العدد 5178 بتاريخ 09-11-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


في ندوة "التجريب الأدبي" على هامش "الشارقة للكتاب"

الروائي الفلسطيني ابراهيم نصر الله: "براري الحمى" نقلتني لما بعد الحداثة

الوسط – منصورة عبدالأمير

قال الروائي والشاعر الفلسطيني ابراهيم نصر الله، إنه في الوقت الذي كان العالم العربي منقسماً في آرائه حول روايته "براري الحمى" وفيما إذا كانت ستدرج ضمن أدب الحداثة أم لا، كان العالم الغربي قد أكد اعتباره العمل رواية ما بعد الحداثة، بسبب لغتها العالية جدا، وحدثها الأشبه بالأسطورة.

جاء ذلك خلال ندوة "قضايا التجريب الأدبي" التي أقيمت ضمن البرنامج الثقافي لمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والثلاثين (2-12 نوفمبر/تشرين الثاني 2016)، وشارك فيها إلى جانب نصر الله، الناقد والباحث والقاص الإماراتي سلطان العميمي.

بداية قال نصر الله إن التجريب "فعل يعتبر في حد ذاته جزءاً أساسياً من العملية الإبداعية الفنية: وإن التجريب في الرواية ليس سوى "محاولة للمساهمة في هذا الفن"،  مشيراً إلى أنه لا شيء يقلقه كالتكرار.

التكرار هو ما أرجع إليه نصر الله وجود كتاب "فقير" وصفه بأنه "أشبه ما يكون بتلك المستنقعات الصغيرة التي يتركها النهر على جانبيه فما تلبث ان تجف وتتلاشى وتتعفن ولا يقترب منها اي كائن حي" في مقابل كتاب جيد وهو كما يشير "الكتاب الغني بشكله وبمضامينه وبعلاقاته،  ولهذا نعود إليه مرة تلو مرة".  

 

براري الحمى... البدايات

وعى نصر الله كرهه للتكرار، حين كتب روايته "براري الحمى" التي تأثر فيها بالمسرح، وخاصة المسرح الأغريقي، وبمسرح العبث بشكل أساسي.

هذه الرواية نقلت نصر الله إلى مصاف كتاب مع بعد الحداثة عالمياً، يقول "حينما صدرت هذه الرواية انقسم القراء والنقاد حولها، فكان السؤال هل يمكن أن تكون اللغة بهذه المستوى، وأن يكون عدد الضمائر في أول ثماني صفحات فيها أربعة ضمائر فقط داخل العمل".

ويضيف "كانت هذه المسألة مغامرة كبيرة، لكن فيما يعد حتى من كانوا متحفظين على الرواية غيروا آرائهم وبدأوا يميلون لما قدمته بشكل فني. كما أنه وفي الوقت الذي كان فيه العالم العربي يبحث فيما إذا كان العمل يعتبر رواية حداثة أم لا، كان العالم الغربي قد أكد أن العمل يعتبر رواية ما بعد الحداثة، وذلك لكون اللغة  فيه عالية جداً، كما كان الحدث فيه أشبه ما يكون بالأسطورة".

مفيداً بأن مضامين الرواية تفرض الأشكال الملائمة لها، إذ "حين تقترب من البرية والمناطق البكر والغابات والصحارى تتوالد الأساطير، وحينما تقترب من المدن تتوالد الكوابيس إلى حد بعيد"، مدللا على ذلك بإختفاء لغة "براري الحمى" من روايته التالية "طيور الأثر"، مرجعاً السبب إلى كون "بطلها طفل وأحداثها تدور في جو متقشف تماما".

شرفة الهذيان تنوع الأشكال

كذلك أكد الروائي الفلسطيني ضرورة تنويع أشكال الكتابة في الرواية، مساويا أهمية ذلك بالوعي المطلوب بالمضامين، وقال "في روايتي "شرفة الهذيان" حاولت استغلال كل الفنون والأشكال، فأحد فصول الرواية عبارة عن سيناريو، وفصل آخر هو حوار مسرحي وآخر قصيدة وآخر سرد وهناك الصورة الفوتوغرافية والصورة السينمائية والخبر الصحفي".

وعن أهمية الشكل بالنسبة للمضمون، تحدث نصر الله عن روايته "حارس المدينة الضائعة" التي "تتحدث عن شخصية مسحوقة، وغائبة عن حاضرها" مشيرا إلى أن الرواية "تكشف أن هذه الشخصية تدرك الجزئيات وتغيب عنها الكليات".

 أما في رواية "طفل الممحاة" فكانت الشخصية، كما يشير "أكثر انسحاقاً، وهي شخصية جندي عربي يذهب ضمن أحد الجيوش العربية لتحرير فلسطين".

ويوضح بأنه حين بدأ الكتابة عن هذه الشخصية الغائبة، لم يرضى عنها "لأني أحسست أن الشكل غير ملائم للشخصية، واتخذت فيها مسار السيرة الذاتية التي اعتبرها بنية ماحية، تسير وتنسى المحطة التي قبلها".

ويكمل "هذا البناء هو أدق بناء يعبر عن الشخصية وعن الرواية، على عكس بناء رواية "مجرد اثنين فقط" التي تدور أحداثها في مذبحة لا اسم لها وكل شخصياتها بدون اسماء، والتي تقوم فيها الشخصيات بإستحضار الماضي لتكون قوية به ولكي تتكثف وتحتشد لتقاوم لحظة الإبادة".

ثم يفيد "اصبح تيار الوعي في رأيي وأنا أكتب هذه الرواية ليس التيار القائم على التمزق كما في الرواية الغربية بل على استحضار الماضي للتسلح به ولتقوية الروح  به".

 

تجربتي الفريدة

التجربة الفريدة بالنسبة لنصر الله هي رواية "شرفة رجل الثلج" التي كتبها بخمسة أشكال، يقول "كل مرة أعيد تركيب الرواية من جديد فأكتشف أنه مع كل تغيير في الشكل تتغير المضامين أو تتعمق، مع أني لا أضيف أي شيء للبطل او للأحداث".

وعن  روايته  "أرواح كليمنجارو" التي صاحب فيها أطفال فلسطينيين فقدوا بعض أطرافهم في رحلة إلى قمة جبل كليمنجارو، قال "هذه رحلة إنسانية كبرى وملحمة سطرها أطفال فلسيطينيون ببهاء شديد. لم أتوقع أني سأكتب عمل روائي عن الرحلة، ظننت أنه قد يكون كتاب عن أدب الرحلات. لكني اكتشفت بعدها أن الرحلة أوسع من أن تكون ضمن أدب الرحلات او أدب السيرة".

ويوضح "استخدمت بناء أدب الرحلات لألعب مجموعة من التقنيات في داخل هذا العمل الذي اعتقد لم يسبق لي ان قمت بمثله من قبل"

ثم أكمل "في لحظة ما أحسست أن الرواية تسير ضمن مسار الرحلة، ثم إكتشفت أنه لا بد أن يحدث ذلك التحول وتنتقل الرحلة من المسار المادي للمسار المجازي الذي يرفعها إلى أفق آخر وبعد آخر".

 

فتحت أبواب شعر جديدة

عن استخدامه التجريب في الشعر فقال بأنه كانت له ثلاثة دواوين قائمة على القصيدة المتوسطة، ثم توجه إلى القصيدة الدرامية الطويلة، قبل أن يحدث تحول وصفه بالتحول الغريب في تجربته الشعرية بدا واضحا في ديوانه "عواصف القلب" وأحدث صدمة لدى قرائه، يقول "اتجهت من القصيدة ذات الألف بيت إلى القصيدة ذات الأربعة أو الثلاثة أبيات. هذا الديوان، وبرغم الانتقادات التي وجهت إليه في بداية الأمر، فتح باباً واسعاً في اتجاه القصائد العربية القصيرة جداً، حيث صدرت بعده مباشرةً مجموعة كبيرة من الدواوين المشابهة له، وقد  كان حجمه صغير جداً (9 × 13 سم)، وكان هذا الحجم لا يستخدم عادةً، ولكن بدأنا بعد ذلك نرى كثير من الدواوين تصدر بهذه القطع".

وأشار نصر الله إلى أنه بعد ذلك توجه إلى القصيدة السيرية وذلك في ديوان "الأم والأبن"، وفي ديوان "مرايا الملائكة" الذي كتب كل قصائده عن الشهيدة إيمان حجو الطفلة التي لم يتجاوز عمرها الأربعة أشهر".

العميمي: قصة من ثلاث كلمات

من جانبه قال سلطان العميمي أن "مفهوم التجريب يمتد إلى فضاءات شاسعة على صعيد الشكل وجوانب اخرى في الاجناس الأدبية واللغة وبناء النص وبناء الجنس الادبي نفسه"

ولكي لا يقع الكاتب الذي يبحث في التجريب في التكرار، وجب عليه، بحسب العميمي "الوعي بما كُتب من أشكال أدبية سابقة".

وحول محاولته في التجريب أكد أن لديه محاولتين في التجريب، الأولى على صعيد الرواية حيث تعددت أصوات الرواة فيها، بينما الثانية على صعيد القصة القصيرة وذلك في كتابه الأخير "غربان أنيقة".

وأشار العميمي إلى أن محاولات التجريب في القصة القصيرة بدأت من خلال اختصارها إلى حوالي التسعة أسطر، ومن ثم إلى سطر واحد، حتى وصلت في بعض الأحيان إلى ثلاث كلمات، وكشف عن أنه كتب قصة قصيرة من ثلاث كلمات وأنه لم ينشرها حيث يقول نصها "اشتعلت لتطفئ اشتعالها" وقال: "تركت تأويلها للقارئ".



أضف تعليق