العدد 5198 بتاريخ 29-11-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... إنسانية

وائل إسماعيل خالدو- قاص سوري

لم تكن القرية التي أسدلت نقابها خجلاً من حلول الليل قد رفعته كله، حين أيقظته زوجته لإخباره بموت جارهم في القرية. نهض من فراشه الدافئ، ارتدى ملابسه الرثة وخرج من منزله على عجَلٍ إلى حيث يجتمع رجال القرية.

وجوه الجالسين في منزل المتوفى؛ تجهّمت عند وصوله، سادَ الصمت فجأة في المكان وشخَصت إليه الأبصار. دخل مطأطئ الرأس وجلس وحيداً كالمنبوذ في ركن قصِي عن الآخرين، يرمقه الموجودون بنظراتهم الدونية. كانوا يتخافتون بينهم بكلمات قاسية عنه، يحملها إليه الهواء، فيشيح ببصره نحوهم ويرنُو إليهم بنظرة تحمل رغبة عارمة بالصراخ، ليتوقفوا عن ثرثرةٍ ليس لها معنى. كبَت إحساسه بالقهر، برْهةً من الوقت، ونهض من مكانه، غير آبه بنظراتهم وهمساتهم؛ يخبرهم أنه سيسبقهم إلى المقبرة، ينتظر وصولهم لدفن الميت.

ارتفعت أصوات الحاضرين عقب خروجه، تصفه باللاإنساني؛ فاتهمه أحدهم بإدعاء الحزن لفقدانه الإحساس والشعور، وقاطعه آخر بقوله، الحزن الظاهر في وجهه؛ يخبئ سعادة في قلبه، كونه سيحصل على المال لموت جاره، وأكد ثالث ما قالوه عنه مضيفاً بأنه سيكون مسروراً بموت واحد منهم في كل يوم. استمر الحاضرون بنقاشهم واتهاماتهم له، مدة ليست بالقصيرة، متجاهلين سبب قدومهم قبل أن يقاطعهم صوت ابن الفقيد، يعلمهم بالانتهاء من تغسيل والده ووجوب نقل الجثمان إلى المسجد للصلاة عليه قبل أن يواروه الثرى في المقبرة.

كان يجلس القرفصاء بجانب القبر الفارغ، عند وصولهم إلى المقبرة، يتأمله ملياً ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺏ يعلوه ﻣﻦ رأسه ﺇﻟﻰﺃﺧﻤﺺ قدميه. ساعدهم بوضع الجثمان في القبر وإهالة التراب عليه، وعاد إلى منزله مخلّفاً وراءه نظرات لا تراه يجهشُ بالبكاء وحيداً في منزله، عقب خروج زوجته لشراء الطعام بالنقود التي ينالها كأجرٍ عن حفر القبور.



أضف تعليق