قصة قصيرة... الجالس
أحمد عبدالرحيم - قاص مصري
ظهر على الناصية مرتدياً جاكيت رمادياً، أو بنياً شاحباً، أو لعله بلا لون، فوق جلباب فاتح. ثم تقدم جالساً على الكرسي البلاستيكي الأحمر. كان نحيفاً، عجوزاً، وكأن الزمن لم يأكل منه شبابه فحسب. شروده عميق. يُطلق بصره في اللاشيء، ثم يهرش رأسه ببطء كالحيران في القصص المصورة. بمرور الوقت، لاحظت أنه لا يعبأ بمسح عرقه المتفصد بغزارة من فرط حرارة الجو، أو بـ "تيتو الساحر" الذي يتجول نافخاً النيران من فمه، أو ببوادر مشاجرة كادت أن تتقد بين عجوز وشاب على صف الكراسي المقابل للمقهى والتابع لها. وإنما لاحظت إنصاته الوفي لنشرة الأخبار في راديو المقهى، حيث يهز رأسه في حركة آلية، فيها تلقى أكثر منه تفهماً، عقب آخر سطر من كل خبر يعلنه المذيع بنبرته التي صرت أحتقر محايدتها. شككت أنه مختل. جدتي في أيامها الأخيرة تعودت ذلك. وعمي الريفي - طيلة حياته - تعود ذلك، لكن مع البرامج الدينية. نظرة العين الغائبة، وموت الانفعال في الوجه، هما ما أكدا لي أن بالأمر خطأ ما. أشار صاحب المقهى - الشبيه برئيس عصابة، وليس فتوة نبيلاً كما والده - بفتح التلفزيون. وكان التلفزيون على حامل معدني مقابل الرجل. وفي ثانية واحدة، تألقت على الشاشة فاتنة لبنانية تتمايل مغنية ما لم أهتم بسماعه، غامزة للمشاهد في إغواء صريح أحببته. ومع الإيقاع الراقص للأغنية، تبدَّد جمود الرجل، وتمايل مع الفتاة، محركاً رقبته يميناً ويساراً، في رقصة طربت لبهجتها. بين الحين والحين، يلتفت لصوت النشرة الإخبارية، العالي بالدرجة نفسها، ويهز رقبته لأعلى وأسفل في جدية. تمكنت البسمة من شفتي، على رغم اجتياح موجة ريح ساخنة للمكان، وقلقي من سماء حمراء السحب، تعني - كما علَّمتني أمي ليلة ما - غداً لافحاً ندعو الله بالستر منه.