زيتون تونس ذهب أخضر
تونس - علي ياحي
انتهى جني الزيتون وإنتاج الزيت في تونس لموسم 2015 ـ 2016 بصورة غير مشجعة، نظراً لتراجع الغلال مقارنة بالموسم السابق الذي كان استثنائياً إنتاجاً وتصديراً. وتواجه هذه الزراعة تحديات مصيرية، من أبرزها شح الأمطار ونقص العمال والتخوف من وصول بكتيريا «قاتلة الزيتون».
ويعد تصدير «الذهب الأخضر» أحد أعمدة الاقتصاد في تونس. ففي موسم 2014 ـ 2015 أنتجت معاصرها 340 ألف طن من زيت الزيتون، تم تصدير نحو 300 ألف طن منها، ما وفر لاقتصاد البلاد العليل عائدات تجاوزت بليون دولار. وبهذه النتائج غير المسبوقة احتلت تونس في ذلك الموسم المرتبة الأولى عالمياً في تصدير زيت الزيتون والمرتبة الثانية في إنتاجه بعد إسبانيا. لكن الإنتاج في الموسم التالي انخفض إلى نحو 150 ألف طن، علماً أن الاستهلاك المحلي يبلغ نحو 40 ألف طن.
تحدي تغير المناخ
يعتبر شكري بيوض، من الإدارة العامة للإنتاج الفلاحي في وزارة الفلاحة والموارد المائية، أن عدم انتظام محصول زيت الزيتون من سنة إلى أخرى هو أبرز تحد تواجهه الزراعة التونسية، وقد حصل سابقاً أن نزل الإنتاج من 300 ألف طن في السنة إلى 30 ألف طن في السنة التالية. ويرى أن جزءاً من ذلك يرجع إلى التغيرات المناخية وتتالي سنوات الجفاف، فضلاً عن الممارسات الخاطئة في جني الزيتون خلال الموسم العامر ما يؤذي إنتاجية الموسم التالي. ويضيف «في السابق كنا نشهد جفافاً بمعدل عام من 5 أعوام، أما اليوم فأصبح المعدل عامين من 5، وهذا نتيجة التغيرات المناخية».
يقول المزارع عمر سلامة، الذي يعمل في الأرض منذ 30 عاماً، إنه لم يكن يتصور أن يضطر يوماً لري الأشجار على نفقته الخاصة، «لأن الأمطار كانت منتظمة والمحاصيل جيدة، أما اليوم فالأمور مختلفة تماماً».
في تونس اليوم أكثر من 80 مليون شجرة زيتون، يتركز 80 في المئة منها في وسط البلاد شبه الجاف وفي الجنوب الجاف. ويتوقع تراجع إنتاج حقول الزيتون في هذه المناطق بنسبة 52 في المئة بحلول سنة 2030؛ نتيجة ارتفاع درجات الحرارة المتوقع وتتالي السنوات الجافة، بحسب دراسة حديثة أعدتها وزارة الفلاحة التونسية والوكالة الألمانية للتعاون الدولي. ويعتبر هذا السيناريو «كارثياً» من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية؛ لأن قطاع الزيتون مورد أساسي لنحو 390 ألف فلاح من أصل 560 ألفاً في تونس.
ويشدد بيوض على ضرورة التحرك لمواجهة هذه التحديات، قائلاً «لن نبقى مكتوفين، علينا التأقلم مع التغيرات المناخية، وقد شرعنا في تنفيذ خطة لتحقيق استقرار في إنتاج الزيتون والزيت خلال السنوات المقبلة». وهو أوضح لـ«البيئة والتنمية» أن الهدف الآن النهوض بالقطاع في إطار مخطط التنمية للفترة 2016 ـ 2020 وبلوغ معدل إنتاج سنوي من الزيت يقارب 230 ألف طن بحلول سنة 2020، أي نمو بنسبة 25 في المئة، إلى جانب توسيع مساحات زراعة أشجار الزيتون المروي بنحو 100 ألف هكتار في 7 ولايات في شمال البلاد الممطر. وقد بدأت وزارة الفلاحة غرس خمسة ملايين شجرة في أواخر 2015، على أن يكتمل المشروع سنة 2020.
وتشمل الخطة أيضاً ري أشجار الزيتون في المناطق الجافة 3 مرات في السنة؛ أي ما يعادل كمية 150 مليمتراً من الأمطار، وهو الحد الأدنى من الماء الذي تحتاجه الزيتونة للإنتاج. كما تنص الخطة على تشجيع زرع الأصناف المحلية من أشجار الزيتون المقاومة للجفاف، التي يمكنها الإنتاج حتى في ظروف مناخية قاسية.
عمالة إفريقية
كشف عدد من المزارعين، خلال زيارة «البيئة والتنمية» إلى مناطق في تونس معروفة بزراعة الزيتون، أنهم منذ بدء الثورة التونسية عام 2011 يعانون من صعوبات كبيرة في توفير عمال كافين لجني المحاصيل. وهذا ما أجبر العديد منهم على الاستنجاد بالعمالة الإفريقية؛ بسبب عزوف شريحة كبيرة من الشباب التونسي عن العمل في القطاع الزراعي، رغم البطالة المستشرية بينهم.
وتظهر بيانات وزارة الفلاحة والموارد المائية أن موسم جني الزيتون يحتاج إلى نحو 120 ألف عامل، ما يبقي أصحاب المزارع في رحلة بحث دائمة عن العمالة. فنحو 80 في المئة من عمليات الجني لاتزال تعتمد على الطرق التقليدية اليدوية، ما يمثل إحدى نقاط ضعف القطاع.
وأوضح رئيس منظمة الفلاحين عبدالمجيد الزار أن عدم توافر العمالة الماهرة هو من أسباب تأخر الزراعة عموماً في تونس. وتحتل عمليات جني الزيتون مكانة متميزة في أنشطة العائلة التونسية الريفية لما توفره من مداخيل، وأيضاً باعتبارها «فرحة سنوية» تجمع أفراد العائلة لأشهر متواصلة.
قاتلة الزيتون
يواجه قطاع الزيتون في تونس مشكلة طارئة تتمثل في تخوف كبير من وصول بكتيريا «كزيليلا» المعروفة بـ«قاتلة الزيتون» إلى البلاد.
ظهرت هذه البكتيريا أوائل العام 2014 في جنوب إيطاليا، وهي تتسبب في موت الأشجار بنخرها من الداخل. وأثبتت الأبحاث أنها حتى الآن هاجمت شجرة الزيتون بشكل خاص، الأمر الذي دفع بالسلطات الزراعية الإيطالية إلى اتخاذ إجراءات تبنتها الدول الأوروبية المنتجة للزيتون، وتتمثل في قطع الأشجار المصابة والمجاورة في محيط 100 متر مربع، وحرقها. وهكذا تم قطع وحرق 100 ألف شجرة زيتون في الجنوب الإيطالي.
وقد شكلت وزارة الفلاحة التونسية خلية أزمة لمراقبة حقول الزيتون في المناطق الساحلية للوقاية من هذه البكتيريا ومنع وصولها إلى تونس، علماً أنها تنتقل عبر حشرات طائرة تعيش على ضفتي البحر المتوسط الأوروبية والافريقية، ما يعني أن تونس ليست في مأمن منها. وحذر رئيس الغرفة التونسية لمنتجي الزيتون رؤوف اللوز، من أن وصول هذه البكتيريا إلى تونس سيمثل كارثة حقيقية وسيضطر إلى حرق آلاف أشجار الزيتون. وأكد إمكان مقاومة عدوى هذه البكتيريا القاتلة باتخاذ الإجراءات اللازمة، داعياً إلى التنسيق مع السلطات الإيطالية وبقية الدول المهددة لحماية حقول الزيتون في تونس.