لا يزعجني النقد المعتمد على لغة العلم والحوار لحديثي عن قانون الأسرة...
الغريفي: معالجة البطالة والفقر مسئولية الدولة والشعب
القفول - محرر الشئون المحلية
قال عالم الدين السيدعبدالله الغريفي، في كلمة ألقاها مساء الخميس (17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، بجامع الإمام الصادق (ع) بالقفول: «إن معالجة ظاهرة البطالة والفقر تتم من خلال مسئوليَّة الدَّولة، ومسئوليَّة الشَّعب.
وتحت عنوان «مِن كلماتِ الإمام الرِّضا (عليه السَّلام)»، تحدث الغريفي «قال عليّ بن شعيب (المدائني): دخلت على أبي الحسنِ الرِّضا (عليه السَّلام)، فقال لي: «يا عليُّ، مَنْ أحسنُ النَّاسِ معاشًا»؟، قلت: أنت يا سيِّدي، أعلم به منِّي، فقال (عليه السَّلام): «يا عليُّ، مَنْ حسَّنَ معاشَ غيرِه في معاشه، يا عليُّ، مَنْ أسوأ النَّاسِ معاشا»؟، قلت: أنت أعلمُ منِّي. قال (عليه السَّلام): «مَنْ لم يُعِشْ غيرَهُ في معاشِهِ» (بحار الأنوار75/341، العلَّامة المجلسي). ماذا نستوحي من هذا المقطع الحواريِّ بين الإمام الرِّضا (عليه السَّلام) وأحد أصحابه؟ نستوحي درسين مهمَّين جدًّا: الدَّرسُ الأوَّلُ: اعتمد الأئمَّة (عليهم السَّلام) أسلوبَ الحوار مع أصحابهم، فكثيرًا ما يستثيرون لديهم حِسَّ السُّؤالِ، والمجادلةِ العلميَّة. والسُّؤالُ يُمثِّلُ واحدًا من أهمِّ روافدِ العلمِ، والمعرفةِ، والوعي، والثَّقافة.
وهذا ما أكَّدت عليه آياتٌ، ورواياتٌ: «... فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» (سورة النَّحل: الآية43)، وفي الكلمةِ عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «العلمُ خزائنُ، ومفتاحها السُّؤال» (عيون أخبار الرضا2/32، الشيخ الصدوق). و»... السُّؤال نصف العلم، ...» (بحار الأنوار1/224، العلَّامة المجلسي). ولعلَّ الكثيرينَ يعيشون عقدة الحياءِ من السُّؤال، وهذا أمرٌ مذموم جدًّا. قد يُقال: أليس الحياءُ صفةً ممدوحةً؟ الحياءُ صنفان: حياءٌ ممدوح، وحياءٌ مذموم. نقرأ في بعضِ آياتٍ، ورواياتٍ مدحًا للحياء: «فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء...» (سورة القصص: الآية25). الاستحياء تعني شدَّة الحياء، وقد جاءت إحدى ابنتي شعيب (عليه السَّلام) إلى موسى (عليه السَّلام) وهي تحمل أعلى درجات الحياءِ، والطُّهرِ، والعفافِ. وفي الكلمة عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «إنَّ لكلِّ دينٍ خُلُقًا، وإنَّ خُلُقَ الإسلام الحياءُ» (مستدرك الوسائل8/465، ميرزا حسين النوري الطبرسي). وفي الكلمةِ عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «لا إيمان لمَن لا حياء له» (الكافي2/106، الشيخ الكليني)».
وأضاف «أمَّا الحياءُ المذمومُ، فهذه بعض أمثلتِهِ: المثال الأَوَّلُ: حينما يكونُ الإنسانُ مُطالبًا أنْ يَسألَ عن أمور دينهِ، وضروراتِ حياتِه، فلا يسأل استحياء وخجلًا، فهذا أمرٌ مذمومٌ جدًّا، وله مآلاته الخطيرة. في الحديث: «إنَّما هلك النَّاسُ، لأنَّهم لا يَسألون» (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة4/53، حبيب الله الهاشمي الخوئي). المثال الثَّاني: حينما يتخلَّى الإنسانُ عن التزامه الدِّينيِّ في بعضِ الأجواء حياءً وخجلًا. شابٌّ يترك صلاته حينما يكون مع رفاقٍ لا يُصلُّون. فتاةٌ تترك حجابها مجاراةً لرفيقاتٍ سافراتٍ متبرِّجات. المثال الثَّالثُ: حينما لا يجرؤ الإنسانُ المؤمنُ أنْ يقول كلمةَ الحقِّ بسبب الحياءِ، والخجلِ، أو الخشيةِ، والخوف. في الكلمة عن رسول اللهِ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «لا يُحقِّرنَّ أحدُكُم نفسَهُ. قالوا: يا رسولَ اللهِ، وكيف يُحقِّرُ أحدُنَا نفسَهُ؟، قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): يرى أنَّ عليه مقالًا، ثمَّ لا يقول فيه، فيقولُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) يومَ القيامةِ: ما مَنعَكَ أنْ تقولَ في كذا، وكذا؟، فيقول: خشية النَّاس، فيقول: فإيَّايَ كنت أحقَّ أنْ تخشى» (ميزان الحكمة3/1952، محمَّد الريشهري)، «أفضل الحياء استحياؤك من الله». (عيون الحكم والمواعظ، الصَّفحة112، علي بن محمد الليثي الواسطي)، وفي الكلمةِ عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «مَنْ استحيى مِن قولِ الحقِّ، فهو أحمق» (المصدر نفسه، الصَّفحة440)».
وواصل الغريفي «الدَّرسُ الثَّاني الَّذي نستوحيه من كلمةِ الإمام الرِّضا (عليه السَّلام)، وهو درسٌ في غاية الأهمِّيةِ والخطورةِ، هذا الدَّرسُ يعالج شأنًا اقتصاديًّا حسَّاسًا جدًّا، وهو ما يعبَّرُ عنه بلغةِ عصرنا التَّكافل الاجتماعي، إنَّ أخطر مآزق الشُّعوب في هذا العصر وجود البطالة والفقر، وتتمُّ معالجة هذه الظَّاهرة -في المنظور الإسلاميِّ- من خلال مسئوليَّتين: مسئوليَّة الدَّولة، ومسئوليَّة الشَّعب».
وأوضح فيما يخص مسئولية الدولة أن «المطلوب من الدَّولةِ -أيَّة دولةٍ- في معالجةِ شأنِ البَطالةِ، والفقرِ، أمران أساسيان: الأمرُ الأوَّلُ: أنْ توفِّر فرصَ عملٍ للعاطلين، إذا كانوا يملكون قدرة العمل، وخاصَّة أصحابُ الكفاءات، والقُدُرات، والاختصاصات. ومن الظُّلم الفاحش التَّفريط في تلك المؤهَّلات العلميَّة، والإداريَّة. ومن المعيب جدًّا أنْ تبقى أعداد كبيرة من الكفاءات عاطلةً تبحث عن لقمة العيش. والأمر الثَّاني: مطلوب من الدَّولةِ -أيَّةِ دولةٍ- أنْ توفِّر ضمانًا اجتماعيًّا معيشيًّا مجزيًا للعاطلين الذين لا يملكون قدرة العمل، أو للعاطلين القادرين الَّذين لم تتوافر لهم فرصُ العمل».
وفيما يخص مسئوليَّة الشَّعب، قال: «إذا كانت الدَّولة هي المسئولة في معالجة شأن العاطلين، والفقراء، والمحتاجين إلَّا أنَّ هذا لا يلغي مسئوليَّة كلِّ القادرين من أبناءِ الشَّعب، فإذا لم تتحمَّل الدَّولةُ مسئوليَّتَها، أو عجزت عن أداء هذه المسئوليَّة، فتبقى مسئوليَّة كلِّ قادر في أنْ يمارس دوره في مساعدة العاطلين، والبؤساء، والمحرومين. هذا لا يعدُّ تفضُّلًا، أو مِنَّةً على هؤلاء المحرومين، بل هو حقٌّ من حقوقهم المشروعةِ، ولهم أنْ يطالبوا به بكلِّ عزَّة، وكرامة. وهذا ما يمكن أنْ يُعبَّر عنه بالتَّكافل الاجتماعيِّ. فعودة إلى حوار الإمام الرِّضا (عليه السَّلام) حيث عالج هذه المسألة بكلِّ وضوح، حيث سأل عليًّا ابن شعيب: «يا عليُّ، مَنْ أحسنُ النَّاس معاشًا»؟، هل هو أكثرهم ثراءً؟ هل هو أكثرهم بَذَخًا؟ هل هو أكثرهم جاهًا؟ هل هو أكثرهم شُهرةً؟ يجيب الإمام الرِّضا (عليه السَّلام) قائلًا: «يا عليُّ، مَنْ حَسَّنَ معاشَ غيره في معاشهِ»، ما معنى هذا الكلام؟ القِيمةُ كلُّ القِيمةِ ليس في الثَّراءِ، والبَذَخ، والجاهِ، والشُّهرة، القِيمةُ كلُّ القِيمة حينما يتحوَّل هذا الثَّراءُ، والمالُ عطاءً، ونفعًا، وخيرًا للآخرين، حينما يتحوَّلُ عونًا، ومساعدة للبؤساء، والمحرومين. حينما يغيث ملهوفًا، ويكسو عريانًا، ويأوي ضائعًا، ويُشبع جائعًا، ويُفرِّج كَرْبًا، ويكفل يتيمًا، ويزرع حبًّا، وتآلفًا، وصفاءً. في الكلمةِ عن الإمام الباقر (عليه السَّلام): «لأَنْ أَعُولَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَسُدَّ جَوْعَتَهُمْ، وأَكْسُوَ عَوْرَتَهُمْ، فَأَكُفَّ وُجُوهَهُمْ عَنِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحُجَّ حَجَّةً وحَجَّةً وحَجَّةً ومِثْلَهَا ومِثْلَهَا حَتَّى بَلَغَ عَشْرًا، ومِثْلَهَا ومِثْلَهَا حَتَّى بَلَغَ السَّبْعِينَ» (الكافي2/195، الشيخ الكليني). أمَّا الذين يتحوَّل المالُ والثَّراءُ عندهم بخلًا، وجَشَعًا، وطمعًا، لا يُساعد بائسًا ومحرومًا، ولا يغيث ملهوفًا، ولا يكسو عريانًا، ولا يشبع جائعا، ولا يكفل يتيمًا، ولا يِفرِّج كَرْبًا، ولا ينشر حبًّا وتآلفًا، ولا يزرع خيرًا، هؤلاء الَّذين قال الله تعالى عنهم: «أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ» (سورة الماعون: الآية 1-7). - «يَدُعُّ الْيَتِيمَ»: يدفع اليتيم بعنف، وقسوة، «لَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ»: لا يتحسَّس آلام البؤساء، والمحرومين، «وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ»: لا يقدِّم أيَّ عَونٍ، أو خدمةٍ، أو عطاءٍ للآخرين».
إلى ذلك، قال الغريفي: «قرأتُ بعضَ رُدُودٍ تحملُ نقدًا، ورفضًا لما أوردتُه في أحاديثي حول قانونِ الأسرةِ... وأؤكِّد -هنا- أنَّه لا يزعجني أيُّ نَقْدٍ ما دام باحثًا عن الحقيقةِ، وما دام نظيفًا، ومعتمِدًا لغةَ العلمِ والحُوارِ، أمَّا إذا كانَ النَّقدُ قَذْفًا وسُبابًا، وتهويشًا، وخَبْطًا، وتدليسًا، فهذا أمر في غاية السُّوء والقُبح، ويُعبِّر عن لوثةٍ في الفكرِ، وعجزٍ عن مواجهةِ الحقائق. هنا أعرضُ لنموذج من رُدودٍ، ولا يهمُّني الأسماءُ كثيرًا، جاء هذا الرَّدُّ معنونًا بهذا العنوان: (التَّكفيريُّونَ الأربعةُ لحقوقِ المرأةِ البحرينيَّة)، وحدَّد هذا الرَّدُّ أسماء التَّكفيريِّين الأربعة الذين عناهم».
وأضاف الغريفي «لي بعضُ ملاحظات على ما جاء في هذا الرَّدِّ: الملاحظة الأولى: اتَّهمَّ الرَّدُّ العلماءَ الأربعةَ الذين أصدروا بيانًا بشأن قانون الأسرة، بأنَّهم (تكفيريُّون لحقوق المرأة البحرينيَّة)، إنَّ هذه اللُّغة متجنِّيةٌ، وسيِّئةٌ، وفاشلةٌ، وهابطةٌ. من حقِّ هذا الرَّادِّ أنْ يناقش، وأنْ يرفض كلَّ ما طرحَهُ العلماءُ الأجلَّاء في بيانِهم، إذا كان لديه الحجَّةُ والبرهانُ، ولكن أنْ يعتمد لغة التَّكفير، والاتِّهام، والقذف فهذا عجزٌ مكشوفٌ، لأنَّ مَنْ يملك الحجَّةَ والبرهانَ لا يلجأ إلى هذه اللُّغةِ، ومَنْ يملك الحقائق لا يحتاج إلى لغة الإساءةِ والاعتداء على الآخرين. ففي الوقت الذي يزدحم ردُّهُ بعباراتِ مشحونةٍ بالسُّبابِ، والشَّتائمِ، والألفاظِ السَّيِّئةِ نراه يتَّهمُ العلماءَ في بيانهم أنَّهم مارسوا القذف، والشَّتمَ، والكذِبَ، والتَّلفيق، والتَّزوير ضدَّ مشروعِ الأحوالِ الشَّخصيَّةِ، وضِدَّ القائمين عليهِ مِن الجهاتِ الرَّسميَّةِ. هذا بهتانٌ عظيمٌ، وإثمٌ كبيرٌ، وادِّعاءٌ، فاحشٌ، واعتداءٌ سافر، وإساءةٌ مكشوفة. فأينَ هي كلماتُ القَذفِ، والشَّتمِ في بيانِ العلماء؟ وأين هي كلماتُ الكذبِ، والتَّلفيق، والتَّزوير ضدَّ مشروع قانون الأحوالِ الشَّخصيَّة، وضدَّ القائمين عليه من الجهاتِ الرَّسميَّة؟».
وتابع «الملاحظة الثَّانية: لماذا هذه اللُّغةُ المتشنِّجة عند هذا الكاتب، وأمثاله؟ لا أملك تفسيرًا إلَّا أنْ يكون هؤلاء يحملون عقدةً صعبةً تجاه الدِّين، والمتديِّنين. ولهذا جاء تعبيرهم عن العودة إلى تعاليمِ الدِّينِ، وقيمِ الإسلام، وأحكامِ الشَّريعةِ بأنَّه: «نبش في نصوصٍ تاريخيَّة أكل وشرب عليها الدَّهر في تكبيل المرأةِ، وإبقائها في تخلُّفِها، وفي عدميَّةِ حرِّيَّتها، وإنسانيَّتها ما يتنافى مع شروط الحياةِ العصريَّةِ، فالماضي في شروطِهِ والحاضرِ في شروطِهِ، وإنَّ حريةَ المرأة ليس لها علافة إلَّا بشُروطِ الحاضر، شروطِ حرِّيَّتها، وشروطِ حرِّيَّة الوطنِ بكامله». ماذا يحملُ هذا الكلامُ من دلالاتٍ؟ ماذا يعني «النَّبش في نصوصٍ تاريخيَّة أكلَ وشرب عليها الدَّهر»؟ إنَّها لغة اعتمدها حَدَاثويُّون في حربهم ضدَّ العودةِ إلى الدِّين في أصولِهِ، وتاريخه. فالدِّين -في منظورهم- تاريخ انتهى دورُهُ، وإنَّ العودةَ إليه، وإلى نصوصِهِ «نبش في نصوصٍ تاريخيَّة أكلَ وشَرَبَ عليها الدَّهر»، كما أنَّ الدَّعوة لاستنهاضِ قِيم الدِّين في حياةِ المرأةِ هو «تكبيل لها وإبقاؤها في تخلُّفِها، وفي عدميَّةِ حُرِّيَّتها، وإنسانيتها»، وفي منظورهم أنَّ عودة المرأة إلى أحكام الإسلام يتنافى مع شروط الحياة العصريَّة، لأنَّ الإسلام ماض «والماضي في شروطه والحاضر في شروطه». هكذا يفسِّرون الالتزام بتعاليم الدِّين وقِيَمه؛ عودةً للماضي، ومناقضة لصيرورة التَّقدُّم والعَصْرَنَة».
وواصل الغريفي «الملاحظة الثَّالثة: وإذا أردنا أنْ نُحسِنَ الظَّنَّ -إنْ كان لحُسْنِ الظَّنِّ مجال- فيما أثارَهُ هذا الكاتب من اتِّهامات ظالمةٍ لبيان العلماء، فنقول: إنَّه لم يفقه لغة البيان كونه بعيدًا كلَّ البعد عن أجواء الفقه، والشَّريعة. وإذا أردت أنْ أبسِطَّ له لغة البيان في بعض فقراتِه، فأقول: إنَّ مِن مُسَلَّماتِ الفقهِ الشِّيعيِّ الإماميِّ اشتراط الإشهاد في الطَّلاق، بينما لا تشترط مذاهب إسلاميَّة أخرى ذلك، فإذا اختار المشرِّعُون لقانون الأحكام الأسرية الرَّأي الذي لا يشترط الإشهاد، فماذا يعني هذا؟ يعني بكلِّ تأكيد ما يلي:
إنَّ هذا القانون لو فرض على مَنْ ينتمي إلى المذهب الشِّيعيِّ الإماميِّ حينما يريد أنْ يطلِّق زوجته، فسوف ينتج عن ذلك: بطلان طلاقِهِ وفق مذهبه، إذا تزوَّجتْ هذه المرأة الشِّيعيَّة المُطلَّقة وفق هذا القانون، فزواجها باطلٌ وفق مذهبها، يعني يكون زواجها زواجًا غير شرعيٍّ، وإذا أنجبت وفق هذا الزَّواج، فالأولاد غير شرعيِّين بحسب فقه المذهب، وحينما نؤكِّد وفق رأي المذهب الشِّيعيِّ الإماميِّ، فلأنَّ مذاهب إسلاميَّة أخرى تصحِّح هذا الطَّلاق، وتصحح الزَّواج، وما يترتَّب عليه. هذا ما أراد أنْ يقوله بيان العلماء».
وأضاف الغريفي «الملاحظة الرَّابعة: قد يقال: إنَّ هذا افتراضٌ غير واردٍ إطلاقًا، فقانون الأسرة لن يضعه إلَّا علماءُ المذهب نفسه.
فقانون الأسرة -الشِّقُّ السُّنِّيُّ- سوف يخضع لمُسَلَّماتِ وثوابت الفقهِ السُّنِّي. وقانونُ الأسرةِ -الشَّقُّ الشِّيعيُّ-، فسوف يخضعُ لمُسَلَّماتِ وثوابتِ الفقهِ الشِّيعيِّ. فأين هي المشكلة؟ ولماذا هذا التَّخوُّف؟ نعقِّب على هذا الكلام: أوَّلًا: أين هي المادَّة الدُّستوريَّة التي تؤكِّد على هذا الأمر؟ ثانيًا: وإذا فرضنا وجود هذه المادَّة، فهل هي من موادَّ الدُّستور غير قابلة التَّغيير؟ ثالثًا: وهذا ما طالبنا به من ضرورة وجودة ضمانات ذَكَرْناها في أكثر من خطاب، وفي أكثر من مناسبة، الملاحظة الخامسة: نلاحظ على ما جاء في الرَّدِّ على بيان العلماء أنَّ الكاتب مارس لغة التَّحريض. ماذا نفهم من هذه العبارات؟ (اتَّسم بيانهم -يعني العلماء الأربعة- بالقذف، والشَّتم، و... و... ضدَّ مشروع قانون الأحوال الشَّخصيَّة، وضدَّ القائمين عليه من الجهات الرَّسميَّة)، (إنَّ بيانكم أيُّها التَّكفيريُّون، لحقوق المرأة... يجعلكم أمام المساءلة القانونيَّة، فيما ذهبتم إليه من شتم وقذف ضدَّ أوساط رسميَّة...)، (إنَّ كلَّ الوطنيِّين والتَّقدُّميِّين نساءً ورجالًا معنيُّون وطنيًّا وإنسانيًّا في النُّهوض ضدَّ هذا البيان المعادي لحرِّيَّة المرأة البحرينيَّة)، (وكم يسوؤني، ويسوء كلَّ وطنيٍّ أمام صمت اتِّحاد النِّساء، وجمعيَّة المرأة البحرينيَّة، والمنبر التَّقدُّمي دون مناهضة البيان)، هكذا حاول هذا الكاتب أنْ يمارس أعلى درجات التَّحريض ضدَّ البيان، وضدَّ العلماء الذين أصدروا هذا البيان».
وختم قائلاً «لنا تعقيباتٌ حول هذا التَّحريض المتشنِّج، نعرض لها -إنْ شاء الله تعالى- في حديث قادم، ونحن على ثقة تامَّة أنَّ الجهات الرَّسميَّة لن يستفزَّها هذا التَّحريض، فقراءتها للبيان -كما أعتقد- بعقليَّة تختلف عن عقليَّة هذا الكاتب. وكذلك الجهات الأخرى التي أرادت هذه الكلمات استنفارها هي الأخرى لن تسقط في تأثيرات هذا التَّحريض. صحيح أنَّها ربَّما تخالف البيان في قناعاته، إلَّا أنَّها لن تنحدر إلى حالات التَّشنُّج، والانفعال، والرُّدود غيرِ المسئولة».