قصة قصيرة... منظار
قصة قصيرة - كامل عيساوي
سرد آدم للحوادث التاريخية كمدرس تاريخ في مدرسة أساس، لا يعود عليه إلا بالقليل والشيء الذي جعله أكثر تحسّراً على عدم تلبية طلب ابنه الصغير، ليس قلة راتبه الذي لا يكفي للأكل واللعب معاً، بل لأن ابنه لا يستطيع الخروج واللعب مع الأطفال، فمنذ ولادته وهو إما على الفراش أو على كتفي أبويه. فمنظار صغير يعمل على تقريب الأشياء البعيدة، هو أبسط ما يمكن تقديمه لطفل معاق. الآن، أدرك آدم أن انتظار آخر الشهر لا يجدي نفعاً، فقبل أن يأوي إلى الفراش ليغوص في تفكير عميق، قال لابنه: "هو أسبوع واحد، وسترى هذا القمر كأنه بين يديك".
أشرقت شمس اليوم التالي للمرة الأولى يستيقظ آدم دون أن يجتر أحداث الأمس. دخل إلى الغرفة قبل أن يتسلل إليها ضوء الشمس، الغرفة كانت تبدو كمخزن للأشياء البالية، تكدّس فيها أثاث خشبي قديم يشبه ذلك الذي يُعرض في المتاحف لولا الغبار والأتربة التي كسته فأصبح كأنه مصنوع من الفخار. نظر إلى ساعة الحائط، ولكن هذه المرة ليس لتحري الوقت. الساعة كانت من الطراز القديم في شكلها لكنها حديثة الصنع، حّليت بإطار ذهبي ورُصّعت أرقامها بأحجار مضيئة، فهي تبدو في داخل هذه الغرفة، كلؤلؤة داخل صدفة، والفضل في اغتنائها يعود بعد الله إلى تلامذته الذين قاموا بتكريمه في آخر دقيقتين من حصةٍ له قبل بضع سنوات. قطع تفكيره صوت أكواب الشاي وهي تصطك على أيادٍ مرتعشة، هاهي زوجته تقدم الشاي قائلةً:
- نسيت أن أخبرك بأن الفحم قد نفد.
- معقول!! بهذه السرعة!!
- نوعه رديء جداً... رجاءً تجنبه في المرات المقبلة.
- حسناً.
- ماذا عن صندوق الأساتذة، ألم يأتِ دورك بعد؟
- ليس بعد، والمصيبة أنني لم أعد أستطيع الوفاء بسهمي
- يا لطيف! يا لطيف... هل وعدت ابنك بشيء؟
- مثل ماذا؟
- أمضى ليله وهو يحدثني عن المنظار.
- نعم نعم، قلت له سأشتريه بعد أسبوع ولكن ربما أفاجئه اليوم.
- وهل حصلت على النقود؟
- تقريباً
- يا إلهي!! يا لها من مفاجأة!
وصل آدم إلى المدرسة قبل نصف ساعة من الوقت المحدد لبدء الدرس، فجلس ينتظر الطلاب بفارغ الصبر حتى ينتهي من أداء حصة التاريخ التي أصبحت بالنسبة له أكثر مللاً من تلك الحصص التي تروى لطابور المجندين. وفور انتهائه، ذهب في جولة لم تستغرق الكثير من الوقت، عاد بعدها متحمساً للقاء ابنه عكس الأيام الماضية، وصل المنزل لكنه لم يبدأ بدخول الحمام كغير عادته بعد دخوله المنزل، وإنما اتجه مباشرةً إلى ابنه مقدماً له المنظار في صمت. فارتسمت على الطفل فرحة خالصة، بعكس التي مزجها آدم بالحزن، لأنه فشل في الحفاظ على ساعته العتيقة، الشيء الوحيد الذي كان ينبض بالحياة داخل الغرفة.