صدام: الأميركيون همجيون جهلة دمروا العراق
الوسط – المحرر السياسي
الوسط – المحرر السياسي
كشفت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، بعض المشاهد من أول استجواب للرئيس العراقي المخلوع، صدام حسين، حيث نشرت، أمس الأول (السبت)، هذه التفاصيل، من كتاب العميل السابق في المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إي)، جون نيكسون، بعنوان: "استجواب صدام حسين"، الذي ينشر نهاية العام الجاري، حسبما قالت صحيفة "القبس".
وفي 13 ديسمبر 2003، فوجئ نيكسون، بعد أن أبلغه رجاله أنهم استطاعوا القبض على صدام، الرجل الأول المطلوب في العالم، بعد أن كان متواجداً في العراق لثمانية أسابيع، كمحلل مع المخابرات المركزية الأميركية.
واستدعي نيكسون من جانب المدير التنفيذي للاستخبارات المركزية، بازي كرونغارد، بعد أن كان مضى على محاولات إسقاط النظام تسعة شهور.
علامات فارقة
وكان عدد من كبار الضباط يسألون نيكسون في مكتب كرونغراد، كيف نتأكد أنه صدام؟ فأجابهم: "وشوم قبلية على يد ورسغ صدام اليمين، وندبة رصاصة على ساقه اليسرى، وميل في شفته السفلى" استطاع تعرّفها من خلال دراسة الأشرطة.
وقاطعه كرونغراد: "نريد أن نتأكد أنه صدام، وليس أحدا آخر"، في ظل "أسطورة" وجود أشباه لصدام، وانتشارها في الوسط الاستخباري الأميركي، فقرر نيكسون "الصمت"، بدلا عن ذلك، وإعداد أسئلة لا يستطيع سوى "الديكتاتور" الإجابة عنها.
وأخذت الطائرة صدام إلى مطار بغداد في تلك الليلة، وقررت التحقق هناك، بحسب مقتطفات الكتاب الذي نقلته "ديلي ميل".
اللقاء الأول
ووجد نيكسون نفسه أمام صدام، بعد أن انتقل إليه، وكان جالسا على كرسي حديدي، ويرتدي عباءة بيضاء، وسترة مبطنة زرقاء. وقال: "لا يوجد شك أن هذا الرجل لديه كاريزما، فقد كان ضخما وشديد البنية، وحتى وهو سجين ينتظر الإعدام، فقد كان يحمل هيئة مهمة". ثم أضاف: "عندما قلت له: لدي بعض الأسئلة التي ستجيب عنها بصدق، هل تفهم ذلك؟"، فأجابني: "متى كانت آخر مرة رأيت فيها أبناءك أحياء؟". وتابع بقوله: توقعت من صدام أن يكون شديدا، لكنني صدمت من حجم عنفه، عندما سألني: «من أنتم؟ هل أنتم المخابرات العسكرية؟ المخابرات؟ أجيبوني. حددوا أنفسكم!».
وعندها، لاحظ نيكسون الوشوم القبلية، وكانت شفة صدام متدلية، وكان يريد أن يرى ندبة الرصاصة، مؤكدا: «هناك الكثير لنعرفه: كيف هرب من بغداد؟ من ساعده؟ لكنه لم يقل، وأجاب عن الأسئلة التي يريدها فقط».
كما رد صدام على نيكسون: «لماذا لا تسألني عن سياستكم؟ يمكن أن تتعلموا الكثير مني»، وكان حادا حول التعامل القاسي الذي تلقاه من الجنود الذين جلبوه، وعاملوه بقسوة وعنف.
"كنت شكّاكاً"
وأوضح نيكسون: "كنت مصابا بالشكّ، فهذا الرجل لم يكن يفكر مرتين قبل قتل رجاله، عندما يعترضون على أتفه الأمور، ورفع العباءة ليريني الضرر بساقه اليسرى، فرأيت الندبة القديمة، وسألته عنها، فأكد لي غاضبا".
وكان اعتقال صدام أمرا ممتازا، لكن علينا أن نأخذ منه الحقيقة بشأن النظام، وخصوصا بشأن أسلحة الدمار الشامل التي كانت ذريعة الاحتلال، فكان جوابه هو السخرية منا ببساطة. وأجاب: "وجدتم خائنا دلكم على صدام حسين، أليس هناك خائن آخر يستطيع أن يقول لكم أين هي أسلحة الدمار الشامل؟" ورفع الوتيرة، قائلا إن "الأميركيين كانوا مجموعة من الهمجيين الجهلة الذين لم يفهموا العراق وأصروا على تدميره"، بحسب ما نقل الكتاب.
وتابع: "العراق ليس دولة إرهابية، وليس لنا علاقة بـ (زعيم تنظيم القاعدة السابق) أسامة بن لادن، وليس لنا أسلحة دمار شامل، ولسنا تهديدا للمنطقة، لكن الرئيس الأميركي جورج بوش قال إن العراق يريد مهاجمة والده، وكان يملك أسلحة دمار شامل".
وعند سؤاله، إن كان قد فكر باستخدام أسلحة دمار شامل استباقيا ضد الجنود الأميركيين في السعودية، فأجاب: "لم نفكر باستخدام هذه الأسلحة، ولم تناقش أساسا"، مضيفا بسخرية: "نستخدم أسلحة كيماوية ضد العالم؟ هل هناك أي شخص بقدرات كاملة قد يفعل ذلك؟"
لم يكن ما توقعناه
وقال نيكسون حينها: "لم يكن هذا ما توقعنا سماعه، فأين يمكن أن نكون قد أخطأنا؟" وقال صدام: "لم يكن هناك رغبة بالاستماع والفهم، ولا أستثني نفسي من ذلك"، باعتراف نادر، كان يمكن أن يخلق صورة أفضل لنوايا العراق.
وتساءل نيكسون: "هل كان يتلاعب بنا؟ بقلب الحقيقة لمصلحته؟". وعندما سأل نيكسون صدام عن استخدامه السلاح الكيماوي في مدينة حلبجة الكردية، خلال الحرب الإيرانية – العراقية، غضب، وقال: "أنا لست خائفا منك أو من رئيسك، وسأقوم بما ينبغي لحماية بلدي!"، ثم استدار لي، وقال: "لكنني لم أقم بهذا القرار".
وعندما أغلقت الجلسة، استدار صدام وحدّق بنيكسون بنظرة، قال عنها: "لقد أزعجت الكثير في حياتي، لكن لم يرد علي أحد بنظرة مخيفة كهذه".
مفاجآت
وأشار نيكسون إلى أنه استشعر بعض الحقيقة في ما يقوله صدام، رغم أنه كان ساخطا حول حلبجة، ليس لأن الضباط استخدموا أسلحة كيميائية، بل لأن هذا أعطى إيران الكثير من الدعاية».
في المقابل، كانت المعلومات حول صدام أنه كان يتعرض للضرب من قبل زوج أمه، لكنه قلب كل هذه التوقعات، قائلا: «زوج أمي كان ألطف رجل عرفته: إبراهيم حسن، باركه الله، وقد كنت أمين سره، وأقرب إليه من ابنه أدهم».
وحين سأله نيكسون حول اعتقاد المخابرات بأن ظهره يؤلمه، ولم يعد يأكل اللحم الأحمر أو يدخن، أجاب: «لا أعلم من أين تحصلون على معلوماتكم، لكنها خاطئة، فأنا أدخن أربع سيجارات كوبية»، مشيرا إلى أنه كان لائقا في شكل لافت.
وكان الملف حول صدام، في المخابرات، هو أنه كاذب محترف، إلا أن صراحته كانت مفاجئة، وحتى التوقعات بأن حكمه كان بقبضة من حديد، بدت خاطئة، فخلال السنوات الأخيرة، بحسب نيكسون، لم يكن صدام يعلم شيئا عما يجري في العراق، ولم يكن حريصا على ما تفعله حكومته، ولا يملك خطة دفاعية حقيقية.
11 سبتمبر
وتعجل صدام بنفي أي تورط له في الحادي عشر من سبتمبر، قائلا: «انظروا من المتورط، وما البلدان التي جاؤوا منها؟ متسائلا: «لماذا تظنون أنني كنت مشاركا؟».
وكان صدام يعتقد أن الهجمات قد تقرب أميركا من العراق، لأن واشنطن كانت تحتاج حكومة علمانية لتحارب الأصولية، لكن «كم كان مخطئا»، بحسب نيكسون.
«ستفشلون»
وقال صدام للمحققيين الأميركيين، بحسب ما نقل العميل السابق في الاستخبارات الأميركية: «ستفشلون، ولن تجدوا أنه من السهل حكم العراق».
وأثار هذا التوقع فضول نيكسون، وحين سأله مجددا، قال: «لأنكم لا تعرفون اللغة، والتاريخ، والعقلية العربية، ومن الصعب أن تعرفوا الشعب العراقي من دون معرفة الطقس والتاريخ»، فالفرق بيّن بين الليل والنهار، والشتاء والصيف، ولذلك يقال إن العراقيين عنيدون. وتابع: «الصيف القادم، عندما تشتد الحرارة، قد يثورون ضدكم، فأخبروا ذلك للرئيس بوش».
وقال نيكسون إن بوش استدعاه عام 2007، ليعطي توضيحا مفصلا، في المكتب البيضاوي، حول شخصية صدام، فوصفه: «كان رجلا ساخرا وحادا وساديا».
الموضوع الذي أبكاه
وقال نيكسون إن الموضوع الوحيد الذي دفع صدام للبكاء كان عندما ناقش موضوع بنتيه: رنا ورغد، حيث ترقرقت عيناه بالدمع، وتوقف صوته، قائلا: «أفتقدهما بشدة، وكانت علاقتنا عظيمة، وأحببنا بعضنا جدا».
وقال صدام إنه كان فخورا بولديه: عدي وقصي، لكنه كان واقعيا تجاههما، ما دفعه الى معاقبتهما أحيانا، خصوصا عدي، الذي أصابه بالصدمة عندما علم أنه كان يملك أسطولا من السيارات الفارهة، التي يحميها جنود الحرس الجمهوري، قائلا: «أي نوع من الرسائل نرسل للشعب حول من يجب أن يعاني من العقوبات ومن لا؟».