النويدرات تنعى رحيل المعمر أبو دهوم وتأمل توثيق سيرته
النويدرات - محمد الجدحفصي
نعى عدد من أهالي قرية النويدرات رحيل الحاج علي محمد كاظم أبو دهوم، آملين من ذويه توثيق سيرة حياته المليئة بالتجارب العملية بجوانبها كافة.
عاش وترعرع الحاج علي أبو دهوم في كنف والده الحاج محمد بن كاظم، الذي قام بتعليمه القرآن الكريم و"الفخري" على يد الحاج عبد الله بن الحاج حسين وحسن عبد الله سرحان، وأحمد بن شيخ أحمد الشيخ.
وفي الجانب المهني، بدأ أبو دهوم العمل في صيد الأسماك مع والده مطلع الأربعينات، ثم التحق بالعمل في شركة نفط البحرين، وبعد عامين استقال وعاد إلى العمل مع والده، ثم عاد إلى العمل في الشركة ذاتها، واستمر في العمل حتى تقاعد في العام 1986. وكان لالتحاقه الثاني بالشركة فوائد جمة، من أهمها التحاقه بالدراسة في مطلع الخمسينات لتعلّم مبادئ اللغة الإنجليزية والحساب والكيمياء والفيزياء، وذلك لضرورة العمل، وكانت مدرسة الزلاق هي الحاضنة له. كما كانت سنوات تعلّم فيها الكفاح في الحياة، فمع تقادم سن والده في العمل كان يضطر بعد عودته من عمله إلى الانخراط في العمل مع والده الذي ترك ركوب البحر ولجأ إلى الاكتفاء ببيع السمك (جزاف).
وكان الفقيد أبو دهوم منذ صغره يتميّز بسرعة الحفظ وقوة الذاكرة، كما كان محباً للقراءة والاطلاع على الثقافة الدينية والتاريخية، وكان خبيراً في أنساب المنطقة، لذلك كان بعض الكتاب الموثقين لتاريخ القرية يرجعون إليه لمعرفة بعض المعلومات المتعلقة ببحوثهم، حيث كان يمتلك مخزوناً كبيراً من المعلومات التاريخية، سواءً عن المناطق الحالية أو تلك التي اندثرت، وخاصة "شباثة" التي تعتبر موطنه الأصلي، حيث نشأ وتربّى فيها حتى بلغ عمره خمسة عشر عاماً.
كما كان الحاج أبو دهوم يدوّن كل الأحداث التي عاشها ويسجّل كل حدث مهم له أو لعائلته، من عمل أو زواج أو ميلاد أولاده أو سفر أو ما شابه في كرّاسة، لكن حريقاً نشب في الغرفة الملحقة بالمأتم، وكانت بمثابة مكتبة فيها كتبه وكتب ابنه محمد، وكانت الكراسة من الأشياء التي التهمها الحريق.
وقد ربى أبو دهوم الكثير من المعلومات وأخبر عن كثير من الشخصيات المهمة في القرية لأولاده ولمن يطلب منه ذلك. وقد أجرت صحيفة "الوسط" سايقاً لقاء معه لمعرفة بعض جوانب من تاريخ قرية النويدرات. كما كان كثير السفر لزيارة مقامات أهل البيت (ع) وخاصة في العراق الشقيق، ولديه علاقات مميزة وخاصة مع بعض الوجهاء والعلماء في العراق من آل شبر كالسيد باقر شبر ابن عم السيد صباح شبر، وأحد مؤسسي منتدى النشر الأدبي مع الشيخ محمد رضا المظفر والشيخ أحمد الوائلي (رحمهم الله جميعاً)، وكان بفضل أولئك العلماء يصل إلى المراجع في العراق مباشرة في لقاء خاص ببعضهم وخاصة السيد علي السيستاني. بالإضافة إلى أنه كان محباً ومبجلاً عند علماء الدين وخاصة علماء منطقة سترة أمثال الشيخ منصور الستري، حيث كان ملازماً له ويعتبر أحد رجالاته، كما كان له علاقة خاصة ومودة بالشيخ جاسم قمبر (رحمه الله)، وكذلك الشيخ عبدالحسين الستري.
من أبرز صفات الراحل الحاج علي أبودهوم (رحمه الله) الكرم، فكل أهل المنطقة يعرفونه بتلك الصفة إذ كان بيته مفتوحاً للجميع. كما كان دائماً يساعد الفقراء والمحتاجين، ويسعى إلى قضاء حوائج من يحتاج إلى المساعدة من دون توانٍ أو كلل. وقد ورث من والده سدانة مأتم الكاظم، وارتبطت حياته كلها بوجود المأتم، كجزء لا يتجزأ منه، فالمأتم جزء من بيته الذي عاش فيه، حيث أسّس جده الحاج علي بن كاظم المأتم للرجال العام 1880، وأعاد والده بناءه في مطلع الخمسينات بالجص، ليأتي دوره في إجراء الترميم عليه حيث أدخل عليه الكهرباء في العام 1962، وفي العام 1983 أعاد بناءه على ما هو عليه اليوم، وقد سعى في السنوات الأخيرة إلى إعادة بنائه بشكل أكبر حيث وهب بيته كاملاً للإمام الحسين (ع).
لم تكن عطاءات الراحل للمأتم الرجالي فقط، فلقد أسّس وزوجته أم حسين (رحمها الله) مأتماً آخر في بيته الآخر باسم مأتم أم حسين للنساء.