الأفغان في ألمانيا يواجهون الرفض والترحيل
الوسط – المحرر السياسي
منذ وصوله إلى ألمانيا في شهر أغسطس/ آب من العام الماضي وعقب مضي شهرين من قيام السلطات بنقله إلى مدينة التنبرغ الصغيرة في شرق البلاد، يبذل روح الله قادري، 24 عاماً، وهو مخرج ومراسل تلفزيوني سابق من شمال أفغانستان، قصارى جهده للاندماج في المجتمع الجديد.
وقالت وكالة الانباء الإنسانية (إيرين) إنه على رغم صعوبة الاندماج في منطقة لا يُظهر العديد من سكانها المحليين الاستعداد أو الرغبة في قبول الوافدين الجدد، إلا أن قادري انضم إلى مبادرة تهدف إلى مساعدة طالبي اللجوء الوافدين حديثاً على التكيف مع حياتهم الجديدة، ونجح في إجادة اللغة الألمانية بشكل مذهل. كما خلق انطباعاً إيجابياً لدى السكان المحليين المشاركين في المبادرة الذين وصفوه بأنه مثال مشرق ويتمتع بحماس كبير حتى شهر أغسطس على الأقل. كان ذلك عندما رُفض طلبه للجوء بعد أسبوعين فقط من المقابلة التي أجراها للبت في طلب اللجوء الذي تقدم به للسلطات الألمانية.
وتعليقاً على وضعه الآن، قال قادري لـ "إيرين": "لم أتوقع أبداً أن يأتي (القرار) سلبياً. لقد كنت متحمساً جداً لدرجة جعلتني أتوقف عن التفكير بشأن التهديدات (في الوطن). لكني بمجرد أن قرأت الرد، عادت جميعها لتطاردني، ما يجعلني أواجه بصعوبة كبيرة في النوم ولا أستطيع التركيز".
حسابات "عبثية" للمخاطر
وقادري واحد من بين 94 ألف أفغاني وصلوا إلى ألمانيا في العام 2015 خلال ما أصبح يُعرف في ألمانيا بأنه "صيف طويل من الهجرة". وقبل أن تنتهي السنة، كانت ألمانيا قد استقبلت 890 الف من المهاجرين وطالبي اللجوء. وعلى رغم أن الأفغان يشكلون الجنسية غير الأوروبية الثانية بعد السوريين، إلا أن فرصهم في الحصول على اللجوء والقدرة على البقاء في ألمانيا أقل بكثير من السوريين. ففي العام 2015، رفضت السلطات منح 27 في المئة من الأفغان حق اللجوء، وفقاً للمكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي. وخلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2016، ارتفعت هذه النسبة إلى 46 في المئة.
وتزامن ارتفاع عدد حالات طلبات لجوء الأفغان المرفوضة في ألمانيا مع ارتفاع مماثل في معدلات الرفض في العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى. يأتي هذا في الوقت الذي تفاقم فيه الصراع في أفغانستان بشكل كبير على مدى الأشهر الـ 18 الماضية، حيث بلغ عدد الضحايا ما بين قتيل وجريح في أوساط المدنيين إلى 11 ألف شخص في العام 2015، إضافة إلى في 8397 شخصاً آخرين في الفترة ما بين بين شهري يناير/ كانون الثاني وسبتمبر/ أيلول من هذا العام، وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة.
وفي رسالة رفض طلب اللجوء التي تلقاها قادري، ذكر المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين أن احتمال أن يصبح ضحية للنزاع الداخلي المسلح في أفغانستان تُقدر بنحو 0.074 في المئة، استناداً إلى "حساب نسبة المخاطر" التي تعتمد على إحصائيات عدد السكان والإصابات الناجمة عن الصراع في أفغانستان في العام 2014، وهي نسبة ليست مرتفعة بما يكفي لتبرير الحصول على اللجوء في ألمانيا.
وفي هذا الصدد، يرى نائب الرئيس التنفيذي في منظمة "برو أسيل" (منظمة غير حكومية تتخذ من فرانكفورت مقراً لها وتعمل على دعم حقوق اللاجئين)، بيرند ميسوفيتش أن حساب نسبة المخاطر "عبثية" ولم تعتمد على بيانات حديثة وموثوق بها من المناطق التي تخضع للسيطرة الفعلية لحركة "طالبان" بحيث تقدم صورة واقعية للتهديدات الأمنية الحالية في أفغانستان.
وقال إن الأعداد المتزايدة من الأفغان الذين يتم رفض طلباتهم للجوء في أوروبا تهدف إلى خلق انطباع لدى الجمهور بأن "غالبية الأفغان ليسوا بحاجة إلى الحماية".
"عودة آمنة ومنظمة"
قدم قادري طعناً على القرار. ويشكو من أن المقابلة لم تعطيه فرصة كافية لعرض قضيته. وقال لـ "إيرين" أن بعضاً من الأصوليين اتصلوا به في يناير 2015، وطلبوا استغلال نفوذه كمراسل لتسهيل تنفيذ هجوم على الحاكم المحلي لمدينة في شمال أفغانستان. وعندما رفض، تعرض للضرب وتلقى هو وأسرته تهديدات بالقتل. وبعد عشرة أيام، بالكاد نجا من محاولة اختطاف ومن ثم قرر مغادرة أفغانستان. وبعد وصوله إلى تركيا عبر إيران، سلك طريق البلقان الشرقي عبر طريق بلغاريا وصربيا والمجر وجمهورية التشيك. وأُلقي القبض عليه في كل من بلغاريا وجمهورية التشيك وظل رهن الاعتقال لأكثر من شهر.
وعن أفغانستان، قال قادري: "الوطن مثل الأم...لا أحد يترك أمه طوعاً".
ورفض طلب اللجوء لا يعني الترحيل تلقائياً. فقد رفضت أفغانستان، مثل الكثير من الدول، قبول رعاياها الذين عادوا من أوروبا إلا إذا وافقوا على المغادرة طوعاً، بمعنى أنه يسمح للأشخاص مثل قادري بالبقاء في ألمانيا بموجب وضع مؤقت يطلق عليه "دولدونج" أي تعليق مؤقت للترحيل، الذي يحد من حقهم في العمل، أو الحصول على الخدمات الاجتماعية. وفي شهر سبتمبر، ذكرت النسخة المطبوعة من مجلة دير شبيجل أن ألمانيا كانت على وشك وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق ثنائي مع أفغانستان يسمح لها بترحيل الأفغان، في بعض الحالات قسراً.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، وقع الاتحاد الأوروبي والحكومة الأفغانية اتفاقية "الطريق المشترك بشأن قضايا الهجرة"، وهو عبارة عن اتفاق بشأن "العودة الآمنة والمنظمة" للمواطنين الأفغان المقيمين بشكل "غير نظامي" في الاتحاد الأوروبي بعد رفض طلبات لجوئهم. وتم توقيع الاتفاق قبيل عقد مؤتمر في بروكسل تعهد فيه المانحون بتقديم مساعدات مالية وتنموية لأفغانستان.
في كلمته في مؤتمر المانحين، قال وزير الخارجية الألماني، فرانك-والتر شتاينماير: "آمل أن يدخل اتفاق إعادة القبول الذي وقع مؤخراً مع أفغانستان حيز التنفيذ فعلياً".
مع ذلك، نفي موغيريني فريدريكا، رئيس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي وجود أي علاقة بين اتفاقية إعادة القبول ووعد تقديم مبلغ 15.2 مليار دولار كمساعدات تنموية (أكثر من ثلثها من دول الاتحاد الأوروبي) إلى أفغانستان على مدى السنوات الأربع القادمة.
لكن قادري غير مقتنع بهذا الكلام. وتساءل "هل هذه اتفاقية أم مقايضة؟".
وأضاف أن "الحكومة الأفغانية فاسدة ...ولو أنها استخدمت المعونة التنموية في بناء مؤسسات يستفيد منها الشعب الأفغاني حتى الآن، لما كانوا يخاطرون بحياتهم بحثاً عن الأمان في أوروبا".
وفي بيان له، ندد الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان باتفاقية إعادة القبول ووصفها بأنها "مخزية" مشيراً إلى أن "تجميل الصفقة عبر الحديث المتسرع عن أن العودة ستكون آمنة لن يفلح".
من جهته، وصف ميسوفيتش من منظمة " برو أسيل" الصفقة بأنها أداة لردع مزيد من الأفغان عن الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي، وأشار إلى أن بعض المسؤولين الأفغان كانوا مترددين في التوقيع عليها، بمن فيهم سيد حسين عليمي بالخي، وزير شؤون اللاجئين والإعادة إلى الوطن: "رغم أنهم قد قبلوا على ما يبدو في نهاية المطاف بجميع شروط الاتحاد الأوروبي".
وقال قادري أن الإعادة القسرية للأشخاص الذين يخاطرون بحياتهم من أجل الوصول إلى أوروبا يمكن أن يقود بعضهم لليأس ومن ثم الانضمام إلى صفوف الأصوليين.
ومن المقرر أن تنظر المحكمة الإدارية في درسدن طلب الطعن الذي قدمه قادري في 16 ديسمبر. ويأمل قادري بمساعدة من محام، أن يتاح له وقت كاف لشرح قضيته بشكل جيد. وفي حالة رفضه، يقول: "لن أعود طوعاً. وإذا تم ترحيلي قسراً، فربما أموت".
"وإذا بقيت على قيد الحياة، فسأهرب بالتأكيد من (أفغانستان) مرة أخرى، لأنني لا أريد أن يذبحني الإسلاميون".