قصة قصيرة... ليلة آدم الأخيرة
قصة قصيرة - أحمد الزناتي محمد
استقلتُ من عملي. اتفقتُ مع الإدارةِ على تسليمِ المستندات التي في حوزتي كافة إلى الرجل الجديد، باستثناء جهاز اللاب توب الذي منحته لي الشركة كهدية رمزية لسنوات عملي الطويلة.
كانت الساعة تقتربُ مِن الثانية عشرة ظهرًا، وانصرفَ الجميع إلى راحةٍ مدتها ساعة. أثناءَ تصفحي لـ "الفيسبوك" في هذا الوقت، ظهرَ لي موقع باللغة العربية يُسمي نفسه "الراوي المجهول" :أين تنتهي الحكاية"، استرعى الاسم انتباهي؛ دخلتُ إلى الموقع فقرأتُ الإرشادات الآتي:
1- عزيزي متصفح الموقع: نحن لا نريدك أن تشتركَ معنا، بل نريد ذلك القزم القابع داخلك أنْ يكسرَ القفص.
2- إن أرَدْتَ المشاركة، فعليك أن تختارَ سؤال وتجيب عليه
3- هناك راوٍ واحد سيظهر على الصفحة، مهما كان عدد المشاركين.
4- للاستمرار اضغط على كلمة "سأحاول" أو اضغط "لن أحاول" للخروج.
ضغطتُ على كلمة "سأحاولُ" بعد أن اطمأننتُ إلى انصراف الجميع، وبدأت في إدخال البيانات المزيفة. مطلوبٌ من كل "مشارك" أن ينهي طرفًا من القصة بنفسه، والقصة المطلوب إكمال تفاصيلها تحكي عـن رجلٍ يُدعى "آدم" بلغ من العمر ستين عامًا. كان يعمل موظفًا حكوميًا في وزارة الزراعة في الإسكندرية. بعد بلوغه سـِنّ التقاعد، تـعرَّفَ سرًا إلى فتاةٍ لعوبٍ تتجاوزُ العشرين عامًا، ما الذي جذب "حورية" إلى "آدم" وهو الستيني المنكسر؟
هذه هي ليالي آدم مع "حورية"، قـُصَّ علينا حكايته كما يأتي:
الليلة الأولي: آدم يبلغ سن المعاش ويجلس وحيدًا كل يوم في شقته الـمُطِّلة على الشاطئ.
الليلة الثانية: حورية تداعبُ خيالات آدم.
الليلة الثالثة: آدم يقابل حورية في منزلها على أطراف المدينة.
الليلة الرابعة: حورية تُغري آدم بالهروب معها.
الليلة الخامسة: آدم يجلِسُ على شاطئ البحر وحده.
الليلة الأخيرة...:
كانت الليلة الأخيرة هي الناقصة، حيث حكا جميع المشاركين ما جرى في الليالي السابقة.
حينَ بدأتُ في قراءة أحداث الليالي، اعترتني دهشة عارمة؛ وجدتُ سردًا منطقيًا متماسكًا للأحداث، على رغم أن "الرواة" جميعهم لا يعرفون بعضهم بطبيعة الحال.
كانت الحكاية تروى قصة آدم الموظف الذي تزوج منذ خمسة وثلاثين عامًا من امرأة تعرّفَ إليها في البنسيون البائس الذي أقام فيه أول أسبوع هبطَ فيه إلى الإسكندرية، ليتسلّم عمله الجديد موظفًا بإدارة التفتيش بوزارة الزراعة.
أجمعَ الرواةُ المجهولون على أنّ آدم لم يعشقْ "حياةَ" قط، إلا أنه كان يشعرُ نحوها بتعاطفٍ ممزوجٍ بشفقة؛ فلا يمكن في مثل حالته تلك أن يكون الأمر غير ذلك في زواجٍ لم يكن ثمرةَ حبٍ، وإنما ثمرةَ كأس ويسكي طائشة في ليلة حارة من ليالي أغسطس، أسفَرَتْ عن فضيحة في البنسيون البائس الذي هبط إليه منذ عقود،أعقبها بطنٌ منتفخ وفضيحة وشيكة؛ فكان لا بدّ من الزواج كي لا يفقد عمله في أول شهرٍ له.
بقِـيتْ الليلة الأخيرة لمْ يروِهـا أحدٌ بعد. كان يوم عملي الأخير قد اقترب من الانتهاء؛ صافحتُ زملائي في حفلة وداع صغيرة، وخرجتُ إلى الشارع. بحثتُ عن مقهى هادئ قريب من الشركة. جلستُ إلى طاولة بعيدة تكاد تتوارى خلف الأشجار وفتحت جهاز اللاب توب. كانت الليلة الأخيرة لا تزال ناقصةً كما تركتها قبلَ ساعة. استحضرتُ نسائم شط إسكندرية، وتقمصتُ شخصية آدم، مُتخيلًا نفسي جالسًا إلى حورية على الشاطئ، وحكيتُ للموقعِ ما حكيتُ.اختتمتُ حكايتي ببيت شعرٍ أثير:
لم يكن وصلكَ إلا حُلمًا في الكرى أو خِلسة المختلس.