العدد 5124 بتاريخ 16-09-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةمحليات
شارك:


الغريفي: من أهم وسائل الحماية للأوطان أنْ تتعاون إرادات الأنظمة والشعوب في الدفع بخيارات الإصلاح الجادة الحقيقية

القفول - محرر الشئون المحلية

السيدعبدالله الغريفي

قال عالم الدين السيدعبدالله الغريفي: «إن من أهم وسائل الحماية للأوطان أن تتعاون إرادات الأنظمة والشعوب في الدفع بخيارات الإصلاح الجادة الحقيقية والقادرة على إنهاء كل أشكال التأزمات والتوترات والتي تكلف الأوطان أثماناً باهظة جداً، ومآلات مرهقة ومدمرة»، جاء ذلك في خطبة الجمعة التي ألقاها الغريفي بمسجد الصادق بالقفول مساء أمس الأول الخميس (15 سبتمبر/ أيلول 2016).

وتحت عنوان «زمن الفتن والعنف والرعب»، قال الغريفي: «يعيش الإنسان في هذا العصر زمن الفتن والعنف والرعب، بكل ما تحمله هذه العناوين من منتجات مدمرة، ماذا نشاهد حينما نفتح محطات التلفاز؟، وماذا نسمع حينما نتابع الإذاعات؟، ماذا نقرأ في عناوين الصحافة؟، المساحة الأكبر مخصصة لأنباء الحرب والقتل والعنف والإرهاب، لماذا هذا الجنون المسعور؟، ولماذا هذا الطيش؟، ولماذا هذا الاسترخاص للدماء؟، ولماذا سكت الضمير؟، كل العالم يعاني من هذا الواقع المرعب الذي طال الدول، وطال الإنسان بكل انتماءاته الفكرية والدينية والسياسية. ألا يفرض هذا أن يكون العالم جاداً في مواجهة هذه الطوفانات المدمرة؟».

وأضاف أن «هذا تساؤل منطقي... إلا أن حسابات المصالح تضع السياسات في مسارات تتصادم مع الأهداف الكبرى في حياة البشر... أليس العالم كل العالم يحمل شعار السلام، أليس العالم كل العالم يحمل شعار التسامح وشعار المحبة؟، أليس العالم كل العالم يحمل شعار العدل والحرية؟، أليس العالم كل العالم يحمل شعار الإصلاح؟، أين مصداقية هذه الشعارات؟، لا يكفي أن تنطلق الشعارات، مهما كانت قدسية هذه الشعارات، ومهما كان سمو هذه الشعارات».

وأوضح الغريفي أن «الإيمان بالشعارات له مساران: المسار الأول: أن يكون الإيمان استهلاكياً، وهو الذي يطلق الشعارات من أجل أهداف مصلحية ونفعية ودعائية، هذا ليس إيماناً بالشعارات، وإنما هو إيمان بالمصالح والأغراض الذاتية، هذا النمط من حملة الشعارات، هدفهم أن تنطلق هذه الشعارات في الخطاب فقط، في الإعلام فقط، وليس مهماً لديهم أن يتحرك في الواقع، أن يتحول أعمالاً وأفعالاً».

وبين أن «المسار الثاني يتمثل في أن يكون الإيمان حقيقياً، وهنا يكرس حملة الشعارات لكي تتحول أفعالاً، ولكي تتجسد أعمالاً، ولكي تترجم سلوكاً وممارسات، وهذا ما أكدته تعاليم ديننا وإسلامنا وقرآننا، قال الله تعالى في سورة فصلت (الآية 30): «إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون»، «قالوا ربنا الله» هذا هو الشعار الذي يحمله المنتمون إلى خط الإيمان، هذا الشعار له قيمة العظمى، وله مركزيته العقدية، إلا أنه لا يكفي أن يبقى شعاراً، وأن يبقى قولاً... بل يجب أن يتحول سلوكاً وممارسة وحركة فنضبطه في خط الشعار، وهذا ما تعنيه عبارة «ثم استقاموا»، فإذا كانت عبارة «قالوا ربنا الله» تعني الانتماء إلى خط الإيمان، فإن «ثم استقاموا» تعني أن تتحول مضامين الانتماء إلى واقع عملي متحرك على مستوى الأفكار والعواطف والأفعال والمواقف والممارسات، وعلى مستوى الثبات والاستمرار في مواجهة كل التحديات، هؤلاء الذين زاوجوا بين الشعار «قالوا ربنا الله» والممارسة «ثم استقاموا» يحظون ببشارة الملائكة (تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون)».

وتساءل الغريفي: «متى تتنزل عليهم الملائكة؟»، ويجيب: «قيل عند خروج الروح، وقيل في القبر، وقيل حين الخروج من القبر، وقيل في يوم القيامة، ويمكن أن تكون البشارة في جميع هذه المواطن، هي مواطن مرعبة ومخيفة ورهيبة تحتاج طمأنة الملائكة».

وذكر الغريفي أن «شعار السلام وشعار التسامح وشعار المحبة، هذه الشعارات التي أصحبت عناوين كبيرة وبارزة في خطاب هذه العصر، خطاب المنظمات العالمية، وخطاب الأنظمة الحاكمة، وخطاب القوى والأحزاب، وخطاب المؤسسات الإنسانية والحقوقية، فكم تحركت هذه الشعارات على الأرض؟، وكم تحولت إلى أفعال وممارسات؟، حينما نقرأ واقع العالم في هذا العصر لا نجد لتك الشعارات حضوراً كبيراً وفاعلاً، لا نجد لها تموقعاً إلا في الخطب والكلمات والبيانات والأمنيات، فما عادت عناوين السلام والتسامح والمحبة قادرة أن تتمركز وأن تتحرك في زحمة موجات العنف والتطرف والإرهاب، والرعب، والفتن، والحروب، والصراعات».

وتابع الغريفي «ما السبب في انقهار تلك العناوين وانهزامها أمام الموجات المضادة؟، ما السبب في انقهار السلام أمام الفتن والحروب والصراعات؟، ما السبب في انقهار التسامح أمام طغيان العنف والإرهاب والتطرف؟، ما السبب في انقهار المحبة أمام موجات ودعوات الكراهية؟، المسألة في الأساس مرتبطة بالقدرة على إيقاظ الضمير والوجدان في داخل الإنسان، الضمير والوجدان من صنع الله تعالى، إلا أنه قد يتكلس ويضمر، فيحتاج إلى إيقاظ، وإلا أصيبت كل القيم الفاضلة بالتكلس والضمور... من هنا نفهم لماذا أصيبت قيم السلام والتسامح والمحبة بالتكلس والضمور حينما غاب الضمير والوجدان عتبت هذه القيم، ولم يعد خطاب العصر الثقافي والحقوقي والسياسي قادراً أن يوقظ الضمير والوجدان ولم تعد القوانين والأنظمة قادرة أن تهيمن على الضمائر والدوافع، وإذا كان لها هيمنة، فعلى المظاهر فقط، وهنا يبرز الفارق الكبير بين تربية الدين وتربية النظم البشرية، وحينما نتحدث عن الدين نتحدث عن الدين الذي أنزله الله على أنبيائه ليس عن الدين الذي حرفته أهواء الإنسان فأصبح مصدر عنف وإرهاب، وتطرف، وفتن، وحروب، ودماء... نعم الفارق كبير بين تربية الدين الحق وتربية النظم البشرية... تربية النظم البشرية، سمها تربية وطنية، سمها تربية حقوقية، سمها تربية سياسية، سمها تربية إنسانية... فهي لا تملك القدرة أن تكون البديل عن تربية الدين».

وأشار إلى أنه «من الممكن أن تصنع تلك التربيات ضميراً وطنياً أو ضميراً حقوقياً أو ضميراً سياسياً أو ضميراً إنسانياً، إلا أن هذا الضمير لا يقوى أن يصمد عند الأهواء والإغراءات والتحديات والمنزلقات... لماذا لا يصمد هذا الضمير؟، ولماذا يسقط غالبية الساسة والقادة والناشطون وملة الشعارات حينما تواجههم المنزلقات والتحديات؟، الحاجة كبيرة جداً إلى ضمير مرتبط بالله، فهذا الضمير وحده هو القادر على أن يحصن السياسة، وأن يراقب ضمير السياسية، ومسارات السياسة، ومنزلقات السياسة، وأهواء السياسة».

واستدرك الغريفي بالقول: «أنا لا أتحدث هنا عن إقحام الدين في السياسة فهذه مسالة أخرى، لا حديث آخر، لست هنا في صدد تناوله، ما أعنيه ضرورة أن يكون للدين دوره في صنع ضمير الساسة وضمير السياسة، هذا الضمير يعني النظافة السياسة في أرقى مستوياتها، ويعني الأمانة السياسية في أعلى درجاتها، ويعني الاستقامة السياسية في أصدق مساراتها، ويعني الواقعية السياسية في أغنى مصاديقها».

وتابع «حتى أرقى الأنظمة السياسية في هذا العصر، وأرقي القوانين الحقوقية، وأرقى المبادئ الوطنية لا تملك ما يملك الدين في صنع ضمير الساسة والسياسة، والإسلام هو النموذج الأرقى للأديان وينتظم في تشريعاته أسمى المبادئ والتعاليم في صنع السلام والتسامح المحبة بين أبناء البشر، السلام هو شعار الإسلام، والسلام تحية المسلمين في الدنيا والآخرة، «تحيتهم فيها سلام»، وقال نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا أخبركم بخير أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟، قالوا: بلى يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله: إفشاء السلام في العالم»، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار»، وقال الإمام الصادق عليه السلام: «السلام تحية لملتنا، وأمانٌ لذمتنا»، وقال الإمام علي عليه السلام: «السلام سبعون حسنة، تسعة وستون للمبتدئ وواحدة للراد»، هكذا جعل الإسلام السلام عنوناً متحركاً، يملأ حياة الناس أمنا واطمئناناً، ويزرع في قلوبهم المحبة والتآلف والتسامح، وفي سياق التأسيس للأمن والسلام بين الناس نجد الدين يعرف المسلم بأنه من سلم الناس من يده ولسانه، ويعرف المؤمن بأنه من ائتمنته الناس على أموالهم وأنفسهم».

وبين الغريفي أن «الأسف كل الأسف أن حملةً للإسلام مزيفين قدموا للعالم صورة إسلامٍ في غاية القبح والتشويه، إسلام التطرف والعنف والإرهاب، إسلام الفتن والكراهية والصراعات، إسلام الرعب والذبح والدماء، هكذا قدمت الإسلام للعالم جماعات التكفير الإرهابية، وبقدر ما أساءت هذه الجماعات للإسلام والمسلمين، فإن من غذى فكر الإرهاب يتحمل المسئولية الأكبر، هذا الفكر الذي أنتجته وفرضته مناهج دراسية ومؤسسات إعلامية ومنابر خطابة».

ونبه الغريفي إلى أن «احتضان هذه المناهج والمؤسسات والمنابر هو الذي أسس لإنتاج مشروعات التشويه والتزوير والإساءة لسمعة الإسلام قبل أن تتحمل ذلك جماعات التكفير نفسها، لا نريد أن نبرئ هذه الجماعات فهي الأدوات العابثة والمنفذة، غير أن الحواضن لجماعات التكفير والإرهاب هي المنشطة والمفعلة لهذه الأدوات، وربما تكون السياسات الفاسدة في بعض أوطان المسلمين هي من أكبر العوامل لإنتاج جماعات التمرد والتطرف والإرهاب فكلما تحصنت هذه السياسات ضد الفساد كانت قادرة على حماية الأوطان من كل الهزات ومبررات التطرف، فالسياسات السيئة توفر بيئات حاضنة لجماعات التكفير والتطرف».

ونوه إلى أن «هذا لا يعني أن كل حركاتٍ رافضة يجب أن تصنف ضمن جماعات التطرف، فهناك الحركات المطالبة بالحقوق العادلة، والمعتمدة للأدوات المعتدلة، فالخلط هو محالة تشويش وإساءة ورغبة في بعثرة الأوراق من أجل تسويقات ملتبسة وخاطئة وربما ظالمة».

وشدد الغريفي على أن «من أهم وسائل الحماية للأوطان أن تتعاون إرادات الأنظمة والشعوب في الدفع بخيارات الإصلاح الجادة الحقيقية والقادرة على إنهاء كل أشكال التأزمات والتوترات والتي تكلف الأوطان أثماناً باهظة جداً، ومآلات مرهقة ومدمرة، وليس عسيراً على أنظمة صادقة وشعوب مخلصة أن تتوفر على الخيارات الصالحة التي يتم التوافق عليها من أجل حماية الأوطان وأمنها واستقرارها وازدهارها، ومن أجل مواجهة تداعيات مرحلة في غاية الصعوبة والتعقيد، وتحمل أخطاراً معبئة بالفتن العمياء، وبكل أسباب الرعب، والقلق، واليأس والضياع».

وقال الغريفي: «كم هي الضرورة كبيرة في هذه المرحلة إلى المراجعة والمحاسبة، فيما هي سياسات الأنظمة، وفيما هي خيارات الحلول، بعيداً عن كل أشكال الانفعال والارتجال، المغالبات والمزايدات، وبعيداً عن لغة العنف التحريض والانتقام، وحينما تعم لغة الحب والتسامح والانفتاح سوف تكسح كل التراكمات والمعوقات والتعقيدات، وتتهيأ كل المناخ من أجل إنتاج أوضاع صالحة متحررة من عوامل التأزيم، وبقدر ما تكون الحلول والمعالجات لأزمات الأوطان محصنة كل التحصين ومسيجة كل التسيج، تملك القدرة على البقاء والثبات والاستمرار، أما إذا كانت هذه الحلول والمعالجات تحتضن في داخلها فراغات ونواقص فسوف تكون مهيأة لإنتاج أزمات من جديد، وربما تكون هذه الأزمات أسوأ وأعقد وأضرى وأصعب، فكلما تضافرت وتآزرت الجهود المخلصة والصادقة والرشيدة في البحث عن حلول قادرة على النجاح والاستمرار كان ذلك هو السبيل لحماية الأوطان وصيانة البلدان».

وشدد الغريفي على حاجة المسلمين وهم يعيشون عيد الأضحى المبارك، وانتهاء موسم الحج أن يراجعوا كل الحسابات من أجل إنتاج واقع جديد متحرر من كل أشكال الفتن والمحن والتأزم والتوتر، وأسباب الخلاف والصراع، ومن كل منتجات التطرف والعنف والإرهاب.

ورأى أن «موسم الحج هو موسم الأمن والسلام والوحدة والتآلف ويوم العيد هو يوم المحبة والتسامح، فإن عجزنا أن ننفتح على هذه المعاني الكبيرة في موسم من أغنى المواسم في حياة المسلمين، وفي يوم عظيم من أيام الله، فمتى سوف يستيقظ الضمير، ومتى تتحرك العزائم الخيرة لدى هذه الأمة، ومتى نتمكن من الانتصار على سماسرة الحروب والفتن، وباعة التطرف والإرهاب، وصناع الكراهية والطائفية؟».



أضف تعليق