ضخ المياه بالطاقة الشمسية تقنية ترسخ المزارعين في القرى المغربية
تافوغالت (المغرب)- أ ف ب
تعيش قرية تافوغالت الجبلية الواقعة في شرق المغرب على الزراعة وتعتمد الطاقة الشمسية في عمليات الري، لان "كل قطرة ماء مهمة ويجب أن نقدرها بالقيراط كما يقدر الذهب"، على حد تعبير رئيس جمعية "الإنسان والبيئة" محمد بشيري.
ويعيش المزارعون في القرية التي اكتشفت أقدم حلي في العالم في إحدى مغاورها، على محاصيل قليلة تكاد لا تكفيهم لسد احتياجاتهم.
وتعنى جمعية "الإنسان والبيئة" منذ تأسيسها العام 1993 بقضايا البيئة والمناخ في شرق البلاد وهي تحاول في السنوات الأخيرة مساعدة صغار المزارعين في قرية تافوغالت على العودة لزراعة أراضيهم عبر تزويدهم بالطاقة الشمسية لضخ مياه الري بعدما باتوا عاجزين عن تأمين كلفة ثمن المحروقات.
وهم كانوا يعتمدون أساسا في عمليات ري أراضيهم الزراعية التي تتخذ شكل مدرجات متاخمة للغابات، على مياه الأمطار وعلى ضخ المياه الجوفية بواسطة محركات تعمل على المحروقات.
إلا أن سعر الوقود زاد ثلاث مرات ولم يعد في متناول كثيرين منذ تشديد السلطات الجزائرية صيف 2013 الإجراءات الحدودية مع المغرب وتنفيذها حملة مكثفة على مهربي المحروقات الذين كانوا يزودون شرق المغرب بأكمله تقريبا بالطاقة الأحفورية.
وتفاقمت أزمة المزارعين الصغار والفقراء أيضا مع "وقف الحكومة المغربية للدعم على المحروقات، ما دفع المزارعين لهجر أراضيهم وأنشطتهم الزراعية" على ما يؤكد نجيب بشيري.
وعمدت جمعية "الإنسان والبيئة" بالتعاون مع ممولين أجانب ومحليين مطلع العام 2015 إلى تجهيز مضختين في منطقتين من جبال تافوغالت كانتا تعملان في الماضي بالمحروقات، بألواح شمسية ما يؤمن اليوم ضخ المياه الجوفية بكلفة أقل بكثير.
ويقول محتى علال (60 سنة) احد المزارعين المستفيدين من هذا المشروع إن "الطاقة الشمسية أحسن رغم أن ضخ المياه يكون ضعيفا عندما تكون السماء غائمة. لكن لا بأس في ذلك، فحين تشرق الشمس تكون المياه وفيرة".
ويوضح الصديق، الحارس المكلف منذ 17 عاما توزيع حصص الماء على المزارعين، "كنا نعتمد المحروقات التي نأتي بها من أماكن بعيدة مع ما يرافق ذلك من ضجيج المحرك ومشاكل الميكانيك. واليوم تغيرت الأمور وبتنا نعتمد فقط على طاقة الشمس النظيفة".
ويضيف "كان ثمن الساعة 50 درهما (6 دولارات تقريبا) واليوم صار ثمن الساعة أقل من 12,5 درهما" أي أرخص بأربع مراتن مشددا على أن المزارع بات "يحصل قوته اليومي" مع انه لا يملك أراضي شاسعة.
في قرية أخرى في شرق البلاد قريبة من مدينة جرسيف، استثمر الحاج محمد بخاخ الصغير الذي أمضى الجزء الأكبر من حياته مهاجرا في هولندا، ما ادخره من أموال في ارض ممتدة على 13 هكتارا زرعها بالزيتون. وقد جهزها منذ سنتين بتقنية الألواح الشمسية لضخ مياه الري الجوفية.
وقد نصب حوالي 300 لوح للطاقة الشمسية لضخ مياه الري على مساحة تقارب 20 ألف هكتار في المنطقة.
ويوضح الحاج بخاخ لوكالة فرانس برس "بمجرد بزوغ الشمس تبدأ المضخات في العمل، أما حين كنا نستعمل قوارير الغاز أو المحروقات، كنا نعاني مع النقل بسبب غياب الطريق والوحول، فتبقى شجرة الزيتون عطشى حتى تيبس".
ويسجل في المغرب إقبال مطرد على ألواح الطاقة الشمسية في مجال الزراعة أو من أجل التزود بالماء الصالح للشرب.
المزارعون عادوا
وتشمل جبال تافوغالت محمية "بني زناسن" الوطنية الممتدة على سبعة آلاف هكتار، والتي تضم غابات البلوط والعرعار إضافة إلى حيوان الأروي المهدد بالانقراض. ويقع بمحاذاة هذه المحمية آخر ألف هكتار من أشجار الأركان المتوسطية النادرة.
ويشكل بقاء صغار الفلاحين للعمل في أراضيهم درعا واقيا للغابة والمحمية، ويستفيد اليوم من المضختين الجديدتين 450 مزارعا على مساحة تقدر بمئة هكتار، بحسب بشيري الذي يؤكد أن "بعض المزارعين عادوا من المدينة نحو أراضيهم، وهذا أمر يبشر بالخير".
إلا أن الطاقة الشمسية ليست لوحدها كفيلة بحل مشاكل المزارعين. لذا أنشأت الجمعية مع شركائها أحواضا جبلية لجمع كل قطرة من مياه الأمطار.
كذلك، مولت جمعية "الإنسان والبيئة" تجهيز بئر بألواح الطاقة الشمسية لتزويد الناس بالماء الصالح للشرب عند سفح قرية صغيرة على بعد كيلومترات من تافوغالت.
ويقول محمد أوشن (32 عاما) القاطن في القرية "منذ سنوات طويلة، ونحن نحضر الماء من مكان بعيد، كنا نحتاج ثلاث إلى أربع ساعات لقطع ثلاثة إلى أربعة كيلومترات لجلب المياه" مضيفا "الطاقة الشمسية سهلت الأمور، لكن ثمن الماء يبقى غير ملائم".