ماذا قالت ولاء البقالي في يوم «التحدِّي»؟
لمواجهة مرحلة تاريخية راهنة هي من أصعب مراحل تاريخ العرب الحديث التي تشهد خلالها القراءة والثقافة تراجعاً متزايداً من الأجيال الشابة، أطلق نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس الوزراء، حاكم إمارة دبي سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مبادرة تهدف إلى تنمية روح وحُبِّ القراءة للطلبة العرب من جميع المراحل المدرسية الثلاث، وقد جاءت المبادرة كمسابقة علميَّة معرفيَّة تحت عنوان «تحدي القراءة العربي» للعام الدراسي (2015/ 2016). علماً بأن مشروع المبادرة في الأصل مخصص لطلبة الإمارات، ولكن سموه، بحسه القومي، طلب أن تكون على مستوى دول الوطن العربي، وغيرها من الدول الأخرى التي قد تتقدم مدارسها وطلبتها بطلب المشاركة فيها، وكانت المبادرة تستهدف الوصول إلى قراءة 10 ملايين كتاب، فطلب الشيخ المكتوم أن تصل إلى 50 مليون كتاب.
وقد شارك في هذه المسابقة التعليمية المعرفية غير المسبوقة في عالمنا العربي ثلاثة ملايين ونصف مليون طالب وطالبة يحملون 54 جنسية، من بينهم 18 دولة عربية، و6 دول غير عربية (بريطانيا، الدنمارك، الصين، الهند، ماليزيا وإندونيسيا)، تأهل منهم 18 ألف طالب وطالبة، ومن هؤلاء تأهل منهم 18 طالباً وطالبة للمرحلة الأخيرة النهائية للفوز بالمراكز الثلاثة الأولى، وقد أُخضعوا في اليومين السابقين للحفل الختامي لاختبارات تحكيمية مفصلة، وفق معايير صارمة تميزت بأعلى درجات النزاهة والشفافية لقياس قدراتهم المعرفية، وللتأكد مما قرأوه فعلاً من أكبر عدد من الكتب، ولامتحان تأثير ما قرأوه في رفع مستواهم المعرفي الفعلي، ومدى ما حققته في توسيع ثقافتهم العامة، بالإضافة إلى مقابلات شخصية أُجريت من قِبل لجان تحكيمية متخصصة مع الطلبة المتأهلين. وقد تمَّ اختيار الطلبة الثلاثة المتأهلين للمراكز الثلاثة الأولى والذين نجحوا للتأهل لها من بين الـ 18طالباً المشار إليهم آنفاً.
وفي احتفال مُهيب وجميل للغاية، جرى برعاية حاكم دبي نفسه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في مبنى دار أوبرا دبي، جرى إعلان الفائزين بالمراكز الثلاثة، وهم كل من: الطفل الجزائري المعجزة ذو الـ 7 سنوات محمد عبدالله فرح (سنة أولى ابتدائي)، والمركز الثاني فازت به الطالبة الطفلة الأردنية (12 عاماً) رؤى حمّو، والمركز الثالث فازت به الطالبة البحرينية ولاء عبدالهادي البقالي (من مدرسة جدحفص الثانوية للبنات)، وهؤلاء الفائزون الثلاثة بالمراكز الثلاثة الأولى بحسب تحكيم اللجان التحكيمية إنما جرى ترتيب مراكزهم مبدئيّاً، فقد مُنح كل منهم 80 في المئة من درجة الاستحقاق، والـ 20 في المئة المتبقية للتقييم النهائي، تُركت 10 في المئة منها للجنة تحكيم ثلاثية تحضر الحفل الختامي، والـ 10 في المئة الأخرى بحسب نتائج تصويت المدعوين والحاضرين بمن فيهم راعي الحفل نفسه الشيخ مكتوم، وفق آلية الكترونية مُحكمة أمام الجميع، وذلك في ضوء ردِّ كلٍّ من الطلبة الثلاثة على سؤال علني أمام الحاضرين طرحته اللجنة التحكيمية الثلاثية، بحيث اختصَّ كلُّ عضو من أعضائها بطرح سؤال على واحد من الطلبة الفائزين الثلاثة الذين رشحَّتهم اللجان التحكيمية للمراكز الثلاثة.
ووفق هذا التحكيم النهائي الشفّاف، وأمام حضور مدعوين من مختلف الدول العربية، تغير ترتيب مراكز الفائزين الثلاثة ليكون بالترتيب المتقدم ذكره آنفاً، وعلى سبيل المثال فبعدما كانت الطالبة البحرينية ولاء البقالي قد فازت بالمركز الثاني وفق امتحان الـ 80 في المئة من قِبل لجان التحكيم، فإنها وبموجب امتحان الـ 20 في المئة النهائية من الدرجة النهائية في حفل الاختتام أصبح ترتيبها المركز الثالث، وهي الأولى على أكثر من 17 ألف طالب وطالبة تقدموا لمسابقة «تحدي القراءة العربي» من مملكة البحرين.
السؤال الذي وجهه عضو اللجنة التحكيمية الثلاثية عبدالله المغلوث، أمام مرأى ومسامع جميع الحاضرين في الحفل إلى الطالبة البقالي (17 عاماً، ثالث ثانوي) كان كالآتي: من هي أكثر شخصية أثّرت فيكِ من مجموع الكتب التي قرأتها؟ فكانت إجابتها رائعة لا تعكس حسّاً روائيّاً تتمتع به في تذوق الابداع الروائي الجميل الواعد فحسب؛ بل وتنطوي إجابتها كذلك على ثلاثة أبعاد وطنية خليجية وقومية وإنسانية، لا تخفىٰ على المستمع اللبيب، قالت ولاء: «تأثرتُ بالسيرة الذاتية للكاتبة الكويتية ليلى العثمان في روايتها «المحاكمة»، وشعرت كم أنها امرأة استثنائية، فعلى رغم جميع المعوقات والصعوبات التي واجهتها في حياتها، سواء من الناحيتين العملية والأدبية، أو من ناحية ما واجهته في حياتها الخاصة من عادات متحجرة، وفكر متشدد ما أوصلها إلى أبواب المحاكم بسبب كل ذلك، فضلاً عن الأوضاع التي حالت بينها وبين زوجها الفلسطيني وليد أبو بكر؛ لكنها لم تدعْ تلك المعوقات تقف حاجزاً أمامها، وأصرت على التحدي بإبداعاتها الروائية والكتابية».
وحسبما تم إعلانه في الحفل فإن الطالب الفائز يُمنح جائزة مالية قدرها 150 ألف دولار، 50 ألفاً منها تُخصص لعائلته لدورها في تنشئة وتربية وتشجيع ابنها الفائز على التحصيل العلمي والقراءة، و100 ألف تودع في حسابه الشخصي ليستكمل دراساته العليا. أما الجائزة الكبرى وقيمتها مليون دولار والمخصصة للمدارس فقد فازت بها مدرسة طلائع الأمل الثانوية للبنات في فلسطين.
وإذ عاشت البحرين أواخر الأسبوع الماضي بفضل مبادرة سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «تحدي القراءة العربي» في أجواء فرح حقيقية ابتهاجاً بفوز المواطنة الطالبة ولاء عبدالهادي البقالي بالمركز الثالث على مستوى العالم العربي في مسابقة المبادرة المذكورة، فإن الآمال تحدونا أن يكون هذا الانجاز دافعاً لأبنائنا وبناتنا الطلبة لبذل المزيد من الجهد والمثابرة، ليس لنيل أعلى درجات التحصيل العلمي الاعتيادي كما هو مقرر في مناهجهم التعليمية فحسب، بل وبالاهتمام أيضاً بآفاق المعرفة والثقافة العامة الخارجية بمختلف حقولها، وألف «مبروك» لابنتنا الطالبة ولاء بهذا الفوز الذي حققته بجدارة، وتهانينا القلبية لعائلتها ولمدرستها إدارةً ومعلمات ولمدينتها جدحفص، والتهاني موصولة لكل شعبنا العريق في جذوره الحضارية التاريخية علميّاً وثقافيّاً بهذا الإنجاز المُشرّف... والشكر الكبير لصاحب هذا المشروع - المبادرة ـ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والتي بفضلها تم كشف عدد كبير من المواهب المجهولة لبراعمنا وطلبتنا في بلداننا العربية ومنها وطننا الحبيب البحرين.