العدد 5189 بتاريخ 20-11-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... الضوء الرابع

قصة قصيرة - خليل كريم

يقطع الطريق السريع  مهرولاً، كأنه يقفز من ضفة وادٍ إلى أخرى، وعيناه السوداوان وضعتا على ركن يلعب فيه ولده الصغير على رصيف المتحف، تدور يده إلى  أقصى كتفه يرتب خماراً أبيضَ مزركشاً علق بشعره الأشعث كأن القماش علق بغصن شجر توت بري. كان يريد أن يصنع عمامة ترفع عنه لبس الغربة في المجتمع يصيح صوت بداخله كأنه يقول: أنا منكم لست غريبا أبداً أكرموني !

يجري الرجل الأعرج الأسمر شمالا بين رصيف المتحف تارة، وبين مدخل بنك تارة أخرى، جرياً بين تاريخ وبعض القطع المعدنية يملأ بها جيبه المتسخ  يميل فيتأرجح فراغ في بنطاله البني. اعوجاج الحركة يرسم طيفه المائل تحت أسهم الأشعة الصيفية  كلما  تحول ضوء الإشارة إلى الأحمر فالفرصة مواتية. ثوان جديدة لالتقاط ما جادت به الأيادي البيضاء عبر نوافذ السيارات، فالكرم هنا يقاس بجهاز اسمه الضوء الأحمر ... عمد أحد الأصدقاء "منكتا" أن يقول لي ذات يوم إن مدرباً للسياقة سأل أحد المتربصين  حول عدد الأضواء على لوحة الإشارات، فقال المترشح: أربع.

أردف، مدرب السياقة في أي بلد في العالم يوجد ذلك، ثلاثة نعرفهم والرابع، قال الرابع هو الضوء الأسود، صداكة أي صدقة بلهجة الماليين، ما إن أكمل طرافته حتى أحسسنا بالذنب، لأنني كنت أسرد معاناة شعب فر من عنف حرب قومية شرسة بمالي ...ولأن الحكاية تراجيدية هذه المرة بطلها رجل أعرج، قاطعته قائلاً إني أعرفه، وان ابنه يقيل تحت لافتة شارع السمارة صيفاً ويتسلى باللعب بين عجلات السيارات حافياً، الصحن البلاستيكي الأحمر لا يفارقه إنه مقود سيارته العجيبة التي تحصد بعض الدنانير وإتاوات المارة بإحكام.

 -الخطر يملأ المكان، الأفارقة المطرودون لا يبالون بذلك كل نقاط الدوران محجوزة قطعة الرغيف تواكب دوران محركات البنزين والمازوت. الأيادي البيضاء تكرم في قلق، طفولة مشردة على الهواء، مصير أسود، الحظ التعس يلاحق هؤلاء الأبرياء.                                       



أضف تعليق



التعليقات 16
زائر 1 | 1:26 م قصة رائعة وسرد جيد لواقع الأفارقة موفق إن شاؤ الله رد على تعليق
زائر 2 | 1:39 م شكرا مشكورة على الاهتمام
زائر 3 | 1:54 م جميلة القصة و معبرة ، ربي يشافيه سعيدو ، و يرجعهم الى وطنهم امنين كل الاجانب اللذين يحتضنهم وطننا الغالي رد على تعليق
زائر 4 | 1:56 م وصف حقيقي بأحاسيس اكثر من رائعة لواقع اناس ظلمتهم قساوة الحياه .بالتوفيق ان شاء الله رد على تعليق
زائر 10 | 3:38 م For true feelings . Thanks
زائر 6 | 2:04 م قصة جميلة و رائعة ماشاء الله اسلوب جيد بارك الله فيك مؤترة و تحرك المشاعر وفقك الله رد على تعليق
زائر 7 | 2:12 م رسالة و قصة جميلة رد على تعليق
زائر 8 | 2:22 م ما أجمل الأيدي البيضاء رد على تعليق
زائر 11 | 3:45 م الأيدي المزكية في عجلة من أمرها
زائر 12 | 4:02 م رائع وصفك رد على تعليق
زائر 13 | 4:23 م سرد جميل و اسلوب راقي جدا بالتوفيق ان شاء الله. رد على تعليق
زائر 14 | 1:18 م اسلوب راقي اخي كريم شكرا بالتوفيق رد على تعليق
زائر 15 | 3:50 م أشكركم على كل التعليقات رد على تعليق
زائر 16 | 4:22 م قصة اكثر من جميلة بالتوفيق ان شاء الله رد على تعليق
زائر 17 | 6:46 ص ما شاء الله استاذ كريم نتمنى ان تحظى كتاباتك باعمال تمثيلية اذاعية او حتى تلفزيونية رد على تعليق
زائر 18 | 12:22 م بلتوفيق رد على تعليق