العدد 5216 بتاريخ 17-12-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... أغلالٌ خفية

زهرة أحمد - قاصة بحرينية

استقمتُ من على السرير المتهرِّئ للمرة الأول لم اسمع انتفاضته. أحببتُ هذا التغيُّر الجديد، لكن الوضع من حولي يبدو مُوحشاً وكئيباً، كرهت هذا التحول المفاجئ، السقف أصبح بعيداً جداً عن سريري، الأثاث الملون أصبح صامتاً وداكناً ليس من عادته. نظرت من حولي، غرفتي لم تعد كما الأمس وشهيتي للطعام فُقدت، لا أعلم ما علَّتي .

صراخ جاري شتّت تفكيري عن دقات عقارب الساعة، ما الأمر الذي يصرخ به؟  توجهتُ نحو الباب أتطلعُ الأمر من الثقب السحري "هذهِ العمارة تعجُ بالأشباح"، من في زمننا يؤمن بالأشباح؟ وفي عمارتنا الهادئة؟! يبدو ان جاري قد ضربه مرض الخرف، لم أعهده هكذا متوهماً، متوجساً، خائفاً. نظر نحوه الشرطي وتمتم "لا وجود للأشباح إلا في صفحات قصص الرعب والخيال"، أشار الجار نحو بابي "يُمكنك أن تتأكد من هنا".

زفرتُ لا أود أن أكون جزءاً من هذهِ المهزلة، تابع الشرطي كلامه "لا بأس غداً سنفعل ما تُريد". ابتعدت عن الباب، هنالك شيءٌ يعتريني، شيءٌ صعب، بدأتُ أختنق، نظرتُ في المرآة وجهي شاحب وعيناي غائرتان غدوتُ كالشبح، ما الذي تغير بين الأمس واليوم؟ حملتُ نفسي وتوجهت خارج الشقة وكأن حبلاً يلتفُ حول عنقي، أغلالاً خفية، تخنُقني، تسحبني نحوه.

ركضت، بجنون، بعقلانية، بقهر، بفرح، باختناق، بحرية، سقطت رجلاي على رمل الشاطئ الأزرق، لم أكن هكذا، لم يجذبني البحر يوماً بغدره، بموجه، بسكونه. لطالما أحببتُ السماء، فهي الغاية والحدود التي أتطلع نحوها، قطرات الماء المالحة قبلت وجنتاي، ارتعشت، ما الأمر؟! بثقل شجاع اتجهتُ نحو البحر، سأخاطر، ساقاي عصت وصية والدي "إياك يا بُني أن تُعطي للبحر يوماً الأمان". هنالك كنزٌ يسحبني، غصتُ وكلما اتجهت نحو القاع أصبح الجذبُ أقوى، لم ألتفت نحو أسراب الأسماك التي نغصت هالة جسدي عليها رحلة الهجرة، هنالك شخصٌ في الأسفل، رباه، إنه غريق، اتجهت نحوه يجب أن أنقذه، سحبت الجثة... جِدُّ ثقيلة. محاولاتي باءت بالفشل، فضول دفعني كي أتطلع نحو وجهه الذي بدأ يتحلل، سقطت الجثة من يدي، لم أكن أحملها أصلاً .

في الصيف الماضي، خضت رحلة لوحدي، جرأتي البائسة، دفعتني لمطاردة سمكة فارة عن مجموعتها، تماماً مثلي، وجدت هي سربها ووجدتُ أنا قاعي والمنية .

بكيت، ماذا عن غد وبعده؟! هل سأتذكر كل هذا دون ألم الاكتشاف؟ دون وجع الحقيقة؟ دون التجول كروح عالقة؟

في الصيف الماضي، رحلة، نهاية حياة لجسد وبداية ألم لروح. 

 



أضف تعليق