140 يوماً على «حصار الدراز»... ماذا بعد؟
اليوم الأربعاء (9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) يسجل اليوم الـ 140 لما بات يعرف بـ «حصار الدراز»، وذلك بعد إغلاق جميع منافذ القرية، ووضع النقاط الأمنية عند جميع مداخلها ومنع غير قاطنيها من الدخول، بعد قرار إسقاط جنسية الشيخ عيسى قاسم في (20 يونيو/ حزيران 2016).
لمحة سريعة على شارع البديع، ستجد كلما اقتربت من منفذ يمكن أن يؤدي إلى قرية الدراز، ستجده مغلقاً بمدرعات أو سيارات أو أسلاك شائكة أو جدران أسمنتية تحول دون الوصول إلى داخل القرية، هذا المشهد لا يمكن لأحد - مهما كان - أن ينكره، بل تعترف به حتى الجهات المعنية.
فقط أهالي الدراز من يستطيعون أن يثبتوا أنهم من سكنة الدراز يمكنهم المرور إلى داخل القرية بعد إجراءات أمنية مشددة وعبر منفذين فقط، وبعد الوقوف في طابور طويل!
أحد أهم «المقومات الأساسية للمجتمع وحقوق وحريات الأفراد والواجبات العامة» الذي أقره المشرع البحريني بشأن «حرية التنقل» هو «عدم جواز تحديد أو تقييد إقامة أي شخص أو فرض قيود على تنقله إلا وفقاً للقانون، وتحت إشراف ورقابة القضاء. فلكل مواطن بحريني أن يقيم داخل إقليم دولته، ولا يجوز إلزامه بالإقامة في مكان معين، إلا في الحالات والأحوال التي يحددها القانون، كذلك فإن لكل مواطن حرية الذهاب والمجيء أو حرية الغدو والرواح والانتقال من مكان إلى مكان آخر داخل أرض الوطن، ولا يجوز منع أي مواطن من التنقل إلا في الأحوال التي يحددها القانون».
هذا الحق أصبح منتهكاً في منطقة الدراز، فهناك أكثر من 20 ألف نسمة يسكنون في تلك المنطقة انتهك حقهم، في ممارسة حياتهم الطبيعية، وهناك الآلاف ممن لا يسكنون الدراز لهم ارتباط بها سواء كان ذلك لقرابة أو دراسة أو عمل أو أي شيء آخر انتهك حقهم في حرية التنقل، ولأسباب لا علاقة لهم فيها، وكأنهم يعاقبون على شيء لا ذنب لهم فيه، ما يجعل ذلك الفعل في إطار «العقاب الجماعي».
يرمز مصطلح «العقاب الجماعي» إلى ممارسات بمعاقبة عائلات أو مجتمعات محلية أو أحياء أو قرى أو مدن بأكملها بسبب فعل قام به فرد أو عدة أفراد.
ما يحدث حاليّاً في منطقة الدراز أمر «غريب»... ومن حق الأهالي أن يتذمروا من ذلك الإجراء، والذي ينال من حقهم في حرية التنقل، ومن حقّ الأهالي أن يسألوا عن مبررات عزل منطقةٍ بكاملها بتلك الحواجز، والتضييق عليهم، وكذلك عن موقف المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، فبعد صمتها نطقت بأنْ «لا توجد مشكلة»، لتخالف بذلك المزاج العام «المؤيد والمعارض» بأن المشكلة موجودة، وبعد ذلك أصدرت بياناً خجولاً جداً تحدثت فيه بشكل غير مفهوم، و «هلامي»، وذلك لذر الرماد في العيون عن تلقيها 10 شكاوى (خلال الفترة الماضية) تنوعت مضامينها بين الحق في حرية التنقل والإقامة، والادعاء بالحرمان من تلقي العلاج والرعاية الصحية، إلى جانب الادعاء بالحرمان من التمتع في السكن، من دون الإشارة إلى ماهية الشكاوى المتعلقة بالحق في حرية التنقل والإقامة، وكأنها «خائفة» من الإفصاح عن ذلك!
على صعيد قطع خدمة الانترنت مساءً على أهالي المنطقة، والذي يدخل هو الآخر يومه الـ 140، فإن الجهات الرسمية (هيئة تنظيم الاتصالات) تؤكد تلقيها فقط 7 قضايا بخصوص ذلك، وأنه اتضح لها بعد التحقيق في هذه القضايا أن «شركات الاتصالات المتنقلة لم تخالف بنود الاتفاقيات فيما يخص التغطية وجودة الخدمة»!
السياسة واضحة، كل الأطرف، تغطي على الأخرى، ولا توجد جهة واحدة تصف نفسها بـ «المستقلة» والمحايدة قادرة على قول الحقيقة، فالمؤسسة المعنية بحقوق الإنسان والتي تصف نفسها بـ «المستقلة» لم تستطع إصدار بيان تتحدث فيه عن معاناة أهالي الدراز، وهيئة تنظيم الاتصالات لم تجد مشكلة في جودة خدمات الإنترنت لأهالي الدراز، التي تقطع كل مساء!، وحتى الشركات الخاصة المعنية بتقدم خدمات الإنترنت لم تحترم عقودها واتفاقاتها مع زبائنها، بفرض ذلك العقاب على الأهالي، مع استنزاف أموالهم.
ما يحدث لأهالي الدراز، عقاب حقيقي على الجميع منذ 140 يوماً، من قبل جهات رسمية، شركات الاتصالات، وحتى المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.
ما يحدث في الدراز هو انعكاس لواقع أزمة سياسية تعيشها البلاد، مازال جمرها مشتعلاً حتى لو غطي بالرماد، فما أن تهب ريح بسيطة حتى يتطاير الرماد وتنكشف الحقيقة، فالحلول الأمنية، والتضييق وقطع خدمات الإنترنت ليست حلاً، والجدران الأسمنتية والأسلاك الشائكة، والمدرعات ونقاط السيطرة، ليست حلاً، الحل في بحث جذور المشكلة في نطاقها الخاص، بعيداً عن الإضرار بمصالح الآخرين الذين لا ذنب لهم.