قصة قصيرة... عالم نظري
رولا حسينات - قاصة أردنية
"عندما تريد أن توجه السلوك... عليك أن تعي... أن السلوك الايجابي يحتاج دوماً إلى تحفيز ما... ولا يمكن الجزم بأن هذا التحفيز قد يشكل فارقاً بنسبة مرتفعة عند كل الأفراد... لا يمكننا اختزال السلوك عن المجموع القيمي والثقافي للأفراد... على خلاف السلوك السلبي وهو... فالميل البشري للعنف ناتج عن ذلك المخزون الانفعالي المكبوت الذي تعرض له الإنسان طيلة فترة معينة... والذي لم يستطيع تفريغه أو التعبير عنه أو مقاومته... والذي يعود للذاكرة المرئية المستحضرة للزمان والمكان والتي تصنع بمجموعها مفهوم الصدمة... ويبقى العنف هو الموجه الحقيقي للسلوك".
تأمل النص طويلاً ومرّر بأصابعه فوق السطور المتكدّسة فوق أوراقه التي تراكمت بشكل عشوائي على الطاولة البيضاء... ثم مد بصره إلى حيث تبني الحمامة البيضاء عشها القشي بعد أن أمنت أن قفل هذه النافذة متهرِّئ أو أن البشر أصبحوا طيبين... لدرجة أن يجعلوها تحضن فراخها بسلام.
قد يكون هذا صحيحاً في المكتبة العامة حيث تتعايش كل الكائنات فيما بينها... ذلك السلام الداخلي الذي يحافظ على دوامة البقاء للإرث البشري... دور في رأسه مفهوم السلام الذي تضج به الكتب كما ينضح الكثير منها بويلات الحروب وهزائمها... وبقيت كنحلة أسرت في زنزانة عقله... يود لو يفكر بصوت عال... والأفكار ذاتها تتطاحن في مطحنة الواقع المتضاد مع المنطق... يخط بيده على أوراقه... هل يحتاج السلوك الايجابي إلى تحفيز؟؟ يعتقد جازماً أن هذا ضرباً من الجنون؟
بقي ساعات يقلب أفكاره في ضبابية..."النضوج هو أحد معايير تقييم قدرتك على توجيه السلوك... "يطيل النظر في السطور لتستوقفه عبارة..." الشعور بالحب نفسه... شعور غير مألوف مرتبط بمجموعة من الانفعالات المؤقتة كشعور بدغدغة أو تزايد بضربات القلب أو شعور بالارتباط العاطفي حد الموت... لكنه في الحقيقة مجرد وهم... وضع علامة استفهام كبيرة وبالخط الأحمر خطين متوازيين... أطرق التفكير وأعاد النظر إلى الحمامة الوادعة وقد التقت عيناهما... لم تكن مشغولة في بناء عشها... لقد انتهت منه تماماً وأحكمت صنعه وها هي تجهز نفسها لوضع البيض... عندما اختارت أن تتمعّن بأس هذا المكان وقراءة عناوين الكتب كانت تبحث عن صور مختلفة لما اعتادت عليه عيناها... ورقدت ساكنة في عشها... تلك النظرة الودودة... تلك العينان السوداوان كعيني خطيبته منال... تعيده إلى حيث منال وهي تخيط جهازها.. وهي تضع بصمتها في كل زاوية من بيتهما الصغير... وتحكي له عن كل ما فيه من مشاعر وأحاسيس وحب وود... وعيناها تتقافز ضاحكة وهي تطوي منديله وتطبع قبلتها عليه وتدسها في جيبه... وتجعله في حراسة المولى.
أكان ذلك هو الحب الذي طاف بينهما لسنوات؟
ألم يذبل بعد ثماني سنوات من لملمة الحال... لتأمين أقساط عشهما الصغير الذي بالكاد يتسع لكليهما؟ أي عش سيكون بعد أن ينجبا بنينَ وبنات كل منهم يمسك برجل أخيه ليعضها من جوعه. سيصبحون كسمكة سردين في عبوة محشوة لا محالة.
هو لا ينكر أن منال عانت معه الكثير في حياته وصبرت على غيابه في دراسته... وعودته ولم تعد تشم غير رائحة الأوراق والكتب.
أتوهمه حقاً أنها تحبه؟؟
أمازالت شعلة الحب متوقدة في قلبها كما كانت قبل ثماني سنوات؟؟
الكثير من الأشياء يشوبها الصدأ وكثير منها يصبح بالياً ويرمى الكثير... فهل بقيت حقاً علاقتهما كما هي دون أن يشوبها شيء؟؟
دون أن تتلف أو تبور أو يكسوها الصدأ... ربما لم يفكر يوماً بهذا.
هل ينبغي حقا أن يؤمن بما تحشوه الكتب في بطونها... فالكتاب ليست ملائكة والواقع ليس الجنة كل منا يحمل الخير والشر.
ولكن رسالة الحب هي الأسمى... فلما يسأل؟!