قصة قصيرة... صِنَاعَةُ الضّحِك
قصة قصيرة - توفيق الشاري
مسكينٌ صديقي... ليست لديه نكَت مضحكة، وإن وُجدت فإنه لا يُحسِن حكيَها، أتحرّج حين يحكي لي نكتة ولا أضحك، في الوقت الذي ينفجر هو ضاحكاً قبل إنهائها، حتى وإن ضحكت فبسبب ضحكه، أو لأن نكتته المملة ذكّرتني بأخرى مضحكة... كان أحيانا يسترسل في الحكي بطريقة احترافية تشدّني إليه، وتجعلني أنظر إليه فاغِراً فمي مستعداً للضحك في أي لحظة، لكنه غالباً ما يخيب ظني به... كان ذلك أشبه بتناول لوزة مُرة بعد عشرٍ حلوات.
ذات مرة، كنت حزيناً في حاجة إلى الضحك، كنت متكئاً أتوسّد كفي راسماً بساعدي وعضُدي زاوية حادة؛ أدرك صديقي ذلك فقرّر مواساتي بنكتة قال إنها آخر ما غنّت أم كلثوم وما زالت في كيسها، ووعدني بأنني سأموت من شدة الضحك... كانت أول مرة أتشوّق فيها لسماع نكتة منه. لا أدري السبب الذي جعلني حينها أقعُد مُتربِّعاً باسطاً يدَيّ فوق فخِدَيّ كممارسي اليوغا. كنت أستمع له بجدية مُقطِّباً حاجبَيّ كأنه سيحكي لي سرّاً مهماً عن حبيبته... ومن شدة تمازج الحزن والجدية نسيتُ أن ما يقوله صاحبي هو عبارة عن نكتة؛ لأنها كانت أطول من النكت المضحكة فعلاً... بينما هو يحكي، وجدتُني أتساءل: عمّ يتحدث هذا الرجل؟ ومتى بدأ الحديث؟ خشيتُ أن أسأله عن ذلك فيضجر مني ويقول كعادته: "لقد أفقدَتك سوسن عقلَك.." لذلك اكتفيت بالنظر إليه متظاهراً بفهم ما يقول.. وفي لحظة لم أعُدْ أرى سوى شفتَيه تنطبقان حيناً وتنفتحان حيناً آخر دون صوت، جال في ذهني كابوس مرعب، لم أستفق منه إلا على أصداء ضحكته الانفجارية... حينها علمتُ أنه قد أنهى نكتته. وجدت صعوبة في مجاملته كالعادة بضحكة مصطنعة؛ لأن الحزن كان ما يزال مخيِّماً عليّ، لكنني أصررت على ذلك وأرغمت نفسي على الضحك، فمدّدتُ عضلات وجهي وفتحت فمي قليلا ثم أخذت نفَساً عميقاً وأغمضتُ عينَيّ كصِينِيٍّ كي تبدوَ ضحكتي جدية وحقيقية... اختلطت عليّ الأحاسيس، فكانت تلك أول مرة أسمع فيها بكائي بصوت عالٍ.