خطاب عاشوراء هو خطاب محبَّة وتسامح ووحدة وتآلف...
الغريفي: يجب عدم مذهبة عاشوراء وعدم نقل التوتر الأمني إليه
القفول - محرر الشئون المحلية
دعا عالم الدين السيدعبدالله الغريفي إلى عدم مذهبة موسم عاشوراء، وعدم نقل حالة التوتر الأمني إلى هذا الموسم، وقال: «إن المسألة في حاجة إلى رؤية رشيدة بصيرة جداً، وقرار يملك درجةً عالية من الحكمة، ولا يجوز أنْ تبقى المسألة خاضعة لمزاجات الشارع، وانفعالاته». جاء ذلك في حديث الجمعة الذي ألقاه الغريفي مساء الخميس (29 سبتمبر/ أيلول 2016)، بمسجد الإمام الصادق (ع) بالقفول.
وقال الغريفي: «حينما نتحدث عن الخطاب العاشورائي نتحدث عن منابر حسينية، ورواديد، وشعارات، وإصدارات، ومحاضرات، ومسارح ومراسم، وفضائيات، وأدوات تواصل، وعن كل الوسائل التي يعتمدها خطاب عاشوراء».
وأضاف أن «العصر الراهن شهد تطوراً كبيراً في أدوات الخطاب العاشورائي، وقد أنتج هذا التطور معْطييْن خطيرين: المعطى الأول: الامتداد المكاني للخطاب العاشورائي... فما عاد هذا الخطاب مسجوناً في مواقع محدودة، وفي مساحات ضيقة، بل أصبح يملك امتداداً عالميا كبيراً؛ فخطاب عاشورائي يطلق في قرية صغيرة هنا أو هناك، تحوله أدوات التواصل في هذا العصر خطاباً مسموعاً في كل العالم، والمعطى الثاني: الامتداد الزماني للخطاب العاشورائي...فقد أعطتْ أدوات التواصل المتطورة هذا الخطاب حضوراً زمانياً يتجاوز اللحظة الراهنة لإلقائه، فما عاد الزمان يشكل حاجزاً وعائقاً في وصول الخطاب العاشورائي إلى أية بقعة في العالم، وبسرعة زمانية قياسية».
وذكر أن «الخطاب العاشورائي - وكأي خطاب آخر - أصبح قادراً أنْ يتجاوز المكان والزمان، وهنا تكون مسئولية خطابنا العاشورائي في غاية الخطورة، فأي خلل في مضامين هذا الخطاب، وفي لغته ومفرداته وأساليبه سوف تكون له آثارٌ سلبيةٌ كبيرةٌ على سمعة عاشوراء، وعلى سمعة أتباع مدرسة عاشوراء».
وأوضح أنه «ما عاد الخطاب العاشورائي شأناً خاصاً لهذا الخطيب أو لذاك الخطيب، لهذه الجماعة أو لتلك الجماعة، بل شأن عام يعبر عن هوية الانتماء إلى عاشوراء الحسين (عليه السلام)، بل إلى مدرسة الإسلام. وهنا يجب على الخطاب العاشورائي الراهن أنْ يتوفر على مجموعة محددات؛ ليتمكن من أنْ يحمل للعالم صورة عاشوراء كما أرادها الإمام الحسين (عليه السلام)، وكما أرادتها نهضته الإصلاحية المباركة».
ودعا إلى أنْ يحمل هذا الخطاب وعي عاشوراء، قائلاً: «صحيح أن خطاب عاشوراء مطلوبٌ منه أنْ يعبر عن حزن عاشوراء، فإن فاجعة الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) فاجعةٌ لا نظير لها، فمن الضرورة أنْ يبقى هذا الحزن، وأنْ تبقى الدمعة، وإلا أصيب الوجدان العاشورائي بالتكلس، والجفاف، والفتور، فيجب أنْ يستمر هذا الوهج، والفوارن!...أقول رغم كل هذا، فهناك الوعي العاشورائي، فلا يجوز أنْ نختصر عاشوراء في الحزن، والدمعة... وحينما نتحدث عن وعي عاشوراء نتحدث عن أهداف ثورة الإمام الحسين وهي في حجم أهداف الإسلام، فلا يجوز أنْ نفهم عاشوراء إلا من خلال منظور الإسلام، ومبادئه، وقيمه، فأي خروج عن هذا المنظور، وهذه المبادئ والقيم هو إساءة لأهداف عاشوراء».
واعتبر أنه «خطير جداً أنْ يمارس الخطاب العاشورائي تعبئة عاطفية، ويكون مفرغاً من الوعي، تصوروا جماهير تحمل الحماس والفوران، إلا أنه يغيب عندها الوعي، والرشد، والبصيرة، بأهداف عاشوراء، هذه الجماهير ربما تصادمت مع هذه الأهداف، وربما تحولت قوى معيقةً لقيم عاشوراء، وربما وظفت في الحرب ضد مبادئ عاشوراء!... وإذا كان غياب العاطفة العاشورائية ينتج أجيالاً مكلسة راكدةً، فإن غياب الوعي العاشورائي ينتج أجيالاً بليدةً فارغةً غبيةً، مهددة بالانحراف، والضياع».
وقال إنه «وتأسيساً على ضرورة المزواجة بين الوعي والعاطفة تكون الحاجة كبيرة جداً لأنْ يتوفر حملة الخطاب العاشورائي على: كفاءات علمية وثقافية متميزة، استعدادات روحية، وتقوائية كبيرة، قدرات خطابية ناجحة، مهارات صوتية مقبولة».
ورفض الغريفي مذهبة عاشوراء، قائلاً: «مطلوب من الخطاب العاشورائي ألا يمذْهب عاشوراء، فعاشوراء لكل المسلمين، وعاشوراء لكل العالم. إن هذه المذْهبة مصادرةٌ لدور عاشوراء، ولأهداف عاشوراء. يسيء إلى عاشوراء، وإلى رسالتها، وأهدافها أي خطاب يحاول أنْ يسجن عاشوراء في زنانة مذهبية. إن هذه المذْهبة خلقت حواجز صعبة بين عاشوراء وحركة الامتداد الإسلامي والإنساني».
وقال: «إن مذْهبة عاشوراء لها أسباب تحتاج إلى معالجة، منها «السياسات المعادية لعاشوراء... هذه السياسات عملت جاهدة؛ لكي تفصل عاشوراء عن امتداداتها في أوساط المسلمين وغير المسلمين، لكي تبقى محاصرة في الأسوار المذهبية. وقد اعتمدتْ هذه السياسات أساليب متعددة؛ لكي تحاصر عاشوراء مذهبياً، وقد ركزت على ممارسة «الإعلام المضاد» الذي عمد إلى تشويه صورة عاشوراء، والإساءة إلى سمعتها، الأمر الذي وضع حواجز ثقيلة سجنت عاشوراء في الداخل الشيعي».
وسبب آخر لمذهبة عاشوراء يعود إلى «خطابات العاشورائية غير الواعية... هذه الخطابات لم تستوعب أهداف عاشوراء، فأعطتها طابعاً مذهبياً، وفصلتها عن أهدافها الأوسع، وهنا يتحمل حملة الخطاب العاشورائي مسئوليةً كبرى في الانفتاح بعاشوراء على كل المسلمين، وعلى كل العالم، فأهداف عاشوراء، ورسالة عاشوراء، ومفاهيم عاشوراء أكبر من أنْ تنْسجن في المساحات المذهبية الضيقة».
كما قال الغريفي: «إن الممارسات العاشورائية الخاطئة ساهمت بدرجة كبيرة في عزل عاشوراء عن أوساط بقية المسلمين... وكلما استطعنا أنْ ننقي الأجواء العاشورائية من كل الممارسات التي تسيء إلى عاشوراء فإننا نفتح الطريق أمام الآخرين؛ لكي يفهموا عاشوراء».
وبين أن «القائمين على شئون المواسم العاشورائية يتحملون كل المسئولية في تنقية المراسيم، وتحصين الممارسات، وحماية الأهداف؛ من أجل إزالة بعض الحواجز والمعوقات، وإنْ كان بعض من يحملون العقد النفسية سوف يبقون مأسورين لتلك العقد إلا أن مسئوليتنا تفرض علينا أنْ نحصن أجواء عاشوراء من كل الشوائب والممارسات الخاطئة، والتي لا تنسجم مع أهداف عاشوراء».
وقال الغريفي: «وقد أكد فقهاؤنا العظام، ومراجع الدين حرمة الممارسات العاشورائية التي تؤدي إلى هتك وتوهين الدين، والمذهب، أو الإساءة إلى سمعة الشعائر، أو المخالفة لأحكام الشريعة».
ودعا إلى «خطاب المحبة والتسامح والتآلف، خطاب عاشوراء خطاب محبة، وتسامح، ووحدة، وتآلف. فأي نزوع في الخطاب العاشورائي نحو التأزيم الطائفي والمذهبي، وأي نزوع في الخطاب العاشورائي نحو الكراهية والعصبية، فإنه نزوعٌ يصطدم مع أهداف عاشوراء. فنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) حملت في أبرز أهدافها التصدي لمشروعات التفتيت، والتمزيق، والفتن، والخلافات».
وأكد الغريفي أن «خطاب عاشوراء ليس خطاباً لطائفة أو لمذهب، وإنما هو خطابٌ للأمة بكل انتماءاتها، ومكوناتها، جاء في كلمة الإمام الحسين (عليه السلام) وهو يحدد شعار ثورته: «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله)،...» فمشروعه إصلاح الأمة كل الأمة، هذه الأمة التي حاول المتسلطون عليها، وحاول سماسرة الفتن والصراعات أنْ ينفخوا في داخلها كل أشكال الخلافات والعداوات، وأنْ يؤججوا بين أبنائها نيران الضغائن والأحقاد».
وقال إنه «مطلوب من خطاب عاشوراء - وخاصة في هذا الزمان المشحون بالتعقيدات والتأزمات، والمزدحم بالخلافات والصراعات، والمملوء بالفتن والتوترات، - مطلوبٌ من هذا الخطاب أنْ يكرس في وعي الشعوب ثقافة المحبة، والتسامح، وثقافة الوحدة والتآلف، وأنْ يفرغ من داخلهم ثقافة الكراهية والتعصب وثقافة العداوة والخلاف. ومطلوبٌ من خطاب عاشوراء أنْ يحصن الأوطان، والشعوب في مواجهة الفتن، والمعتركات، والمنزلقات، الطائفية، والمذهبية».
وقال: «أنا على الثقة - رغم كل المخاضات الصعبة التي تشهدها أوطاننا، وشعوبنا هذه المخاضات المعبأة بأقسى أنواع المناكفات والمشاحنات والموترات - رغم كل هذا فالثقة كبيرة بأن خطاب المحبة والتسامح قادرٌ أنْ يمارس دوراً فاعلاً في التصدي لمشروعات الفتنة، ولكل الانفلاتات الطائفية، والمذهبية. وكلما توفر الإخلاص والصدق، والبصيرة والرشد، والإرادة والعزيمة، والتعاون والتآزر كان هذا التصدي أقدر على حماية الأوطان، وإنقاذ الشعوب في مواجهة كل أسباب التمزق، والتشتت، والخلاف، والصراع».
وقال الغريفي: «خطاب رفض العنف والتطرف والإرهاب... خطاب عاشوراء لا يؤمن بالعنف، والتطرف، والإرهاب، لأن مأساة عاشوراء أنتجها عنفٌ، وتطرفٌ، وإرهاب... فالخطاب الذي ينتمي إلى عاشوراء الحسين (عليه السلام) لا يمكن إلا أنْ يكون رافضاً للعنف، والتطرف، والإرهاب... والخطاب الذي ينتمي إلى قيم عاشوراء الحسين (عليه السلام)، وإلى نهج عاشوراء الحسين (عليه السلام) لا يمكن إلا أنْ يؤسس للاعتدال، والأمن، والسلام. قد يقال: إنكم في خطابكم العاشورائي تطرحون هذا الشعار: (إن الدم انتصر على السيف). إن شعاراً يحمل لغة الدم هو شعارٌ يغذي نزعة العنف، والتطرف، والانتقام».
وأجاب على الاستفهام بشأن منهج الفكر لدى الإمام الحسين بأن «الدم الذي أعطاه الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) في يوم عاشوراء، هذا الدم الذي انتصر على السيف، سيف البغْي والعدوان، كان من أجل إنقاذ الإسلام، وحماية الإنسان، وكرامته، وحريته، وأمنه وأمانه، وكان استنكاراً رافضاً لكل أشكال العنف، والتطرف، والإرهاب التي مارستها قوى الظلم، والطغيان في يوم عاشوراء. إن السيف الذي ذبح الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء هو الذي أسس للعنف، والتطرف، والإرهاب، وليس هو دم الحسين (عليه السلام). وإن السهم الذي اخترق قلب الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء هو الذي أسس للعنف، والتطرف، والإرهاب، وليس هو دم الحسين (عليه السلام)».
واعتبر الغريفي أن «خطاب عاشوراء خطاب إصلاح وبناء... انطلاقاً من شعار الإمام الحسين (عليه السلام): «إنما خرجت لطلب الإصلاح...»، فمطلوب من خطاب عاشوراء أنْ يكون خطاب إصلاح وبناء، لا خطاب إفساد ودمار، فيما يعنيه الإصلاح من دعوة للتصحيح الشامل، والعدل والمساواة، وإلغاء كل الأوضاع الضارة بالأوطان والشعوب، والمؤزمة للعلاقات، وهكذا يجب أنْ يتعاطى خطاب عاشوراء مع قضايا الأمة وهمومها، وإلا انفصل عن حركة الواقع، وحاجات الشعوب والأوطان».
وتساءل: «هل من حق الخطاب العاشورائي أنْ يتعاطى مع الشأن السياسي؟»، وأجاب «لا إشكال في أن من وظائف الخطاب العاشورائي أنْ يمارس توعية الأمة على كل المستويات الفكرية، والثقافية، والروحية، والأخلاقية، والاجتماعية، والسياسية. كما لا إشكال أن من وظائف الخطاب العاشورائي الدعوة إلى الإصلاح، وبناء الأوطان، وحماية الشعوب. وهذا لا يعني الاستغراق في الشأن السياسي بحيث يفقد الخطاب طابعه الحسيني، فيتحول المجلس الحسيني إلى ندوة سياسية، ويتحول الموكب الحسيني إلى مسيرة سياسية. يجب الحفاظ على الصبغة الحسينية، والعاشورائية».