قصة القصيرة... عِتمة صحية
حان موعد وجبة الافطار في الجناح 56 في الطابق الخامس، علبة من الفلِّين مقسَّمة إلى 3 أقسام، بيض شبيه بالبيض! علب صغيرة من المربى والعسل، قطعة خبز باردة.
تأملت وجبتي طويلاً، تنفَّست بعمق وسخرتْ ذاكرتي مني حين أعانتني لأدرك كم كانت حياتي الروتينية رائعة! اشتقت إلى كوي هندامي بعجلة صباحاً، بعثرة صندوق مجوهراتي، التذمر على زحمة الطريق ورائحة القهوة الساخنة، الرجوع منهكة إلى المنزل لأصب غضبي على أطفالي لأنهم ارتدوا ملابسي وعثوا في المكياج خاصتي! لم أتيقن لحظة أنهم يشغلون وقتهم في غيابي بالقرب من خزانتي.
يا إلهي..! كانت لحظات مميزة لم أشكر نفسي عليها! هل خانني الزمن أم خذلني الجسد الذي طالما كان إلى جانبي ولم أقدم له سوى الاستياء، أم حان وقتي لإنهاء آخر صفحات من مسيرة حياتي؟!
طق طق طق"، زوار قادمون يا إلهي تعبت منهم ومن أسألتهم ومن التفحص فيَّ وفي أجهزتي التي أصبحت جزءاً مني، والغريب حين أرى الغرباء أو بالأحرى الأشخاص الذين لم أقبل منهم دعوة ولم أرد على مكالمة منهم!
المتعب في كونك مريضاً يعني أن تتقبل نظرات الشفقة ودموع الأيتام وشهقات الفاقدين وتعيش في دوامه مستمرة من الدراما حتى لو كانت خارج إرادتك ورفضك، وكأنك تستعد إلى مراسم دفنك وترى بعض صور العزاء.
وحين تكسوني وحدة الليل ابدأ بمراجعة سجلات حياتي، لماذا لا تأتي مشاعر الندم إلا في لحظات صعبة، أين كانت في الصحة والازدهار الجسماني؟!
لماذا لم أكن أكثر وصلًا مع الأقارب؟ لماذا تجاهلت الرد على مكالمة أخي؟ لماذا لم اشترِ الحذاء المضيء لأبني؟ لماذا تخلفت عن تلبية دعوة تجمّع الصديقات في مارس؟.. أظل متحسرة على نظرة حقد رمقت بها عامل الزبالة، وكلمة سخرية وصفت بها أخت زوجي والقائمة تطول! ولكن لماذا الندم هل فات الأوان؟! أم قد تكون هناك فرصة ثانية لأكون ملائكية كوجودي على السرير الأبيض المعقم.
وهناك ملف أتجاهله أو بالأحرى أتهرب منه كلما شدَّته ذاكرتي كيف ستكون الحياة لاحقاً ؟ زوجي وأطفالي وأبي وأمي أخواني، هل أستطيع أن افعل شيئاً يخفف عليهم وطأة الحدث؟ عقلي يريد أن يستفتح موضوع الوصية بيني وبين زوجي ولكن قلبي يقول لا لن تموتي مازلت في مقتبل العمر وأطفالك صغار وجدّتك مازالت على قيد الحياة ووشاحك الأزرق الجديد لم ترتده للآن... أشياء بسيطة تعلقني بالحياة أكثر وأكثر، وأتساءل كيف ستكون وحدة القبر وتبعاتها التي يتهرب منها الجميع.
بعد مراجعة كل أموري مع نفسي، بلا نتيجة طبعاً... فالنتائج مازالت متعلقة في المقام الأول على صحتي! استسلمت للنوم مثل كل ليلة لا أعرف هل سأستيقظ في المكان نفسه أم في مكان آخر!