بنا: البحرين والقمة الخليجية الـ37... دور بحريني كبير في دعم العمل الخليجي المشترك ومواجهة التحديات وتحقيق الآمال للوصول للاتحاد
المنامة – بنا
تستضيف البحرين خلال الفترة من 6 إلى 7 ديسمبر/ كانون الأول الجاري القمة الخليجية الـ 37 لقادة وزعماء دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تحظى باهتمام واسع، خليجياً ودولياً، نظراً لحجم التحديات والتطورات المتسارعة التي تواجه دول المنطقة في الفترة الراهنة، فضلاً عن طبيعة الملفات المتوقع طرحها للنقاش، والتي يقع على رأسها الخطوات الممكن اتخاذها للوصول إلى مرحلة الاتحاد الفعلي.
وتكتسب هذه القمة أهميتها من أكثر من اعتبار، أولها: أنها القمة السابعة التي تستضيفها المملكة على أراضيها منذ إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد قمم أعوام: 1982، و1988، و1994، و2000، و2004، و2012، والتي تجسد في مجموعها دأب البحرين وجهود قيادتها المتواصلة لدعم استمرارية دورية انعقاد القمم الخليجية، وكيف ساهمت المملكة بمكانتها وثقل قيادتها على تحقيق التآلف والتضامن الخليجي ـ الخليجي.
ثانيها: تعويل الكثير من قادة وأبناء دول التعاون على قمة المنامة لتعزيز مسيرة المجلس التكاملية في خضم عالم متلاطم الأجواء، خاصة عند النظر إلى ما تحقق من نتائج جوهرية في دورات القمم السابقة التي استضافتها المملكة طوال العقود الثلاثة الماضية، ومثلت علامة فارقة في تاريخ المجلس ككل ووحدة شعوبه بشكل خاص، وفي ظل تطلعات الشعوب الخليجية بأسرها لتحقيق الإنجاز المنشود والحلم الكبير بإقرار مشروع الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد الخليجي.
ثالثها: اختلاف قمة المنامة عن سابقاتها، ليس فقط بسبب مستوى الطموحات والآمال التي تنعقد عليها، مثلما ذكر سلفاً، ولا بسبب الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم لجهة محاولات زرع الفتن والتدخلات في شؤونها الداخلية وخطر امتدادات التوترات الإقليمية إلى قلبها. وإنّما بسبب ثقل التحديات والأعباء التي تقع على كاهل المجلس، حالياً ومستقبلاً، باعتباره كياناً إقليمياً يقع وسط تجمعات تنظيمية لم تعد تعترف بمنطق التعامل الفردي، ودور هذا الكيان المتعاظم ـ المقدر والمطلوب عالمياًـ في حلحلة وتسوية الكثير من القضايا والملفات، المحلية منها والإقليمية والدولية، وعلى رأسها العمل الإنساني والإغاثي وأسعار أسواق النفط وجرائم التطرف والإرهاب.
وتنعقد القمة الخليجية الـ 37 في توقيت بالغ الأهمية بالنسبة للبحرين، لا سيما مع الأجواء المحيطة بالتطورات الإقليمية والعالمية المختلفة، وما أفرزته من تحديات ومخاطر، وربما فرص أيضاً، تستوجب من المملكة وشقيقاتها سرعة التعاطي معها ومواجهتها وفق منطلق ثابت ورأي واحد، وهو ما يمثل أولوية قصوى بالنسبة للبحرين وقيادتها الرشيدة التي تسعى مع شقيقاتها الخليجيات إلى تبني موقف سياسي ودفاعي وأمني واقتصادي موحد في مواجهة خارطة من التهديدات المشتركة، التي لا تنتهي عند فوضى الحروب والصراعات، وتمتد للمستجدات والأوضاع الاقتصادية أيضاً، وتحتم التعاطي معها برؤى ومواقف مغايرة.
وربما لذلك السبب تأتي أهمية المشاركة والحضور الدولي المصاحب لأعمال القمة الـ 37 بالمنامة، حيث تشارك رئيسة الوزراء البريطانية بدعوة خاصة من العاهل المفدى الملك حمد بن عيسى آل خليفة في القمة، وهو ما يضفي أهمية خاصة على أعمالها لما تمثله المملكة المتحدة من دور كبير كقوة دولية مؤثرة، كما أن ضيفة الشرف البريطانية تحل في أول زيارة لها للمملكة منذ توليها مهام منصبها، وتعد زيارتها أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء بريطاني للمنطقة منذ زيارة رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون لدولة الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر 2013، وهو ما سيتيح فرصة مناسبة للقاء والتشاور مع قادة دول التعاون.
ويبدو دور مملكة البحرين في هذا الصدد مهماً جداً، إذ بالإضافة إلى كونها ملتقى هذه اللقاءات المهمة، فإنها تعد حليفاً ذا ثقل كبير مع كل القوى المؤثرة، الإقليمية منها والدولية، ومنها بريطانيا بالتأكيد، ولها دور رئيس في الكثير من القضايا المثارة على الساحة التي لا تقف عند حدود اليمن أو سوريا، وإنما تشمل دول الإقليم برمته. كما ترتبط البحرين ـ مستضيفة القمة الخليجية الـ37 ـ بشبكة علاقات وطيدة وممتدة مع الكثير من الأطراف والوسطاء بفضل مواقفها الراسخة وثبات سياستها الخارجية، وحضورها وتواجدها الدائم في المحافل المختلفة، ناهيك بالطبع عن مصالحها ومنجزاتها الوطنية ومكتسبات شعبها التي ينبغي حمايتها والعمل من أجل توسيعها وتعزيزها، وفي مقدمتها: دعم الأمن الداخلي وارتباطه بمفهوم الأمن الخليجي المشترك، وخلق الفرص المستدامة للنمو في البحرين والمنطقة دون توترات أو اضطرابات.
ولا شك أن مملكة البحرين بفضل تلك الرؤية الثاقبة والنهج المؤزر لقيادتها ستحاول مع شقيقاتها الخليجيات بكل ما أوتوا من جهد لتوظيف القمة الـ37 لتحقيق إنجاز جديد يضاف لسجل منجزات المجلس في مسيرته المباركة نحو تلبية تطلعات المواطنين الخليجيين، وبما يراعي استحقاقات المرحلة الراهنة التي تمر بها دول الخليج، سيما في مواجهة أية عقبات تواجه وحدة صفها وتماسكها الاجتماعي، أو تنال من أمن شعوبها واستقرار أوضاعها.
ولعل من بين أكثر القضايا التي ستكون على طاولة نقاشات قادة وزعماء دول الخليج في قمتهم المنتظرة بالمنامة ما يتعلق بملف الاتحاد والتكامل الشامل، وهو الملف الذي بات يفرض نفسه على الرأي العام الخليجي في هذه الفترة بالذات لأكثر من سبب، أقلها وجود العوامل المحفزة والمقومات الرئيسية للتوحد بين شعوب المجلس، ودور هذا الاتحاد في حال النجاح في تحقيقه في حل الكثير من المشكلات ومجابهة أعتى العقبات، خاصة مع تصاعد حدة التهديدات التي تحيط بالمجلس، وخطر النوايا العدوانية والأطماع التوسعية لبعض القوى الإقليمية التي تحاول مد نفوذها وفرض هيمنتها على دول المنطقة بطرق شتى.
يضاف إلى ذلك، تلك القضية المحورية التي تمثل أبرز نجاحات مجلس التعاون خلال العقود الثلاثة السابقة، وتتعلق باستمرارية دعم جهوده المبذولة نحو مزيد من الاندماج المجتمعي بين الشعوب الخليجية وبعضها، أو ما يشار إليه بالمواطنة الخليجية الكاملة، خاصة على الصعد الاجتماعية والإنسانية المختلفة، وعلى وجه التحديد في الوظائف والنشاط التجاري والتنقل، والتي تمثل بدورها مطلبا شعبيا ضروريا الغرض منه دعم وتعزيز أواصر القربى وتحقيق مزيد من القوة والترابط والتلاحم الشعبي الخليجي في مواجهة المشكلات الكبرى التي تمر ليس فقط بالمنطقة، وإنما بالعالم أجمع.
وتأتي أخيراً أهمية دعم البنيان الاقتصادي الخليجي ليكون أكثر صلابة وقوة، وهو الملف الذي نجحت فيه دول المجلس أيما نجاح، ولا يحتاج سوى استكمال بعض لبناته الأخيرة، وعلى رأسها العملة الخليجية، وتقديم مزيد من الدعم للمبادرات الخاصة والأهلية ورواد الأعمال، وفتح المجال والفرص الواعدة أمامهم، وتوطين الصناعات، وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن اضطرابات الأسواق العالمية للمواد الخام، وهو ما يتطلب عملاً خليجياً موحداً ورؤية متناسقة مشتركة لضمان استمرار مسيرة العمل الاقتصادي التكاملي.
إن انعقاد القمة الخليجية الـ 37 في رحاب مملكة البحرين سيسهم بلا شك في تحقيق المزيد من إنجازات العمل الخليجي المشترك، وسيضع مجلس التعاون الخليجي أمام مرحلة جديدة من مراحل التطور النوعي الكبير الذي ينتظره مواطنو دول المنطقة بأسرهم ويمضون قدما لتحقيقه أملا في بلوغ حلم الاتحاد والتكامل الشامل فيما بين دولهم وشعوبهم.