(رسالة مواطن)...هل اللائحة الادارية لوزارة التربية تردع "الطالب المشاغب بالصف " أم تناصره على حساب المعلم ؟
أكثر قضية يركز عليها المجتمع حالياً والمتعلقة بالمحيط الدراسي، هي قضية اعتداء مدرس على طالب بالضرب، وهذا نتاج تسليط الإعلام الضوء على هذه القضية، واهتمام وزارة التربية بهكذا نوع من القضايا التي عادةً ما تسعى إزاءها إلى تأكيد حالة حدوث الضرب، وتظهر التصريحات المتوعدة باتخاذ الإجراءات تجاه المدرس المذنب.
قطاعات كثيرة من المجتمع بدأت تتلقف هذا الاهتمام المتزايد من قبل وزارة التربية لحرصها الشديد على معاقبة المدرسين، وبدأت في التركيز على هذه القضية وجعلها أولوية من أولياتها، وبدء في تثقيف النشء على هذا المنحى. فلا غرابة أن تجد طالباً حتى لو كان في سن حديثة، يكلّم مدرسه بأنه سيرفع ضده شكوى للوزارة حيال أي قضية، وهذا الكلام لم يصدر من فراغ طبعاً؛ إنما نشأ نتيجة ثقافة أخذها الطفل من محيط أسرته، بينما في المقابل لا تجد أن هذا الذي أخذ درساً في كيفية تأديب مدرسه ولي ذراعه، لا تجد لديه ثقافة أخرى في ضرورة احترام نظام الفصل، واحترام معلمه. لربما كانت هذه القيم غائبةً لديه، وأكثر الطلبة المشاغبين مع الأسف الشديد هم على هذه الشاكلة.
أغلب الحجج التي يسوقها المنظّرون لحالة الاستنفار القصوى ضد المعلم المذنب بضربه للطلاب، أن هكذا نماذج تسلب من الطلبة الأمن النفسي، وتجعلهم في درجة أقل لتلقي المعلومات بسبب الرهبة الزائدة من المعلم.
وعلى جانب آخر، يتغافل هؤلاء بأن هناك من يقوم بدور سلب الأمن النفسي وترهيب الطلاب بدرجة أكبر بكثير من المعلم المكبل بقوانين وإجراءات تمنعه من ممارسة هذا الدور السلبي هم أولئك الطلبة الذين يصطلح على تسميتهم "الطلبة المشاغبون"، وهؤلاء يقومون بهذا الدور لسنوات طويلة دون قوانين أو إجراءات رادعة، وفي الحد الأدنى لا يتلقى هؤلاء عشر الاهتمام الذي يواجهه المعلم المدان بقضية ضرب.
هذا الذي يرفع القلم عنه، يخاف معظم الطلبة من مخالفة أوامره، له الحرية في ضرب أي طالب لا ينصاع لأوامره، أو حتى يستطيع أن يقوم بذلك من باب التسلية أو رغبة في السخرية، ولذا فإن وجوده في الفصل الدراسي بالنسبة لمعظم الطلبة هو عامل إرهاب دائم، خصوصاً أنه يستمر طوال اليوم الدراسي. والدور المهم الآخر الذي يقوم به هؤلاء هو إعاقة إيصال المعلم لدروسه للطلبة، فهم يستمرون بافتعال الحركات المتعارف عليها، وفي الغالب الأعم هم ينجحون في الوصول لمبتغاهم لعدم وجود ما يردعهم.
أن يقضي الطلاب عامهم الدراسي كاملاً في تلقّي تعليم رديء أو معدوم في بعض الأحيان بسبب وجود طلبة مشاغبين؛ أن يعيش كثير منهم في حال خوف دائم من زميل لهم في الفصل الدراسي، هذا لا يستدعي حالة من الاستنفار المجتمعي والحديث عن هذه الظاهرة لإيجاد حلول، وهذا ليس أيضاً من ضمن أولويات وزارة التربية والتعليم التي دائماً ما ترفع شعارات الجودة في التعليم، ولا لجان الجودة التي تزور المدارس بين الفينة والأخرى. وكذلك في الجانب المجتمعي فإن وليّ الأمر الذي يعيش حالة استنفار حال سماعه عن تلقي ابنه لضربة من معلم، فتراه يهدّد ويرعد، ويعمل كل ما بوسعه لمعاقبة المعلم، بينما في الجانب الآخر قد يسمع من ابنه يتلقّى تعليماً سيئاً طوال عامه الدراسي بسبب بعض الطلبة ولا تراه يحرك ساكناً أمام هذا الأمر.
من جانب إجراءات وزارة التربية في هذا المجال، قد يكون من المستحيل أن تجد تعاميم من قبلها، كالتعاميم التي توزّع بين فترة وأخرى على المعلمين مذكرةً إياهم بالضوابط الإدارية ومتوعّدة بالعقوبات، ولو أولت هذه الوزارة هذه الظاهرة اهتماماً بهذا الجانب كما تبدي اهتماماً ببعض الجوانب الشكلية التي لا طائل منها، لكان التعليم بألف خير.
وجود طالب مشاغب أو أكثر في الفصل الدراسي من دون رادع حقيقي لهم، معناه باختصار القضاء على فرص التعليم للطلبة الذين يرغبون بالتعلم فعلاً. وفي الكثير من المدارس الخاصة التي تحترم طلابها لا يُعطى الطالب المشاغب فرصةً كافيةً لحرمان الآخرين من التعليم، وقد يكون مصيره الطرد في كثير من الحالات إذا انسدت أمامها كل أبواب إصلاحه، بينما في مدارسنا الحكومية وللأسف يترك لهذا الطالب الفرصة في فعل ما يحلو له وإفساد عملية التعلم أعواماً كثيرة.
يوسف