البحارنة يفتح ملفه الأدبي بين قيم الشعر التقليدي وفضاء النزعة التجريبية
المنامة – أسرة ادباء وكتاب البحرين
مر الأديب تقي البحارنة بالعديد من المحطات التي تفجرت فيها قريحته الشعرية وأخرى التي هجر فيها الشعر وغيرها من المحطات والأمسيات وقد كانت فرصا جيدة لأعضاء نادي العروبة الذي احتضن في منتصف عام 1989 حفل تعارف وتكريم لأسرة الأدباء والكتاب ليتعرف الأعضاء على خصائص الحرف الجديد وأسرار الكلمة الشعرية الحرة التي كانت تنطلق من أفواه الرواد الذين سطروا تجاربهم منذ 1969، ويشير البحارنة إلى عودة بنات الشعر تتراقص وتغري خلال السبعينيات حينما كان سفيرا للبحرين في مصر خلال الأعوام 1971 – 1974، ثم استمرت بين وصل وهجر حتى صدور ديوانه الأول "بنات الشعر" في عام 1991.
جاء ذلك خلال الأمسية التي أقامتها أسرة أدباء وكتاب البحرين بالتعاون مع ملتقى المحروس الثقافي بعنوان "إرهاصات أدبية في الثقافة البحرينية" قدمها الشاعر تقي البحارنة وأدارها إبراهيم بو هندي مساء الأربعاء الماضي، في مقر ملتقى المحروس الثقافي بشارع باب البحرين.
نظر البدر من خلال السحاب فرأى الماء كاللجين المذاب
فأتي كي يبلّ جسما نحيلا هدّه السير في الفيافي الرحاب
فرمته الحرّاس، وهي ظلال رسمتها البيوت فوق الحباب
برماح طويلة وسهام وسيوف وقواطع وحراب
فاعترته انتفاضة الذعر لما لامس الماء، فانبرى للأياب
تلك هي أبيات في وصف انعكاس البدر على صفحة الماء قدمها الأديب الشاعر تقي البحارنة عندما شحد قريحته الشعرية واستفز مشاعره وأحاسيسة لينظم هذه الأبيات، التي هي في الواقع نتاج أول ما جادت به قريحته الشعرية وأول تجربة في نظم الشعر وفي استقامة الوزن والقافية عند من عشق الشعر وحفظه وتغنى به بالأناشيد الوطنية منذ صباه في السنة الرابعة من المرحلة الدارسية الابتدائية حتى أواخر دارسته الثانوية في البحرين وبغداد 1944 حين بدأت مرحلة تجواله في عوالم الشعر عند جبران خليل جبران، إيليا أبو ماضي، ميخائيل نعيمة، أمين الريحاني وكذلك قرأ لطه حسين، والمنفلوطي وزكي مبارك وديوان المتنبي وغيرها من الكتب التي كانت في متناول يديه عبر مكتبة أخيه صادق في نفس البيت الذي يعيش فيه وقرأ شيئا من الشعر الإنجليزي في كتاب قدمه له الأستاذ أبو القاسم فيضي معلم اللغة الإنجليزية في الصف الأول الثانوي.
وطرح الأديب الشاعر تقي البحارنة تساؤلا حول جيل اليوم من التلامذة الذين لا يقرأون خارج مناهجهم الدارسية وإذا قرأوا لا يفهمون بذريعة صعوبة اللغة العربية، كما رسم علامة تعجب حول انصرافهم وإن كان هذا الأمر راجع إلى مناهجهم الدراسية أم المعلمين، أم هو انصراف الطلاب أنفسهم عن اللغة العربية والتراث الأدبي، مطالبا بالاهتمام بهذا الجانب الحيوي في البيت والمدرسة والمجتمع، مؤكدا على أن اللغة العربية هي هوية وانتماء وجذور متأصلة في ضمير الأمة وفوق ذلك فهي لغة القرآن والعبادة.
وجاءت هذه الأمسية ضمن فعاليات وأنشطة المرحلة الثانية "أكتوبر 2016 – يناير 2017" من البرنامج الثقافي لأسرة الأدباء والكتاب للموسم الجديد، الذي يشتمل على برنامج ثقافي حافل ومتنوع يتضمن لقاءات وفعاليات أسبوعية لملفات ثقافية متنوعة ونوعية تجمع بين الشعر والسرد والترجمة والمسرح والسينما وأدب الطفل وورش العمل المتخصصة.
وضمن شريط الذكريات الذي أسرده الأديب تقي البحارنة علاقته بالشعر الحر في أواخر الأربعينيات وكان البارز من أسماء دعاتها بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي ونازك الملائكة وبلند الحيدري، ومن خلال هذه الأسماء برزت بوادر التجديد وما عدا نازك الملائكة فإن الأخرين عرفهم البحارنة إلى جانبه في ثانوية الأعظمية أو في القسم الداخلي في الأعظمية، وبين الاعتراض الذي حصل مع هذه التجارب خصوصا في بغداد وأن الشعر الذي قرأه في الخمسينيات لنازك الملائكة وللشاعرين المجددين كان شعرا مفهوما وكان يريد التجديد في الشكل بطريقة معبرة عن الفن الجيد والحس الشاعري، ولم يخفي إعجابه بما قرأه من هذا الشعر من أمثال قصيدة السياب في المطر والمستوحاة من أجواء الخليج وثروات البحر والنفط وصراع الإنسان مع البيئة والمجتمع.
ويؤكد الأديب تقي البحارنة أن أعوام الستينيات شهدت مزيدا من النزعة التجريبية في الشعر الحر، وبعد ثمان سنوات على تجربة الشعر تحول من الشعر عمودي موزون إلى شعر يحتوي على وحدات تفعيلية ثم إلى شعر منثور ثم إلى طلاسم لا هي بالشعر ولا هي بالنثر، ولم يفقد الشعر التقليدي الموروث قيمته فهو شعر أدى دوره في التعبير بأمانة ولا يزال مصدرا تراثيا مهما لخلق الشاعرية وتأسيسها وذلك بجانب القيم الأخرى التي يمثلها أو يدل عليها، ويضيف "وبالمثل فإن الشعر الحديث لم يمت كما تنبأ كاتبوا الستينيات، فقد اتسعت تجربته أفقيا امتداد العالم العربي كله خلال السبعينيات والثمانينيات، والقصيدة العربية الآن ومنذ خروجها على التقنية الجاهزة أصبحت ذات طبيعة شخصية إلى حد بعيد، التقنية صارت شخصية أيضا ومن هنا تأتي الخطورة.
وتابع البحارنة نشاطه الشعري وأصدر مجموعته الشعرية الثانية وهو كتاب "أوراق ملونة" طبع في 1998 وحظي بتقريظ واف من الأستاذ الكبير إبراهيم العريض وخصوصا فيما تضمنه من سيرة ذاتيه في فصل "البحرين في الزمان الأول" التي تمثل الطفولة وأجوائها في الثلاثين والأربعين في البيت والأسرة وفي ملاعب الصبا وأزقة المنامة ومنازلها وأسواقها.