"الجهاد".. مسرحية تعالج قضايا المغتربين ببلجيكا
الوسط – محرر المنوعات
على الرغم من عنوانه الاستفزازي، لم يكن إسماعيل السعيدي يتصور أن الواقع سيمنح نصه المسرحي "الجهاد" دعاية تتجاوز المهتمين بالمسرح في بلجيكا ، فقد تحول هذا العرض المسرحي في غضون أسابيع إلى مسرحية ذات "منفعة عمومية"، كما عنونت صحيفة "لوسوار"، إحدى كبرى الصحف البلجيكية، وذلك وفق ما نقل موقع "الجزيرة.نت" .
"الجهاد" نص اختار الفكاهة لحكاية مسار ثلاثة من شباب العاصمة الأوروبية بروكسل، الذين اعتبروا أنه لم يعد لهم مكان في بلجيكا، وقرروا باسم الدين مغادرة البلد إلى سوريا للقتال إلى جانب "الجهاديين" الآخرين.
مارين لوبان
وحتى قبل الأحداث المأساوية التي عرفتها باريس، شهدت المسرحية في عروضها الأولى خلال عطلة أعياد رأس السنة إقبالا واسعا، تأكد مع ما تشهده مجموعة من الدول الأوروبية من "رهاب" يختلط فيه الدين بالمتدينين وتفسيراتهم للنصوص الدينية.
ومن مفارقات هذه المسرحية، أن زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان التي تتبنى سياسات معادية للمهاجرين هي من دفعت كاتب النص ومخرج المسرحية إسماعيل السعيدي إلى الشروع في تأليفها.
وكما يشرح السعيدي للجزيرة نت، فقد جاءت فكرة الكتابة أثناء مشاهدة برنامج إحدى القنوات الإخبارية الفرنسية، حيث كانت رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية تتحدث عن الجهاديين، موضحة أنها قلقة ليس من ذهابهم إلى سوريا ولكن من رجوعهم.
ويواصل السعيدي قائلا "كان الموضوع بالنسبة لي كشاب يعيش في بلجيكا هو فهم ما الذي يدفع هؤلاء الشباب للمغادرة"، فهو الذي وُلد في أحد الأحياء التي تضم أكبر عدد من المهاجرين من مختلف الجنسيات (سان جوس)، وعاش كل حياته في حي آخر يضم نسبة مهمة من الأجانب، (سكاربيك)، واشتغل كشرطي في سن 19، موازاة مع مواصلة تعليمه العالي في العلوم الاجتماعية، وكانت حياته وقراءاته وتجاربه سندا له في تأليف نص الجهاد، خاصة توجيه سهامه إلى الجميع دون استثناء.
وحول الأسباب التي تدفع الشباب إلى التخلي عن حياتهم في البلدان الأوروبية والسفر إلى مناطق النزاع، يقول إسماعيل السعيدي "نعيش نوعا من النزيف المجتمعي الذي يؤثر على الناس من جميع الأعمار، ويشعر البعض بأن حياتهم تتعفن ولم يعد لها أي معنى، وهو ما يدفعهم إلى الهروب، فلا شيء يشجع الشباب هنا، وهم يشعرون ببعض التقدير فقط من خلال الدين أو التدين، عبر إسلام يخضع لتفسيرات مختلفة".
الضحية والجلاد
وشدد المخرج الشاب على أنه "عند الشعور بعدم الانتماء إلى فضاء ما فإن الإنسان يصبح ضعيفا ومرنا"، وبالتالي يمكن التلاعب به، وهو الموضوع الأساسي للنص.
غير أن "المسرحية لا تبالغ في اعتبار أن الجالية المسلمة ضحية"، كما تلاحظ الناقدة الفنية في صحيفة "لوسوار" كاترين ماكريل، مضيفة أن "المسرحية لا تتردد في انتقاد شديد اللهجة للجالية الإسلامية نفسها، ولشبابها الذي ما زال يعيش تحت ضغط هذه الجالية بشكل غير واع في بعض الأحيان".
وكما يقول السعيدي "لكي نكون قادرين على الضحك من كل شيء، يجب علينا أن نكون على استعداد للضحك من أنفسنا. فالمسلمون -مثل المسيحيين- يجب أن يقبلوا النقد".
وخلال ساعة وعشرين دقيقة يتم الضحك من وعلى كل شيء بطريقة لاذعة جدا في أغلب الأحيان. وفي الدقائق العشرين الأخيرة تتحول الكوميديا إلى تراجيديا تسائل المواطنين من كل الأصول حول كيفية العيش معا.
ورغم منع لافتاتها من الدعاية على جدران مترو الأنفاق بسبب عنوانها الاستفزازي بالنسبة للبعض والمراقبة الصارمة لصفحة مؤلفها ومخرج المسرحية على فيسبوك لنفس الأسباب، فقد تمكن النص من تحقيق نجاح باهر ما يزال مستمرا.
ويقول الممثل بن حميدو للجزيرة نت "لقد فوجئنا بالحضور الضخم لعروض المسرحية"، مضيفا أن "الجمهور مختلط جدا، كما حضرت عروضنا أمهات بعض الشباب الذين سافروا للقتال في سوريا، وقالت إحدى السيدات -وقد غادر ابنها بلجيكا منذ عام- إنها المرة الأولى التي تضحك فيها منذ سنة".
ويسعى فريق المسرحية حاليا إلى التقرب أكثر من الشباب ولقائهم مع التأكيد على أنهم لا يريدون الذهاب إلى مراكز الشباب في الأحياء، ولكن يسعون لجلب الشباب إلى المسارح، لأنها أماكن جامعة، وهي جزء من التعليم والثقافة"، على حد تعبير كاتب ومخرج المسرحية.