بالفيديو... فاطمة بعد فقدان البصر: «أشتاق لرؤية أمي»
الوسط - فاطمة عبدالله
قالت فاطمة وهي فتاة بحرينية فقدت بصرها منذ 11 عاماً: «ولدت بنظر كما نقول «ستة على ستة»، كنت أبلغ من العمر ست سنوات كنت أستعد للمدرسة والالتحاق بالصف الأول الابتدائي، وقد أجريت فحص النظر للالتحاق بالمدرسة وكنت أرى بشكل طبيعي، بعد الفحص بفترة وجيزة بدأت أرى ضباباً على عيني، وهنا شُخصت بوجود ماء في العين وعليه تم إرسالي مع عائلتي إلى أحد المستشفيات في المملكة العربية السعودية، ومن بعد العمليتين، تبدأ فصول حكايتي (...) الآن أنا أشتاق لرؤية وجه أمي».
فاطمة فقدت بصرها بعد 14 عاماً من ولادتها وحلمها رؤية حروف القرآن ووجه والدتها
الوسط - فاطمة عبدالله
تركض في ساحة كبيرة، فجرس بدء الحصة الدراسية يدق، صوته كان مسموعاً بشكل واضح، رؤيتها كانت ضعيفة لكن كانت تستطيع أن ترى النور، في لحظات أسودت الدنيا أمامها، بدأت خائفة فلا أحد أمامها يمكن أن تلجأ إليه، وصلت بعناء إلى الفصل الدراسي في المعهد، وهناك بقيت صامته تبحث عن كلمات تخفف عن وجعها، فبعد أن كانت ترى النور ولو قليلاً، أصبحت كفيفة لا ترى شيئاً، وذلك كان قبل 11 عاماً تقريباً.
مدت يدها لـ «الوسط» لتمشي وسط الأروقة وهي تعبر عمّا يدور بداخلها، رافضة أن يتم استعطافها أو النظرة إليها بشفقة، فهي حققت الكثير ومازالت تحقق، فاطمة أحمد علي شابة في العشرينيات من العمر، قصتها بدأت في تسعينيات القرن الماضي، بدأت بسردها بعد أن اتخذت مكاناً لتجلس فيه لتبدأ بسرد حكاية لم تنتهِ فصولها بعد، ففصول حكايتها قد بدأت للتو.
«ولدت بنظر كما نقول ستة على ستة، كنت أبلغ من العمر ست سنوات كنت أستعد للمدرسة والالتحاق بصف الأول الابتدائي، وقد أجريت فحص النظر للالتحاق بالمدرسة وكنت أرى بشكل طبيعي، بعد الفحص بفترة وجيزة بدأت أرى ضباباً على عيني، وهنا شُخصت بوجود ماء في العين وعليه تم إرسالي مع عائلتي إلى أحد المستشفيات في المملكة العربية السعودية»، بهذه الكلمات بدأت فاطمة تفاصيل حكايتها.
وواصلت فاطمة سرد قصتها: «نقلت إلى المملكة العربية السعودية لإجراء عمليتين، إلا أني دخلت في حالة شبيهة بالغيبوبة، وبقيت حبيسة المستشفى لمدة طويلة، فتحت عيني وكانت المفاجأة أن الطبيب نسي مادة السيلكون في العين؛ مما أدى إلى إصابتي بضعف حاد في البصر».
وأضافت «بعد مدة من الزمن التحقت بالمعهد السعودي البحريني للمكفوفين وذلك بسبب ضعف البصر الحاد، إلا أني كنت أستطيع أن أرى بنسبة بسيطة، كنت أرى وجه أمي وأبي وأهلي، كنت أرى نفسي».
وتابعت «بسبب المرض تأخرت في الالتحاق بالمعهد، وعندما بلغت من العمر 14 عاماً كنت في الصف السادس الابتدائي، وأثناء ما كنت في ساحة المعهد وأنا أمشي سريعاً لأدخل الفصل، تفاجأت بأن الدنيا أسودت أمامي، بقيت خائفة مذعورة، مشيت بخطوات ثابتة، فقد خشيت أن أسقط أو أظل الطريق، فكنت أشعر بالضياع، وصلت بصعوبة إلى الفصل، بقيت صامتة حتى حان موعد عودتي للمنزل، تفاجأت أمي بصمتي وهلعي فقد فقدت بصرياً كلياً، ذلك العام كان صعباً إذ فقدت البصر وفقدت أبي في العام نفسه».
وواصلت «مازلت أتذكر وجه والدتي قبل خروجي إلى المعهد، أشتاق إلى أن أرى وجهها مجدداً، ألمس وجهها بين فترة وأخرى لا أعتقد أنها تغيرت كثيراً، أفتقد رؤية حروف القرآن، أنا أقرأ القرآن بطريقة «برايل»، إلا أني أتمنى لو أرى حروف القرآن كما يراها الآخرون، أشتاق إلى رؤية وجه والدتي، أشتاق إلى أن أرى نفسي أمام المرآة، كيف أصبح شكلي اليوم».
بعد مرور سنوات، صدر قرار بدمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس الحكومية كان الخبر كالصاعقة لدى فاطمة، بدلاً من أن يكون مفرحاً فقد اعتادت أن تكون في المعهد السعودي البحريني للمكفوفين لسنوات طويلة، فكيف ستفارقه اليوم وكيف سينظر لها المجتمع، لقد أقلقها ذلك حتى غابت عن المدرسة لمدة شهر ونصف الشهر بسبب وعكة صحية ألمت بها، أعتقد فاطمة أنها أنقذتها في ذلك الوقت.
مر شهر ونصف الشهر وفاطمة لم تكن ضمن صفوف المقاعد الدراسية، أخذت والدتها بيدها لتنتظم في صفوف الدراسة وبالفعل كان اليوم الأول صعباً، حاولت إحدى الطالبات في ذلك العام الاقتراب منها، كانت طالبة متفوقة كما ذكرت فاطمة، حاولت أن تمد يد العون إلى فاطمة التي رفضت ذلك، فكانت ترغب أن تبقى وحيدة لخوفها، إلا أن تشجيع المدرسة في ذلك الوقت جعلها محاطة بالجميع، بعد فترة من الزمن أصبحت الطالبة التي مدت يد العون لها صديقتها التي مازالت تتواصل معها، إضافة إلى طالبات أخريات كن في المقدمة لمد يد العون لمساعدة فاطمة.
التحقت فاطمة بصفوف الدراسة الإعدادية، وبعدها الثانوية، فقد التحقت بالمسار الأدبي وحصلت على تقدير امتياز، وكانت ضمن لوحة شرف المدرسة، التحقت بعدها إلى المرحلة الجامعية ببعثة نتيجة تفوقها وحصلت على رغبتها الأولى لدراسة اللغة العربية في جامعة البحرين، فهذه اللغة عشقها، فهي هاوية للشعر والكتابة حتى أنها كتبت قصة «عاشقة الصمت» التي استغرقت كتابتها مدة من الزمن، إلا أن الحظ كما ذكرت لم يكن حليفها فقد رفضت دور النشر نشرها، وهو حلم كانت ومازالت تسعى إلى تحقيقه.
فاطمة رفضت أن يطلق عليها «مسكينة» فهي كلمة تكرهها وتكره سمعها، إذ قالت: «إنا لست مسكينة ولا يمكن أن يكون أي فرد من ذوي الاحتياجات الخاصة مسكيناً، فالإعاقة ليس إعاقة جسدية بل الإعاقة إعاقة القلب والروح، فعندما فقدت البصر في عيني زاد البصر في قلبي وروحي».
فاطمة تحدت الكثير، فهي اليوم كاتبة وفنانة، فقد رسمت وهي لا يمكن أن ترى، إلى جانب حبها إلى الموسيقى والعزف، وقد تحدت الإعاقة البصرية لتكون أول كفيفة في العالم العربي تحصل على شهادة المدرب المحترف من بريطانيا وكندا والبحرين، إلى جانب حصولها على شهادة الكوتش، وشهادة احترافية أخرى.
فاطمة اختتمت حديثها: «أمي كانت مصدر إلهامي وسبباً في تحقيق العديد من إنجازاتي، ولا أنسى فضل صديقات العمر اللاتي كن مصدر قوة وسند أيضاً، لا أنسى فضل أبي الذي فارق الحياة في العام الذي فقدت فيه البصر، ولا عون أخي الذي فارق الحياة هو الآخر في عمر صغير».
انتهت فاطمة من سرد حكايتها لتبدأ في رحلة أخرى تبحث فيها لتحقيق المزيد من الإنجازات لتثبت للعالم أن ذوي الاحتياجات الخاصة لا توقفهم إعاقة عن تحقيق ذاتهم في المجتمع، مطالبة بوقف نظرة الاستعطاف التي ينظر بها المجتمع إلى ذوي الإعاقة، قائلة: «لا يوجد إنسان كامل، فكل إنسان لديه ما ينقصه، إما في روجه أو في جسده، وفي نظري لا أعتقد أن إعاقة الجسد هي إعاقة كما يعتقد البعض، فإعاقة الروح هي أكبر وأشد من إعاقة الجسد».