قصة قصيرة... جريان القدر
إيهاب عمر داخلي - قاص مصري
عندما أفلت الشمس، وطفق الشفق الأحمر يسدل ستائره على الكون، أمست السماء مكتسية باللون الأحمر كأنها تحمل في كبدها إنذاراً وشجناً. كان يبحر بعينيه الزرقاوين صوب عنان السماء مصغياً بأذنيه لزقزقة العصافير العذبة بعدما عادت بطاناً من رحلتها؛ لتستريح في أوكارها معانقة الأغصان. متكأً على الحافة الحجرية للنيل، مسترسلاً في الأصيل كأنه مستهام غارق في عيني محبوبته، متجاهلاً حدود الزمان والمكان. شرع يراقب الأسماك وهى تقفز أمامه في كسل، ثم تغوص سريعاً في القاع الرملي الشفاف. اقترب إلى حيث يجلس، عصفور بنيّ اللون، بدأ يقفز بجانبه ويحجل، ثم انكمش ساكناً، أخذ يحدث نفسه: "سأمسك هذا العصفور" قام في هدوء، بينما وقف العصفور دون حراك، ينقر الأرض ويرفع ذيله عالياً. عندما أمسكه، استسلم وبقي هادئاً بين يديه، لم تصدر عنه أي حركة، قال: "سيموت العصفور" فتح قبضته، أطلقه في الهواء؛ فرفرف بجناحيه الصغيرين، واستمر يطير، حتى أصبح نقطة سوداء، قال في دهشة: " كان يتماوت" رجع إلى مكانه؛ حيث الرأس الحجرية، نظر إلى الماء، اندهش؛ فلم يجد الصنارة، أخذ يبحث عنها دون جدوى، وفجأة بدت على بعد أمتار تعلو وتهبط، قال في حماسة: " لقد التقمتها سمكة كبيرة، وشرع ينزل إلى الماء متجاهلاً البرودة، متوجهاً إلى مكانها. عندما اقترب منها وأمسكها بأيد عجِلة، ظن أن بها صيداً ثميناً؛ فقد كانت تهتز في عنف. ظهر العصفور ذو اللون البني، عاد ثانيةً، حلق قليلاً ثم استقر في المكان نفسه. تجاهل العصفور، وبدأ يسحب الصنارة التي كادت تتهشم، يجرها إلى الشاطئ. ظهر الرأس أولاً، ثم باقي الجسم. كان الثعبان طويلاً يبرق في ضوء الشمس، سحبه بحرص حتى الرمال، أخذ يتلوى بعصبية، ضربه بعنف على رأسه الصغيرة حتى تهشمت، استمر يقاوم لفترة، وبعد مدة، هدأ تماماً. أمسكه بحرص من عند الذيل، أدخله في الكيس المصنوع من القماش، أحكم الرباط جيداً. التفت إلى حيث كان يقف العصفور، فلم يجده هناك، نظر إلى حيث كان قد اختفى، كانت السماء مليئة بالطيور، آلاف الطيور تبدو مثل بقع سوداء.
استلقى على ظهره، وكاد النعاس أن يغلبه، انتبه فجأة لصوت حجر ينزلق. كان الثعبان برأسه المهشمة قد التف حول العصفور الذي كان ساكناً، مستسلماً، منتظراً قدره المرصود منذ بواكير الحياة.