قصة قصيرة... الحماقة
قصة قصيرة - مروان الجوبعي
خرجتُ مستعجلاً من العمل لأقضي أمراً مهماً للغاية وفي الطريق السريع تجاوزتُ سائقاً آخر يقود سيارته على مهل... وبعد أن تجاوزته بسرعة متهورة لمحت يده تتحرك، تجاهلت الأمر وكأن شيئاً لم يحدث، لم أبدِ أي اهتمام - متعمداً طبعاً - ظننته انزعج حين تجاوزته ويريد أن يعبر عن غضبه.
في بداية الأمر واصلت التجاهل تجنباً لأي صدام لفظي أو غيره قد يحدث وبما أنَّه بالإمكان تحاشيه فضلت ذلك عن المواجهة لكن انتبهت فيما بعد أنّ الرجل لحق بعدي بسرعة قصوى، وبإصرار كبير، وعليَّ أن أواجه إذن!
قلت في نفسي "الرجل مصمم أن يقول شيئاً ربما تكون إساءة أو بصقة، وربما يصل الأمر إلى أبعد من ذلك!" خُيّل إليّ ذلك وهي أسوأ الاحتمالات التي سيطرت عليَّ... هذا ما كنتُ أتوقع حدوثه، استشعرته من خلال السرعة التي انطلق فيها بعدي وحركة يده التي لم تتوقف... قررت بعدها ألاَّ فكاك من هذا الموقف وحضَّرت نفسي على الأقل لأكون في حالة دفاع.
وسوست مع نفسي "شيء لابد منه مالك عذر منّه" واقتنعت تماماً أنّ الشر قادم والمواجهة لابد منها - مع احتمال خسارتي فيها طبعاً - خفّفت السرعة حتى اقترب منَّي شيئاً فشيئاً وأنا أقول: "ماذا يريد منّي هذا الرجل؟" شاهدت يده الضخمة في المرآة تتحرك، فازدادت حدة الارتباك والتوتَّر لديّ قلت: "لكمة واحد كفيلة بحسم المعركة لصالحه" ولأنَّ غضبي من جهة وارتباكي من جهة أخرى قد ألغى العقل وشتت التفكير لم أفهم ما يقصده بحركة اليد التي لم تتوقف بضم البنان وفتحها.
لحظتها لا شيء أفكر فيه إلا بمواجهة مجهولة قادمة لا محالة، كنتُ قد تهيَّأتُ لها نفسياً مهما تكن العواقب!
كوَّنت للرجل صورة في خيالي... صورة بملامح بشعة يتمترس خلفها حقد لا حدود له، لم يسبق أن وجدت ما يشبهها في إنسان آخر من قبل... في المقابل حشدت كل طاقات الحقد والغضب بداخلي لمواجهة هذه البشاعة القادمة ولم أضع أيَّ احتمال آخر قد نصل إليه في النهاية، غير مواجهة الشر بالشر.
شرارة الصراع كانت قد اندلعت بداخلي قبل أن يصل الرجل نفسه قبل أن أعرف شيئاً عنه .. كنت أتصارع مع تلك الصورة ذات الملامح البشعة التي رسمها خيالي وأستدعي كل ما أملك من قوة وغضب وحقد وشرّ للقضاء عليها حتى نسيت أنني في موقف دفاع - حسب ما أقنعت نفسي سابقا - فتحوّلت إلى الهجوم بمبررات وأحكام مُسبقة دون أن أعرف الحقيقة وماذا يريد؟
وعندما وصل الرجل بمحاذاتي... التفت إليه والشرر يتطاير من نظراتي
قال: يا سيدي شغَّل أنوار السيارة!
- ماذا؟
- أنوار سيارتك مُطفأة وهذا خطر عليك.
بهذه الكلمات أطفأ حرائق كانت تشتعل بأحشائي ثم مضى بكل طمأنينة وثقة بالنفس... وواصلتُ مسيري وأنا أشعر بخيبة كبيرة... أشعر بمأساة ما أنا عليه من حماقة وقُبح تفكير!