الجوافة والليمون البحريني «انقرضا»... و70 % من المحصول مفقود
بالفيديو والصور... مزارع الديه إلى زوال: أمن غذائي تهدده فرجة «الزراعة»... ونهم الأسمنت
الديه - محمد العلوي
قرية خضراء مزرقة، صحت ذات يوم على وقع زوال «دواليبها» وبحرها، ولتجد نفسها اليوم على أطلال ماضٍ يغادر تباعا.
هي الديه، أم البتايل، والبسيتين، والدولاب العود، والمدينة والرفض، والاسماعيليات. بعض من «دواليب» كانت ذات يوم زاد الأهالي ولقمة عيشهم.
زاد هو اليوم مهدد، وفقاً لرصد «الوسط» ووفقاً لتأكيدات مزارعي القرية، ممن بينوا تراجع المحصول من مزرعتي الزيمور (المدينة والرفض سابقاً)، والاسماعيليات، بمقدار يصل إلى 70 في المئة مما كانت تجود به المزرعتان من: المشمش، الاترج، الجوافة، الرطب، المانجو، الصبار، الليمون البحريني، التين، واللوز.
وفي تسلسل لحلقاتها الخاصة بملف الأمن الغذائي، زارت «الوسط» ما تبقى من مزارع «ديهية» لتوثق تداعيات فشل إدارة شئون الزراعة والثروة البحرية في وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني في إصدار قانون لحماية ملكية أو تنظيم التعامل في الأراضي الزراعية، ولتستمر في فتح الملف الذي يؤكد المختصون واقعه الصعب، في ظل اعتماد البحرين على الخارج بنسبة تصل في بعضها إلى 90 في المئة، وذلك لاستيراد مواد غذائية رئيسية، من بينها: القمح، السكر، الألبان، الزيوت، والدواجن.
مزارع أضحت «كراجات»
مشاهد مؤلمة، تلك التي وقفت عليها الزيارة الممتدة لثلاث ساعات وبرفقة المهتم بالجانب التراثي خليل الشيخ، لعل أكثرها مشهد تحول جزء من مزرعة الزيمور (المدينة والرفض سابقاً)، إلى كراج.
ووسط ما تبقى من المزرعة، كان الحديث مع المزارع عبدالعزيز علي أحمد الزيمور، والذي رد على سؤال بشأن ما جرى للمزرعة بالقول «صحيح ان الزراعة جزء من تراثنا ومن المهم الحفاظ عليها، لكني واثق من أن أي شخص في مكاني سيتصرف تماماً كتصرفي وسيقول نفس الكلام»، وعقب «إذا ما تحصل عون من الأب، الأولاد يتعبون» في نقد منه لدور الجانب الرسمي.
وبين الزيمور والاسماعيليات، تنقلت الزيارة بين مزرعتين تفصل بينهما بضعة أمتار، لكن تمايز «طينتهما»، جعل لكل منها خصوصيتها، فمن مزرعة الزيمور كانت الديه تجود بالأشجار السطحية واللوز والصبار الهندي، ومن الاسماعيليات كانت المحاصيل بمختلف أنواعها.
يتوقف المزارع الزيمور عن حرثه، ليعلق «بسبب طينة مزرعتنا، وهي طينة «خايسة»، لم تكن قادرة على انتاج الحمضيات، وهو ما يختلف بالنسبة لمزرعة الاسماعيليات».
مزرعة تعاقبت عليها السنون، فمن الوالد علي الزيمور انتقلت كإرث للأبناء، ولتقسم لخمسة أقسام متجاورة.
يقول عبدالعزيز الزيمور: «في السابق كانت هذه المزرعة تعرف باسم المدينة والرفض، وكانت عبارة عن قسمين يفصل بينهمل نهر ماء، وبعد تعاقب السنين، لم تتبق إلا نحو 5 قطع وزعت على أفراد العائلة (الورثة)، ومن بينها هذه الأرض التي نقف فيها».
وأضاف «سابقاً كانت هذه المزرعة ملك للوالد رحمه الله، وانتقلت لنا بعد وفاته، لتتقسم على أبنائه، وشيئاً فشيئاً بدأنا نهجر الزراعة وذلك عائد لجملة أسباب من بينها ملوحة الماء، وحصولنا على وظائف توفر لنا دخلا شهريا أفضل مما توفره الزراعة، وبتعب أقل، حتى تبقت لنا قطعة أرض نأكل منها «جمن» رطبة ونترحم على الوالد».
التضحية بالزراعة
لتوسعة الشارع
بعد أن كانت مزرعة الزيمور ممتدة على مساحة شاسعة تقدر بحوالي 250 مترا مربعا، أضحت اليوم رقعة تعادل 30 في المئة فقط من المساحة السابقة، وذلك بعد أن تحولت بعض مساحاتها لبيوت مجاورة وكراج لتصليح السيارات، فيما يتهدد ما تبقى، عزم وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني، اقتطاع أمتار من المزرعة الحالية لتوسعة الشارع المحاذي لها.
يعود الزيمور للحديث «حين سألني أحد الاخوة مؤخراً عن سبب عدم عودتي للزراعة، أجبت (صحتي على قدها). فصحيح أن الزراعة «زينة وتفرج الهموم»، وكما هو معروف فإن 3 أشياء تذهبن الحزن، الخضرة والماء والوجه الحسن، وهو ما حدا بنا للاستعانة مؤخراً بعامل آسيوي للعمل معنا».
وبحسب حديث المزارع الزيمور فإن ملوحة الماء باتت تضيف أعباء كبيرة على الزراعة، حتى بات المحصول بحاجة لضعف المدة السابقة لكي يرى النور، وكمثال على ذلك فإن الخضراوات كـ«الرويد والبقل» باتت تحتاج شهراً كاملاً بدلاً من 15 يوما.
وعودة للوراء، يتذكر الزيمور بدايات المزرعة، فيقول: «بحسب ما لدي من معلومات فإن الوالد اشترى عقار المزرعة بداية الخمسينات، وعمل على استخراج الماء من 5 آبار منها، فبقيت على هذا الحال لنحو 15 سنة حيث ازدهرت الزراعة بفضل الماء العذب، وبعد وفاته في العام 1968 تقسمت المزرعة للورثة من الأبناء».
منها تزوجنا وعليها عشنا
أبعد من القول إن الزراعة لتفريج الهم، كان الزيمور يشي لأهمية كبرى ودور حيوي، وهو يقول: «قبل، كانت عيشتنا على الله وعليها، والخير كان واجد قبل. منها نأكل ونتزوج ونسافر، وكان ذلك قبل انتقالنا لوظائفنا».
في السياق ذاته، كان المواطن خليل الشيخ يتذكر «في أيام طفولتنا كنا نتواجد هنا، وكانت المزرعة جنة حقيقية، ومنها كانت (قواري) الخضراوات والفواكه تخرج للسوق...».
الأسمنت بدل الخضرة
«اليوم، لا يبدو استمرار ما تبقى من مزارع ديهية مضموناً». يقول الزيمور ويضيف «وجود ما تبقى مهدد، وفي أية لحظة قد نرى الاسمنت قد حل محل هذه الخضرة، وهو ما سعينا له بكل أمانة مؤخراً، غير أن انتهاء مدة إجازة البناء أوقف كل شيء».
ورغم تراجع مستوى الزراعة فيها، لاتزال مزرعة الزيمور قادرة على انتاج أصناف من الفواكه، من بين ذلك شجرة تتوسط المزرعة وعنها يقول الزيمور وهو يستند على جذعها المتين «هذه شجرة كنار مركب، وقد كانت في السابق كنارا عاديا لكنها بعد التركيب باتت تنتج كنارا بمباويا، لذيذا من حيث الشكل والطعم، ويقترب في شكله من التفاح».
«شئون الزراعة»...
ليست عوناً
وعوضاً عن القيام بدور مساعد، يشكو المزارعون إجراءات رسمية أقدمت عليها شئون الزراعة، من بين ذلك قول الزيمور «تقدمنا لهم بطلب مياه الصرف الصحي، فجاء الرفض بحجة أنها منطقة سكنية لا زراعية».
فيما يقدم المواطن خليل الشيخ في هذا الصدد مقترحه الذي يراه واقعياً لحماية الأراضي الزراعية في البحرين، حيث يقول: «يمكن للدولة منح أراضٍ زراعية للناس بشكل مؤقت، لتزرع فيها المحاصيل السطحية، وبذلك نكون قد اصطدنا عصفورين بحجر واحد، فمن جهة تم الحفاظ على الزراعة ومن جهة أخرى لم يتم إضرار مالك الأرض فيما لو أراد القيام بمشروع بناء مستقبلاً».
في «الإسماعيليات»...
لا تتعب القدمان
وإلى «الاسماعيليات»، المزرعة الكبيرة التي تقع في الجهة المقابلة لكوبري السيف، والتي كان البحر يعانقها من جهة الشمال قبل أن تحل محله منطقة السيف ذات الأبراج الشاهقة.
وعلى وقع صوت «الجدابة»، كانت الجولة تقطع «سيبان» المزرعة و«شروبها»، عرضاً وطولا، فيما مصور «الوسط» أحمد آل حيدر يعلق بعفوية «لو كنا نمشي نفس المسافة في أرض قاحلة لتعبنا، لكننا هنا في أرض زراعية خضراء نجد العكس».
وفي السابق كانت تربة «الاسماعيليات» تنتج مختلف أصناف الفواكه والمحاصيل، وهو ما يشير له المزارع عبدالهادي علي مكي النيسر والذي «يتضمن» المزرعة منذ العام 199، «سابقاً كانت هذه الأرض بستانا تنتج كل أنواع الفواكه: المشمس، الاترج، الجوافة (اختفى)، الرطب، المانجو، الصبار، الليمون البحريني (اختفى، يتفوق على نظيره العماني ويمتاز بحجمه الكبير وقشره الرقيق ورائحته المنعشة القوية ومائه الكثير)، التين، اللوز، بالإضافة لورد الرازقي الذي اشتهرت به وذاع صيتها، حتى قال أحد ملاكها حين عرض عليها شراء المزرعة «ولا بقيمة الرازقية»، في إشارة منه لاستحالة التفريط بالمساحة الخاصة بالمزرعة بل وبـ«الرازقية» والمقدرة مساحتها بـ 100 فوت مربع.
يتحدث النيسر عن «الاسماعيليات» واصفا «امتازت بأشجارها الكثيفة، حتى كانت الرؤية تستحيل بين مسافة وأخرى داخل المزرعة نفسها».
ثلاثة أرباع المحصول... مفقود
اليوم، تراجع محصول «الإسماعيليات» ووفقاً لما يذكره المزارع النيسر، بنسبة تقدر بـ 35 في المئة، حيث اختفت الكثير من الأصناف، وتراجع ثلاثة أرباع المحصول، رغم عمل 12 آسيوياً فيها.
وقبل نحو 8 سنوات، كانت «الاسماعيليات» التي تعاقب عليها الملاك، تتجه كسابقاتها للاندثار، وذلك في ظل سعي الملاك لبناء 3 أبراج تناطح السحاب، قبل أن تأتي الأزمة المالية العالمية بتداعياتها التي فرملت هذا السعي، ولتبقى المزرعة حتى اليوم وسط أمل من مزارعيها للابقاء عليها لما تمثله من «ثروة ومتنفس»، كما يقول المزارع النيسر.
ويتحدث النيسر عن «الاسماعيليات» في سنيها الخوالي، ليقول: «في جانبها الشمالي كانت «البدعة»، وهي عبارة عن موقع يضم بيوتا من سعف النخيل (عرشان)، وكانت مقصداً للضاعنين من البحرينيين من مختلف الأطياف من المحرق وغيرها».
ثروة «الاسماعيليات» على الجانب الزراعي، فمن بين مساحتها الشاسعة خصص المزارع عبدالهادي النيسر، مساحة لحظيرة المواشي من الأبقار والدجاج.
يتحدث عن انتاج الحظيرة بالقول «لدينا 52 رأس بقر، وأعداد كبيرة من الدواجن، ووجود الحظيرة أساسي فمن دون أبقار «الدولاب ما يسوى».
ورغم إشادة النيسر بجهود مسئولي الثروة الحيوانية في وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني، إلا أن أحوال الثروة الحيوانية لا تختلف كثيراً عن نظيرتها.
ثروات بلا غطاء ولا دعم رسمي، يقول النيسر: «للامانة فإن المسئولين والموظفين في الثروة الحيوانية لا يبخلون بتعاونهم معنا، حيث يتم توفير الطبيب البيطري والتطعيم السنوي، غير اننا نفتقر للادوية، والدعم بشكل عام بحاجة للزيادة، كما أن عدد الاطباء قليل وخصوصا في مجال التناسل والحمل والولادة، وإلى جانب ذلك هناك حاجة لزيادة كميات العلف أو (الشوار)».
يعلق عبدالهادي النيسر لحظة وقوفه بالقرب من أبقاره التي وصل سعر الواحدة منها 1300 دينار بعد أن كانت قبل 10 سنوات 500 دينار «بغض النظر عن التعب الجسدي، الا ان مثل هذه المناظر والاجواء الطبيعية «تفتح» النفس».
وتنتج «الاسماعيليات» نحو 150 كليو حليب يومياً، ونحو 6 «شيتات» من البيض، الى جانب اللحم والسماد، فيما يقول النيسر: «الإقبال جيد ومتزايد من الناس على شراء بيض دجاج المزرعة، والتجارة في هذا المجال مربحة ومجزية».