الخليج العربي.. موئل الأعمال الإنسانية والخيرية حول العالم
المنامة - بنا
منذ إعلان الانطلاقة المباركة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في الخامس والعشرين من مايو/ أيار 1981، وقبل ذلك بسنوات أيضاً، لم يغفل الآباء المؤسسون من أصحاب الجلالة والسمو عن أهمية الدور الإنساني والإغاثي والتنموي لهذه المنظومة المباركة، جنباً إلى جنب مع الأدوار الرئيسة الأخرى؛ السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية.
لذلك فقد عملت دول مجلس التعاون لتكون شريكاً أساسياً مع دول العالم الأخرى في عمليات الإغاثة وتقديم العون والمساندة للمحتاجين في كل أصقاع الأرض، انطلاقا من مبادئها العربية والإسلامية والإنسانية، فكانت دائماً الحاضرة في كل المواقع التي شهدت نكبات الحروب والكوارث الطبيعية؛ تقدم يد العون وتمسح دموع اليتامى والمحتاجين، بل وتطور الأمر إلى أن أصبحت المنظومة الخليجية مساهماً أساسياً في تنمية العديد من الدول حول العالم، اقتصادياً واجتماعياً، حيث وصلت مشاريع التنمية الخليجية إلى ما يزيد على 100 دولة في أربع قارات، كل ذلك تأكيداً للدور الريادي لهذه المنظومة المباركة، والذي ينبع في الأساس من الأخلاق والتقاليد الراسخة التي تربى عليها أبناء الخليج العربي، وحمل لواءها أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس.
وبحسب الإحصائيات الرسمية العالمية؛ حظيت دول الخليج العربي بالمراتب الأولى في مجال الأعمال الإغاثية والإنسانية حول العالم، إلى جانب دورها المشهود في دعم المنظمات الدولية ذات العلاقة، وقد تجاوزت ثلاث دول خليجية، وهي المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة ودولة الكويت، الهدف الذي حددته الأمم المتحدة للمساعدات الرسمية للتنمية والبالغ 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
ولم تقتصر المساعدات الخليجية للدول والشعوب المتضررة على تقديم الدعم في حالات الطوارىء فقط؛ بل عملت على الاهتمام بإقامة المشاريع التنموية طويلة المدى، لذلك انتشرت المشروعات الخليجية في مختلف أرجاء العالم، حيث تم إقامة العشرات من المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء المؤقتة الدائمة، إلى جانب مشاريع لدعم الفئات الأقل حظًا وتنمية المجتمعات المحلية.
منذ عقود كانت القضية الفلسطينية المحور الأول في اهتمام قادة دول المجلس، فإلى جانب الدعم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي؛ كان اللاجئون الفلسطينيون محط اهتمام أشقائهم في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال المساهمة الفعلية في تحسين بيئة إقامتهم في مخيمات اللجوء وتوفير المساعدات المالية والغذائية والصحية والتعليمية؛ إلى جانب احتضان مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني للعمل في مختلف قطاعات التنمية في دول الخليج العربية.
وطوال العقود السبعة الماضية قدمت دول الخليج العربية؛ مئات الملايين من الدولارات في سبيل دعم صمود أبناء الشعب الفلسطيني ومساعدتهم في الحفاظ على هويتهم الوطنية، وكان لمبادرات الدعم الخليجية الفضل الأول في استمرار عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الانروا) في كل أماكن تواجد اللاجئين.
ولا بد هنا من المرور على الأزمة الخانقة التي عانت منها (الاونروا) العام الماضي، والتي كانت تهدد بتوقف العام الدراسي في مدارسها بالأراضي الفلسطينية والأردن ولبنان وسوريا بسبب تقلص الدعم المالي للمنظمة الدولية، فما كان من دول الخليج العربية إلا أن هبت لتغطية عجز الوكالة الدولية، فقدمت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت ما مجموعه 78.9 مليون دولار لسد العجز في ميزانية المنظمة الدولية والبالغ 101 مليون دولار، وهو ما مهد الطريق لعودة ما يزيد عن نصف مليون طالب فلسطيني إلى مقاعد الدراسة.
هذا إلى جانب توقيع دولة قطر اتفافية مع (الاونروا) وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي و(اليونسيف) بقيمة 40 مليون دولار بهدف دعم مشاريع إعادة الإعمار والتأهيل في قطاع غزة، فيما تعهدت البحرين، ومن خلال المؤسسة الخيرية الملكية، بالتبرع بمبلغ 5.5 مليون دولار من أجل إعادة إعمار قطاع غزة، عدا عن توفير مستلزمات عاجلة بقيمة 200 الف دولار للمتضررين من جراء النزاع.
ومع تفجر الأزمات المتتالية في الوطن العربي منذ العام 2011، عملت دول الخليج العربية على تقديم كل الدعم والمساندة الإنسانية للأشقاء في كل ساحات الصراعات، فتشكلت فرق عمل على مستوى المنظومة الخليجية لإغاثة الأشقاء في كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا...، واصلت العمل ليل نهار من أجل توفير بيئة إنسانية آمنة للاجئين والمهجرين من بلدانهم. إلى جانب تقديم معونات عاجلة تساهم في حفظ كرامتهم وتقيهم مذلة السؤال.
فعلى الجانب السوري؛ قامت دول الخليج العربية بإنشاء المشاريع التنمية لصالح اللاجئين السوريين في كل من الأردن ولبنان وتركيا، فتم تشييد الآلاف من المساكن والمؤقتة والعشرات من المدارس والمراكز الصحية، إلى جانب تقديم مساعدات للاجئين السوريين إما بشكل مباشر أو بدعم الدول المضيفة من أجل تحسين ظروف إقامتهم.
وبلغت قيمة التعهدات التي قدمتها دول مجلس التعاون الخليجية في مؤتمرات المانحين التي عقدت بمبادرة من دولة الكويت منذ عام 2011، ما يزيد عن 8.4 مليار دولار أمريكي، إلى جانب المساعدات المباشرة من خلال المشاريع المباشرة التي تقوم بها.
ورغم أن دول الخليج العربية لا تستخدم وصف (لاجىء) في تعريف القادمين إلى أراضيها من المناطق المنكوبة والمضربة، إلا أنها استضافت ملايين السوريين على أراضيها، مئات الآلاف منهم قدموا بعد تفجر الأزمة في بلادهم، حيث قدمت لهم كافة التسهيلات والإمكانيات لينخرطوا في المجتمع، إلى جانب العديد من المزايا مثل التعليم والخدمات الصحية المجانية وحق العمل وحرية الحركة. وقد حرصت دول الخليج العربية على عدم التعامل مع الأشقاء السوريين كلاجئين أو وضعهم في مخيمات، بل عملت على الحفاظ على كرامتهم وسلامتهم وتقديم كافة التسهيلات الممكنة لهم. إلى جانب حرصها على رعاية الملايين منهم في دول الجوار.
أما اليمن، وهي العمق الاستراتيجي للمنظومة الخليجية؛ فقد حظيت أيضاً باهتمام خاص من قبل أصحاب الجلالة والسمو قادة المجلس، فكان الشعب اليمني على الدوام محط الاهتمام وموضع التقدير من خلال عشرات البرامج التنموية التي تم تنفيذها طوال العقود الماضية بعشرات المليارات من الدولارات. لدرجة أن صنف بعض الاقتصاديون الدعم الخليجي لليمن بأنه "رئة الاقتصاد اليمني".
وبعد تفجر الأزمة الأخيرة، وسيطرة المليشيات الانقلابية على مفاصل الدولة اليمنية، هبت دول الخليج العربية لتقديم الدعم والمساندة للأشقاء اليمنيين؛ فكان الدعم السياسي والعسكري، والذي توازى مع الدعم الإنساني والإغاثي بتقديم برامج وحزم دعم للمتضررين من تدهور الأوضاع الأمنية، حيث عمدت المنظمات الانقلابية لحرمان ملايين اليمنيين من أبسط احتياجاتهم الإنسانية من غذاء ودواء، إلى جانب اضطرار مئات الآلاف من المدنيين للنزوح داخل بلدهم نتيجة للممارسات والجرائم التي ترتكبها المليشيات الانقلابية.
وحرصاً على توحيد العمل الخليجي في مجال الإغاثة للشعب اليمني الشقيق، وتنفيذاً لتوجيهات أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون، تم في مارس الماضي افتتاح مكتب تنسيق المساعدات الإغاثية والإنسانية المقدمة من دول المجلس للجمهورية اليمنية في العاصمة السعودية الرياض، ليكون قاعدة موحدة للمساعدات في اليمن بالتنسيق مع اللجنة الإغاثية العليا، وهو ما ساهم في تحسين جودة وكفاءة العمل ومنع الازدواجية.
وعلى الرغم من التحديات والمخاطر التي تعترض عمليات تقديم الإغاثة الى الشعب اليمني الشقيق، والمتمثلة في منع المليشيات الانقلابية لقوافل المساعدات وتدمير الطرق ومحاولات إرهاب الطواقم الإغاثية وعمليات السطو والتهديد؛ إلا أن إصرار دول مجلس التعاون على القيام بدورها الأخوي والإنساني لم يمنعها من مواصلة عملها في ظروف صعبة للغاية، فتوالت قوافل المساعدات براً وبحراً وجواً، حاملة على متنها احتياجات الملايين من الأشقاء اليمنين من مواد غذائية وطبية، بالتوازي مع تنفيذ عشرات البرامج التنموية في مجالات التعليم والرعاية الاجتماعية وإعادة الإعمار في المناطق اليمنية المحررة بالتنسيق مع الحكومة الشرعية.
وبحسب رسم بياني نشرته وزارة الخارجية الأمريكية في يونيو الماضي؛ فقد كانت ثلاثة دولة خليجية ضمن قائمة الدول العشرة الأول في تقديم المنح والمساعدات الإنسانية لليمن، وجاءت المملكة العربية السعودية في المركز الأول، قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وتليها دولة الإمارات العربية المتحدة، في حين احتلت قطر المرتبة السابعة ضمن القائمة.
وإلى جانب الجهود الكبيرة التي تبذلها دول الخليج العربية في مساعدة الأشقاء العرب، فقد كانت بصمات العمل الخليجي الإغاثي والإنساني واضحة في العديد من المواقع حول العالم، حيث توزع العمل الإغاثي الخليجي على امتداد خارطة العالم؛ لا يفرق بذلك بين عرق أو دين أو لون؛ دليله في ذلك رسالته الإنسانية النابعة من سماحة الدين الإسلامي والتقاليد العربية الراسخة في تقديم العون والمساندة لكل من يحتاجها.
وها هي المشاريع الإغاثية الخليجية تخترق الحدود لتكون يد الخير التي تضمد الجراح وتغيث الملهوف حول العالم، وتعيد التأكيد أن العمل الإنساني لا يعرف إلا العطاء، فمن باكستان وسريلانكا وأفغانستان وبنجلاديش والفلبين وتيمور الشرقية والمالديف وقيرغيزستان وطاجيكستان وقيرغيرستان، مروراً بالسنغال وجيبوتي والنيجر وإثيوبيا وموريتانيا وجامبيا وغانا والكاميرون وزنجبار وجزر القمر وتنزانيا وبنين، وصولاً إلى هايتي وهندوراس ونيكاراغوا وبوركينافاسو، وحتى الشيشان والبانا والبوسنة والهرسك.. تتجلى روح العمل الإنساني بأبهى صوره.
أما على صعيد المنظمات الأهلية؛ فقد كانت هيئات العمل الخيري الخليجية على رأس منظمات العمل الإنساني الدولية في تقديم الدعم والإغاثة للمحتاجين حول العالم، إيماناً منها بسمو رسالتها وتأكيداً على الدور الريادي الذي يمكن أن تساهم فيه، وتفعيلاً لدور المواطن الخليجي بالمساهمة في تخفيف معاناة المحتاجين، ووفاءاً للقيم والثوابت الأصلية النابعة من منهج رسالة الإسلام الحنيف.