قصة قصيرة... جميعهن متشابهات
قصة قصيرة - وائل اسماعيل خالدو (سورية)
في الطريق البحري الذي أعتدت المشي فيه، صادفت شاباً في العقد الثالث من عمره. كان يجلس على كرسي خشبي قديم، يتأمل أمواج البحر بعيون تملؤها الدموع، ويمسك بيده خاتماً. ساقتني قدماي بلا شعور للجلوس إلى جانبه. نظر إليّ نظرة تحمل من الحيرة الشيء الكثير ثم تابع تأمله للبحر متحدثاً عن قصته، دون أن أتوجه له بأي سؤال. كان شاباً من عائلة ثرية، تتودد له الفتيات باستمرار، طمعاً وليس حباً. في حين كان يرغب بفتاة تتزوجه لشخصه وليس لماله. قرر التظاهر بالفقر إلى أن يلتقي بهذه الفتاة. جاء إلى مدينتنا التي لا يعرفه فيها أحد وعمل كموظف عادي في إحدى الشركات الخاصة. حيث تعرّف في هذا العمل إلى فتاة، طالما حلم بالزواج بمثلها. كانت تعلو وجهه ابتسامة ممزوجة بالقهر عند حديثه عن تلك الفتاة، ذات العيون البراقة والابتسامة المشرقة التي تصغره بعدة سنوات. أحبَّها وأحب رجاحة عقلها وحديثها معه وفي كل لقاء عن أهمية الأخلاق والعلم كشرط لمن سيتقدم لها بالزواج وأن المال ليس مهمّاً بالنسبة لها. في اليوم الذي أتخذ قراره بطلب الزواج منها، أشترى خاتمين، أحدهما كان مزيفاً والآخر من الألماس. قرر حينها تقديم الخاتم المزيف لها وإخبارها بأنه لا يملك ثمن خاتم حقيقي، وفي حال وافقت على الزواج منه سيقدم لها الخاتم الحقيقي ويخبرها بحقيقته وثرائه.
نظر الشاب إليّ نظرة ملؤها الغضب، دفعتني للشعور بالخوف منه، قبل أن يتابع حديثه عن رفضها للزواج منه، بسبب رغبتها بالزواج من ابن مالك الشركة التي يعملان فيها. ارتفعت نبرة صوته أكثر، متوجّهاً لي بالسؤال: أين ذهب كلامها عن الأخلاق والعلم عندما أخبرتني عن رغبتها بالزواج من شاب يشتهر بسوء الخلق، ينام كل ليلة مخموراً بعد قضاء سهرته في الملاهي الليلية مع الراقصات، ونهاره بخداع الفتيات عبر وعده المزيف لكل فتاة يلتقيها بالزواج، للحصول على ما يريده منها. لم ينتظر مني الإجابة التي كنت أحاول البحث عنها. اندفع نحو البحر ورمى الخاتم في مياهه ثم أقترب مني وهمس في أذني: "جميعهن متشابهات فلا تأمنن لفتاة إلا بعد اختبارها". غادر الشاب المكان بعيداً، دون أن أتفوه بكلمة واحدة. جلست حينها وحيداً على الكرسي محاولاً تفسير سبب جلوسي بقربه وحديثه لشخص لا يعرفه، دون التمكن من الحصول على إجابة تقنعني. كنت أرغب برحيل الكلمات من رأسي كما رحل صاحبها ولكنها كانت تأبى الرحيل.
اليوم، بعد مضي عشرة أعوام على تلك الحادثة. جلست على الكرسي الخشبي القديم نفسه وجلس بقربي مصادفة، شاب في العشرين من عمره. رويت له قصة الفتاة صاحبة الأخلاق والعلم التي ترغب بالزواج من شاب حصل على شهادته الدراسية بالمال، شاب يقضي أيامه مخموراً في الحانات ومعاشرة النساء. أخبرته بأن جميع الفتيات متشابهات وتركته على الكرسي الخشبي القديم وحيداً بعد أن رميت الطوق الذهبي في البحر وغادرت.