العدد 5164 بتاريخ 26-10-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


سَمَكُ الجُدران

قصة قصيرة - تقوى محمد

الزقاقُ الطويلُ لا ينتهي... نسيتُ أن أراقب كل تفاصيله كما في كل يوم، أن أعدَّ البلاطات الحمراء قبلَ أن يخرجَ فوجٌ من الفئران من جحر أجهلُ موقعه فأصرخُ بصوتٍ مكتوم في كل مرة "أو ربما بِتُّ أتعمدُ ذلك".

رائحةُ السمك "الزنخة" تلتصقُ بالجدران وكأن أحدهم قد لعقها لينظفها من رائحتها الأصلية وليضيف عليها نكهة السمك بعد وجبةٍ غنية، يقول لي صحبي دوماً أن أنفي مميز، فقد احتضنوا الجدرانَ مراراً ولم تصلهم أي رائحةٍ لسمك، وأقسم لهم دوماً أن الرائحةَ نفاذة، كأنها تأتي من جسدي فتخنقني... أنسى كُل هذه التفاصيل في هذا الظلامِ الحالك وأتذكر فقط أني في زقاقٍ أخوضه في كل يوم ولكني تهتُ فيه الآن ولا سبيلَ للخلاص.

"كم بلاطةً حمراءَ فاتتني؟" ألتفتُ للخلف عَلّي أُدرِكُ عددها ولكن الرعبَ يسابقُ الأعدادَ إلى جلدي فارتجف، ربما كالسمكةِ التي أكلها القذرُ الذي لعقَ هذه الجدران قبل قرون.

خطواتي دقيقة، تَخافُ أن تدهسَ قشراً لموزة أو فوجَ الفئرانِ اليومي، أزعَجَت أنفي رائحة الجدران حتى قبلَ أن أصرخ صرختي المكتومة... "غريب!"، خطوة، خطوتان، ثَلاثـ ، وأَنسَلِخُ أرضاً "اللعنة علـى الموز، اللعنة على قشوره الصفراء القبيحة، اللعنة" أمدد أصابعي على البلاطات كمحاولةٍ لمعرفةِ إذا ما كانت الحمراء القرمزية أم الرمادية الداكنة، لكني لم أفلح سوى بمعرفة أن أصابعي التصقت بعلكةٍ ربما أو بِـ ### "اللعنة" نفسٌ عميق يسحبُ تلك الرائحةَ مجدداً لبدني، لكن لا ضوءَ يأتي "حسناً، سيخرجُ فوجُ الفئران عاجلاً أم آجلاً ثم سأعرفُ طريقي"، كان إغماضُ عيني سهلاً لكن فتحها كانَ حرباً، لم استطع، الفئرانُ لم تخرج بعد، التصقَ الجدارُ بجسدي حتى نسيته فأصبحت منهُ وفيه "سمكَ الجدران".



أضف تعليق