قصة قصيرة... لاليتاتاتي*
ديارحميد الساعدي - قاص عراقي
لاشيء يساوي المضيّ قدماً نحو النور، إننا ندور في دوامةِ الريحِ العاتيةِ، تائههٌ سفينتنا تبحثُ عن مرسى وسط الضبابِ ويختفي القمرُ الذي اضاءَ لَنا الطريق.
أذكرُ ذلك اليوم جيداً حين رُزِقْتُ بطفلتي البكر وهُرعْتُ بها فرحاً إلى معبدِ القريةِ لكي يقيُم لها الكاهنُ مراسيم تكريم الآلهةِ لكي تحفظها، أخذها منّي وعرَّاها من ثيابها ووضعها في حِجْرِهِ بعد أن مَسَحَ جسدها بحليبِ الجاموس قال لي الكاهن ما اسمها؟ قلتُ: لم أسمّها بعد. فتمتم الكاهن بكلماتٍ لم أفهمها وشَهِقَ عدةَ شِهقاتٍ و زفرَ بوجهها، وقال إن الآلهة أسْمتها لاليتاتاتي, لاليتاتاتي بوركت الآلهةُ على هذا الاسمِ، بوركت أيها الكاهن، قال لي قبل أن آخذها من حِجْرهِ: سيكون لها شأنٌ في القَرية وستُقام لها طقوسٌ عشائريةٌ خاصةٌ. قلت له: ومتى أيها الكاهن؟ قال: ليس الآن فإنه بيد الآلهة، هي التي توحي لنا بهذهِ الطقوس وستفرح بها القرية ويسودُّ وجهك! لم أفهم ما قاله الكاهن أخذتها وذهبت فرحاً مسروراً بولادةِ قمرٍ في ليلٍ دامسٍ أضاء لنا الحياة. لاليتاتاتي كانت الأجمل بين فَتياتِ القريةِ والأجمل في حياتنا أنا وأمها، وكأنّ الآلهةَ تصوغُ قلائد من نور حولها. لعنة أصابت القرية والجفاف طال أراضيها ومات الزرع ونفقت الحيوانات واختَفت لاليتاتاتي، جُن جنوني وأنا أبحثُ عنها في الغابات وأحراشها لكن دون جدوى، لم أجد أيّ أثر للاليتاتاتي. القرية كانت في حال صخبٍ وتذمرٍ، وإعلان عن إقامة طقوس عشائرية أشعلوا موقداً كبيراً يصحبه صخب الحناجر ليقام قدّاس للأرواح الشريرة. تجمهر أبناء القرية حول الموقد. كنت بين الحشد أبحث عن لاليتاتاتي التي اختفت قبل يومين لعلي أجدها، كانت العيون متجهةً صوب المعبد خرجَ منه الكاهن وبيده اليمنى خنجرٌ يقطرُ دماً والأخرى كَبد تتحرك وتنزف دماً كأنها نُزِعَت من الأحشاء للتو. تعالت الصيحات والصراخ، ألقى الكاهن الكبد وسط موقد النار المشتعل وأنا أبحث عن لاليتاتاتي ولم أجدها، بعد يومين حين كنت أبحث خارج القرية رأيت زمرةً من الكلاب حول جثة، اتجهت نحوها، وإذا بها لاليتاتاتي قد بقروا بطنها وأخرجوا أحشاءها. حينها تذكّرت ما قاله الكاهن يوم ولادتها: ستكون لها طقوس عشائرية خاصة تفرح بها القرية ويسودّ وجهك لكني لم أفهمه وقتها. كان كبدها الذي ألقاه الكاهن في النار تبرّكاً للآلهةِ لطرد الأرواحِ الشريرةِ عن القريةِ.