العدد 5163 بتاريخ 25-10-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... مكعَّب الزجاج

قصة قصيرة - إبراهيم الشاخوري

20 مارس 2013

عزيزتي أمل،

أكتب إليك من وسط الصحراء...

الرمل يملأ الجهات، كثبان لا تنتهي على مدّ البصر، وشمسٌ حارقة تنهش رأسي وكتفي، حلقي الجاف يغلق شفتي بسلك من الشوك الحاد، محاولة فتح فمي تؤلمني بشكل لا يصدّق، كلما حاولت أن أصرخ باسمك تحرّكت قضبان الألم لتدخل من أسفل رقبتي من الخلف، تطلق جرذان الرعب لتعربد في خلايا جسدي، ألمُ يبدأ من لا مكان، وينتشر في كل مكان.

الألم، والخوف والعطش، والوحدة هي الأصعب، كلها تستفرد بي فلا أقوى حتى على إطلاق صوتي، يشتدّ الألم، ولا تنقص الصحراء شبراً واحداً. قلبي يحاول ترتيل اسمكِ ليخفّف عني بعض هذا الألم، تستحيل أحرف اسمك بُعداً آخر، تدخلني لغابات من الألم لم أكن أتخيل حتى وجودها! أحاول أن ألجأ لعقلي، عقلي المنهك توقّف عن تصديقي، لم يعد عقلي يصدق عيني أو أي إحساسٍ آخر، بدأت أصارع موجات من الهلوسة، وعيني تستسلم ببطء لغيبوبة تنقذني من الألم، وسرعان ما غمرني سوادٌ لذيذ.

قطرة...

قطرة...

تبعها انفجارٌ هائل من الماء على رأسي، أيقظني من غيبوبتي بفزع، حاولت أن أحرّك يدي لأمسح الماء عن عيني، لكن يداي لا تتحرّكان! فتحت عيوني بحذر، نظرت فإذا أنا وسط مكعّب زجاجي شفاف. مكعّب ضيّق يمنعني من الحركة تماماً، يا لشدّة ضيقه! كيف للماء أن ينساب للأسفل حتى؟

ماء...!

هل هذا ماء؟

أخرجت لساني كالمجنون لأشرب، لكن الماء كان مالحاً بشكلٍ مقزّز، سرت في جسدي رعشة لا إرادية حين تذوقته، أغمضت عيني بشدة وبدأت دقات قلبي تتسارع.

حين لامس الماء ذقني، كانت رجلاي لا تحملان جسدي المنهك، ولم يكن هذا ليصنع أي فرق، يستحيل عليّ حتى الانهيار والسقوط  من شدة ضيق هذا المكعّب الزجاجي، تنفست بعمق وأغلقت فمي، وسرعان ما غمر الماء فمي وبدأ يرتفع ليصل لأنفي. الأدرنالين بدأ يسري في دمي كثور هائج، وأفكار جنونية تتقافز لرأسي... حاول أن تركل الزجاج، حتماً سينكسر، حاول أن تميل بثقلك ليسقط الصندوق، حاول أن تدفع ذراعيك بشدة للخارج وستحطم هذا الصندوق، حاول... حاول... وبدأ الماء في الدخول في أنفي، مرسلاً خدراً مؤلماً لأسفل رأسي، استسلمت للموت وانقطعت الذاكرة.

صوت انفجارٍ هائل أيقظني، وتيارٌ عنيفٌ حملني وألقاني مرة أخرى وسط رمال الصحراء، تبخّر كل الماء في ثانية وبقيت أتأمل الرمل ملأ الجهات، فجأة، اخضرّت الصحراء، خرج العشب من بين حبات الرمل، نمت الأشجار في ثوانٍ، وصرتُ وسط بستانٍ رائع. أصغيت لقلبي... لم يهمس قلبي باسمك.

عزيزتي أمل، لم يعد مهماً وجودكِ في حياتي، فأنا لست أسير الماضي.

خالص التحية

ملحوظة بتاريخ 2/9/2014

استيقظت اليوم لأجدني وسط الصحراء! عذّبني مكعّب الزجاج وأنا اتصفّح صورك في "الانستغرام"، وحين وصلت لصور زواجك الشهر الماضي، انفجر مكعّب الزجاج ليلقيني في صحراء أشد حرارة وخوفا من تلك التي أظنني غادرتها، لكن هذه المرّة دون أن تنمو حتى وردة واحدة.

يبدو أن الماضي لا يأسرنا، الماضي يترك باب سجنه مفتوحاً، وقلوبنا المكسورة تدخل إليه طواعية كلما أضناها الشوق.



أضف تعليق



التعليقات 1
زائر 1 | 3:58 م فكرة جميلة
وحبكة متقنه
لا بد اننا مررنا بطيف من خيال او واقع موءلم
عندما نخرج من الشرنقة أقوى
او نرتفع الى السماء
قطرات الماء والصحراء هي المكان والفعل
موفق والى جديد قادم رد على تعليق