اغتيال سفير روسيا يهدد العلاقات الأمريكية التركية
الوسط - المحرر السياسي
لن تكون لحادثة اغتيال السفير الروسي في أنقرة تلك التداعيات الكبرى التي قد يتوقعها البعض. فهي لا تشبه عملية اغتيال ولي عهد النمسا فرانس فيرديناند التي أشعلت الحرب العالمية الأولى في العام 1914. كما أنها لن تُحدث نزاعاً بين روسيا وتركيا، بل على العكس من ذلك، ستؤدي إلى تقارب البلدين، وقد يكون في هذا الاختراق الأمني الذي أودى بحياة السفير الروسي أندريه كارلوف، خدمة لمخطط بوتين في سورية، حسبما قالت صحيفة "القبس".
وأعلن بوتين في بيان تلفزيوني أن "الجريمة تمثل استفزازاً يهدف إلى افشال تطبيع العلاقات الروسية – التركية، وتخريب عملية السلام في سوريا، والتي تحظى بالتأييد القوي من روسيا وتركيا وإيران وآخرين. والرد الوحيد على هذه الجريمة هو تصعيد الحرب ضد الإرهاب، وسوف ترى العصابات الارهابية ذلك بنفسها".
نظريات المؤامرة
وما من شك في أن هوية قاتل السفير ودوافعه وصلاته – إن كان له ثمة صلات – ستكون مصدراً لعدد لا نهاية له من نظريات المؤامرة.
ولكن هناك الكثير من الاسئلة المحرجة التي ينبغي على الحكومة التركية الإجابة عنها، فكيف يمكن لمتشدد أو أحد أنصار المعارض الذي يعيش في المنفى في الولايات المتحدة فتح الله غولن أن يدخل بسلاحه إلى القاعة التي كان السفير يلقي فيها كلمته، متفادياً أجهزة الأمن التركية؟.
لقد ظل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحاول منذ شهر يونيو/ حزيران الماضي، تحسين العلاقات مع بوتين، واعتذر عن اسقاط الطائرة الروسية المقاتلة فوق سورية، وهو الحادث الذي انحى فيه باللائمة على إرهابيين من أنصار غولين لمحاولة اشعال النزاع مع روسيا.
وبالمثل، فقد سارعت وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة إلى اتهام منظمة غولين، التي يتهمونها بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية في الصيف الماضي، بانها وراء حادثة الاغتيال.
عملية تخريب كبرى
وعنونت صحيفة "ياني سافاك"، في صدر صفحاتها الأولى، "عملية تخريب كبرى"، واتهمت المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) ومنظمة غولين بأنهما تقفان وراء المؤامرة التي تهدف إلى تخريب العلاقات الأميركية ــ التركية، وهو الشيء ذاته الذي ألمح إليه بوتين فور وقوع الحادث.
ولعل من المفارقة ان العلاقات الأميركية - التركية هي التي ستتضرر من تداعيات عملية الاغتيال، لاسيما ان الولايات المتحدة لاتزال ترفض طلباً تركياً لتسليمها المعارض التركي، الذي يعيش في منفاه بولاية بنسلفانيا.
فقد غرد الكثير من المسئولين الأتراك، متهمين "قوى ظلامية" بالوقوف وراء الاغتيال، كما وصفوا الحادث بـ "الاستفزاز"، الذي يهدف إلى زعزعة العلاقات الروسية - التركية.
اتفاق هش
فليس من مصلحة روسيا أو تركيا "تكبير" عملية الاغتيال، وسارعت موسكو إلى الإعلان بأن المفاوضات المقررة بشأن سورية ستتواصل، وأعلن اردوغان بعد اتصال اجراه بالرئيس بوتين ان "تعاوننا وتضامننا في مكافحة الارهاب سيكون أقوى".
وأشار المحلل السياسي التركي، مصطفى اكيول، إلى أن أردوغان وبويتن سيشيران بأصابع الاتهام إلى خصومهما الاستراتيجيين المفترضين، فكلاهما يؤمنان بالمؤامرة الغربية لإشعال النزاع بينهما.
ويرى محللون دبلوماسيون ان أياً من الزعيمين لا يرغب في عرقلة الاتفاق الهش، الذي تم بينهما بشأن سورية، والذي يسمح لكل منهما بالمضي قدماً لمحاولة تحقيق أهدافه من الحرب، فقد أكدت تركيا ان اختراقاتها للحدود الشمالية لسورية لا تهدف إلى اضعاف الحصار الذي تفرضه القوات الروسية والقوات الموالية للأسد، على مدينة حلب.
وفي هذه الأثناء يسود الاعتقاد على نطاق واسع بأن موسكو أعطت تأكيدات لتركيا بموافقتها على استيلاء أنقرة على مدينة باب شمال سورية بهدف إحباط الطموحات الكردية بإقامة دولة كردية بمحاذاة الحدود التركية.
نزعة توسعية
وأشار آرون شتاين من معهد اتلانتيك كاونسيل إلى أن "لدى كل من موسكو وأنقرة كل الدوافع لاحتواء هذه الأزمة. فالإجلاء القسري لحلب يخدم أهداف روسيا، في حين كسبت تركيا تواطؤ روسيا مع أهدافها في مدينة الباب، لكبح النزعة التوسعية الكردية".
واضاف "ان اغتيال السفير الروسي سيسهم في إحداث المزيد من عدم التوازن في العلاقة بين البلدين التي هي أصلا غير متوازنة، حيث ستكون اليد الطولى فيها لروسيا، وهذا يجعل العلاقة أكثر قوة".
وتبنت الحكومتان التركية والروسية الموقف ذاته من أن مؤامرة أكبر وراء الاغتيال وتهدف الى إفشال التقارب بين البلدين، بل إن وسائل إعلام مقربة من الحكومة في البلدين ألمحت الى وجود أيادٍ غربية خفية وراء الاغتيال.
وزعم السيناتور الروسي فرانس كلنيفيتش ان "هناك احتمالا كبيرا بتورط ممثلين عن أجهزة استخبارات تابعة للناتو في اغتيال كارلوف". وأنحى السيناتور اليكسي بوشكوف باللائحة على "الهستيريا السياسية والإعلامية" التي نسجها أعداء موسكو.
والسؤال الرئيسي هو: "من يقف وراء الاغتيال والحرب غير المعلنة على روسيا؟".
لا رغبة في التصعيد
ويقول الدبلوماسي التركي السابق والباحث حاليا في مؤسسة معهد كارنيغي سنان اوليغن ان "هناك فارقا كبيرا بين حادثة إسقاط الطائرة الروسية في يونيو الماضي، فهذه المرة، لا توجد رغبة لدى أي من الطرفين للتصعيد. بل على العكس، بدا أن البيانات التي صدرت فور وقوع الحادث تصوِّره على أنه محاولة لإحباط التقارب بين أنقرة وموسكو".
ومع ذلك أضاف اوليغن "تطالب موسكو بإجراء تحقيق في طبيعة الهجوم ومعرفة هوية المجرم او المجرمين. فمازال من غير المعروف ما إذا كان الحادث فرديا أم أن وراءه خلية جهادية منظمة تمكنت من اختراق أجهزة الأمن التركية".
الخبير في شئون الشرق الأوسط في مركز الشئون الدولية الروسي مكسيم شوكوف اعلن ان "روسيا وتركيا تبادلتا خلال الآونة الأخيرة الاتصالات الجوهرية على أعلى المستويات السياسية والعسكرية، وليس من المحتمل أن تكون لعملية الاغتيال أي تداعيات على العلاقات الثنائية.. فهناك الكثير من المصالح المشتركة بين موسكو وأنقرة".