابنتي التي لم أنجبها، فالله رزقني بابن واحد، فكانت هي الابنة لي».
تابعت حديثها وبكاء كان بكاء الأم: «منذ ولادتها وهي معي هي ابنتي وابنة أختي وصديقتي، هي حاضرة في جميع المواقف هي من تأخذني إلى مواعيد المستشفى، هي من توصلني إلى كل مكان، كنت أضحك وأنا أقول سأعلقك في إطار فأنت ملاكي لن يمسك أحد بسوء، كانت تضحك على ذلك، وليتها اليوم أمامي أضمها أقبلها، ليت الرصاصة صوبت نحوي وليس نحوها».
وأضافت «كانت تناديني بماما فكنا قريبتين من بعضنا بعضا، حياتها عملها وابنها وعائلتها، فهي لم تعرف غير ذلك، تعشق العلاقات الاجتماعية والتجمعات العائلية».
تعود خالتها بالذاكرة إلى يوم مقتل إيمان فهي كانت في منزلها «تلقيت اتصالا منها كالمعتاد، وأبدت رغبتها في أن نجتمع معاً، طلبت منها القدوم إلى المنزل، وبالفعل وافقت على ذلك وصلت إلى منزل وما هي إلا دقائق حتى بدأ ولدها بالبكاء طالباً وجبة من أحد المطاعم، حاولت إقناعه بالطبخ في المنزل، إلا أنه رفض، خرجت إيمان ولأول مرة أوصلها إلى الباب، سألتني هل ترغبين بشيء، وبعدها غادرت، وكان هذا هو اللقاء الأخير».
واصلت هنا الحديث أختها أمل: «كانت هذه هي المرة الأولى التي تخص كل فرد فينا بالسؤال، ما إذا كنا نرغب بشيء، فهي عادة تجمع بين الحاضرين، فقد سألتني كذلك ما إذا كنت أرغب بشيء، خرجت وبقيت أنتظرها، مر على الوقت ساعة، بدأت بالقلق بدأت بالاتصال عشرات ومئات المرات ولم أتلق ردا، فكان الهاتف يستمر بالرنين حتى ينقطع، أرسلت الرسائل ولا من مجيب».
وتابعت «بقيت أنتظر وأنا في قلق أحسست بوقوع مكروه، مر من الوقت ساعتين ولا رد، توقعت بأنها تعرضت لحادث، بعد ذلك بدأت الرسائل تنهمر عن مقتل فتاة في شارع النون، وقد وصل أيضاً على هاتف خالتي التي كانت أيضاً تحاول الاتصال فيها والحصول على رد».
وأضافت «وصلتني صورة السيارة دققت فيها، وإذا هي سيارة أختي، صرخت، وطوال هذا الوقت كنت اعتقد بأنه حادث سيارة، أبلغت خالتي توجهنا لمكان الحادث، أبلغت العائلة، إذ إن الأخيرة لم تتلق اتصالا من أحد، فيكف وقعت الجريمة ولماذا؟ فهي خرجت لشراء وجبة طعام، فكيف انتهى الحال هكذا؟».
أمل أختها الوحيدة إيمان، والتي فارقت الحياة بعد تعرضها للقتل، في الوقت الذي مازال التحقيق جارياً في الحادثة، فقدت أمل أختها الوحيدة والتي كانت معها في كل مواقف الحياة، وفقدت أم إيمان ابنتها البكر، في حين فقد حسين أمه، وكان هو الشاهد الوحيد على موتها.
صديقة إيمان كانت الأخيرة بمثابة أخت لها استذكرت كيف كانت إيمان، فهي شابة مفعمة بالحيوية والنشاط تعشق عملها كثيراً عملت في عدة أماكن، إلا إن عشقها كان الإعلام.
عائلة القتيلة أنهت حديثها مطالبة بأن تأخذ العدالة مجراها، وأن يتم القصاص في الحكم، فإيمان كانت ضحية جريمة قتل.