الغريفي: يجب احتضان الشباب وتنشيط روح النقد والمحاسبة انطلاقاً من حرية التعبير
القفول - محرر الشئون المحلية
دعا عالم الدين السيد عبدالله الغريفي إلى تنشيط روح النقد والمحاسبة لدى الشَّباب انطلاقا من حرِّيَّة التَّعبير عن الرَّأي وذلك وفق الضَّوابط الصَّحيحة...
جاء ذلك في خطبته بمسجد الإمام الصادق بالقفول مساء الخميس (18 أغسطس/ آب 2016).
واشار الى احتفال العالم الأسبوع الماضي باليَومُ العَالميُّ للشَّباب، وقال: «ليس لدَينا أيُّ عُقدةٍ في التَّعاطي مع هذه (العناوين) ما دامتْ تحملُ أهدافًا نظيفةً، وتُوظَّفُ تَوظِيفًا نظيفًا، وأمَّا إذا حَمَلتْ أهدافًا سيِّئةً، أو وُظِّفَتْ توظيفًا سَيِّئًا، فهيَ مَرفُوضةٌ، كلَّ الرَّفض، ولا يجوز التَّعاطي معها».
وأضاف «هنا أُؤكدُّ أنَّنا نَملِكُ في ثقافتِنا الإسلاميَّةِ الأصيلةِ، وفي نُصُوصِنا الدِّينيةِ ما يُعطي هذا المكوّنَ - الشَّباب - موْقِعًا لا يُعطيه لَهُ أيُّ مشروعٍ آخر، أو أيُّ فكرٍ آخر، مهما تكن المسميات والعناوين».
وتحدث عن تدوين القرآن الكريم في سورة الكهف «تجربةً إيمانيَّةً شبابيَّةً»، وانها «من أغنى التَّجاربِ في تاريخِ الإنسانِ، فلا حاجة إلى شبابِ أمَّتِنَا أنْ يَبحثُوا عن روافد مِن هنا أو هناك، وإنْ كان إسلامُنا يُشجِّع على الاستفادةِ المشروعةِ والتي تُغْنِي الوعي والثَّقافة، وبناء الإنسان، والارتقاء بقُدراتِه العلميَّة، والفكريَّة».
وقال: «الشَّبابُ يُشكِّلون طاقة البناءِ والتَّغيير في المجتمعاتِ، كما يُشكِّلونَ (بُؤرَ التَّوتُّرِ والفوضى)، و(مشروعاتِ الجريمة)، و(أدواتِ العُنْفِ والتَّطرُّف)... وبَقدرِ ما تتوافر (الموجِّهات) يتحدَّدُ (النَّهجُ) الَّذي يصوغ (مساراتِ الشَّباب)، فيما هي: المنطلقاتُ، والغاياتُ، والأدواتُ، والممارساتُ؟! وإذا لم تتكاملْ (الأبعادُ) التي توجِّهُ (المسارات)، فالمنتجاتُ ستكونُ في غاية الخطورةِ! فالمكوِّناتُ العلميَّةُ، والثَّقافيَّةُ، والفكريَّة مهمَّةٌ في بناءِ (مساراتِ الشَّباب). والمكوِّنات النَّفسيَّة مهمَّةٌ في هذا البناء. وكذلك المكوِّنات الاجتماعيَّة، والسِّياسيَّة، والمكوِّنات التَّرفيهيَّة، والرِّياضيَّة. ولكن يبقى أهم هذه المكوِّنات هو: (المكوِّن الإيمانيِّ، والرُّوحيِّ، والأخلاقيِّ، والسُّلوكيِّ) بشرط أنْ يُصاغ هذا المكوِّن صوغًا صحيحًا، وإلَّا تحوَّل إلى كارثة كبرى!».
وتساءل الغريفي «هل مساراتُ التَّطرُّفِ والعنفِ والإرهابِ إلَّا نتيجة فهمٍ مزوَّرٍ للمكوِّن الدِّينيِّ؟!» مجيبا أن «ما يمارسُهُ (إرهابيُّو هذا العصرِ) من قتلٍ، وذَبْحٍ، وهتكٍ، وحَرَقٍ، وطيشٍ، وفسادٍ، ودمارٍ، وجنونٍ، وعبثٍ، وعنفٍ، وتطرُّفٍ ...، ليس إلَّا نتيجة (فهمٍ مزوَّرٍ للدِّين)! قد تزوَّرُ الثَّقافةُ، فتكون لذلك مردوداتٌ خطيرة جدًّا. وقد تزوَّرُ السِّياسةُ، فتكون لذلك مردوداتٌ خطيرة جدًّا. وقد يُزوَّرُ اقتصادٌ، إعلامٌ، أعرافٌ اجتماعيَّةٌ، أنظمةٌ، قوانين...، فتكون لذلك مردوداتٌ خطيرة جدًّا. ولكن حينما يزوَّرُ الدِّينُ، فالمردوداتُ كارثيَّةٌ، ومُدمِّرةٌ، ومُرعبة!».
وتحدث الغريفي عن أسس الدِّينِ ومُسلَّماته، وقال: «لا مُشكلةَ في أنْ تختلفَ الرُّؤى والاجتهاداتُ في فهم الدِّين مادامتْ الأسُس، والثَّوابت، والمُسَلَّماتُ، والضَّرورات متَّفقٌ عليها. أما حينما تُنسَفُ هذه الأسُس، والثَّوابت، والمُسَلَّماتُ، والضَّروراتُ فهنا الكارثةُ، وهنا الدَّمار، وهنا التَّطرُّف!».
وأكد الغريفي أن من أسُس الدِّين، ومُسلَّماتِه، وثوابتِهِ، وضروراته، ومقاصِده الكبرى «حرمةُ الدَّمِ كما أكَّدتْ ذلك الآياتُ، والرِّوايات»... و» حُرْمةُ العِرْضِ»، و»حُرْمة المال»، وذلك لأن «المال الذي يُملك حَلالا، ويُنفق حلالا له حرمتُهُ، فلا يجوز الاعتداء عليه، سواءً أكان هذا المال مالًا خاصًّا أم مالًا عامًّا يخدم مصالح النَّاس المشروعة، وربَّما تكون الحرمةُ أشدَّ حينما يكون المال مُعَدًّا لمصالحِ النَّاسِ العامَّةِ، وكذلك لا يَجوزُ تعطيلُ المنافعِ والخدماتِ التي يُشكِّلُ تعطيلُها إضرارًا بمصالح النَّاسِ الحياتيَّة».
وتطرق الغريفي الى ما ورد في الرِّوايات أنَّ إزالة كلِّ المعوِّقات في طريق النَّاس صَدَقة، لقوله (ص): «إماطتُك الأذى عن الطَّريق صدقةٌ. وإرشادُك الرَّجلَ إلى الطَّريق صَدَقةٌ. وعيادتُك المريضِ صَدَقةٌ. وأمرُكَ بالمعروفِ صَدَقةٌ. ونهيُك عن المنكرِ صَدَقةٌ. وردُّكَ السَّلام صَدَقةٌ».
وتطرق الغريفي الى الحَاجات الضَرُوريَّة انطلاقًا من الأُسُسِ والثَّوابتِ المتقدِّمةِ، حيث تتشكَّلُ حاجاتٌ مركزيَّةٌ في حياةِ النَّاس:
الضَّرُورة الأولى: الأمَنُ، فأيُّ عمل يُصادر أمَنَ النَّاسِ، وأمَنَ الأوطانِ والشُّعوبِ، فهو محرَّمٌ في دينِ اللهِ تعالى.
الضّرُورة الثَّانية: العدلُ، فأيُّ عملٍ يُصادر العَدلَ في حياةِ النَّاسِ، فهو محرَّمٌ في دين الله تعالى.
الضَّرُورة الثَّالثة: المحبَّةُ والتَّسامُح، فأيُّ عملٍ يُصادرُ المحبَّةَ، والتَّسامحَ بين النَّاسِ، فهو محرَّمٌ في دين اللهِ تعالى.
الضَّرُورة الرَّابعة: الوحدة والتَّآلف من خلال (الاعتصام بحبل الله)، والتَّمسك بـ(القِيَم، والمُثل النَّظيفة). فأيُّ عمل يُصادر ذلك، فهو محرَّم في دين الله تعالى.
الضَّرُورةُ الخامسة: التَّعاونُ على البرِّ والتَّقوى
فأيُّ عملٍ يُصادِرُ ذلك، فهو محرَّم في دينِ اللهِ تعالى.
الضَّرُورة السَّادسة: الحرِّيَّةُ المحكومةُ لضوابط الشَّرعِ، والقِيم، والقوانين العادلة. فأيُّ عملٍ يصادِرُ هذه الحرِّيَّة، فهو محرَّم في دين الله تعالى.
وقال ان مسئوليات الشباب في هذه المرحلة، تتضمن التعبئة الرشيدة للشَّباب «أنْ يَتَعبَّأَ شبابُنا إيمانيًّا، وثقافيًّا، ورُوْحيًّا، وأخلاقيًّا من خلال (مُعَبِّئاتٍ) رشيدةٍ، نقيَّةٍ، أصيلةٍ، وليس مِن خلالِ (مُعَبِّئاتٍ) متخلِّفةٍ، ملوَّثةٍ، مزوَّرةٍ».
كما تتضمن تُوظيف «قُدُرات وطاقات وإمكانات شبابِنا توظيفًا هادِفًا، نظيفًا، جادًّا، بعيدًا عن المنزلقاتِ، والمتاهاتِ، والانحرافاتِ، وعن كلِّ ما يقودُ إلى الشَّرِّ، والفسادِ، والتَّمرُّد، والانفلاتِ، والضَّياع»، وتتضمن تنشيط روح النَّقد وحرِّيَّة التَّعبير «أنْ تُنشَّطَ لدى الشَّباب (روحُ النَّقدِ والمحاسبة)، و(حرِّيَّة التَّعبير عن الرَّأي) كلُّ ذلك وفق (الضَّوابط الصَّحيحة)، وليس انسياقًا وراء (الأهواء، والمزاجاتِ، والانفعالات)، فإنَّ هذا الانسياق يفقد (النَّقد) موضوعيَّتُه، ويفقد (المحاسبة) واقعيَّتها، كما يحوِّل (الحرِّيَّة في التَّعبير) انفلاتًا، وتخبُّطًا، وإسفافًا».
واضاف «مطلوبٌ جدًّا في لغة النَّقد والمحاسبة، وفي لغةِ التَّعبير عن الرَّأي أنْ تكون نظيفةً، مُهذَّبةً، راقيةً، مَرِنةً، ليِّنةً، مملوءةً حبًّا، وتسامحًا، وشفافيَّةً، وإلَّا فإنَّها لا تملك القدرة على اقتحام القلوب والعقول، وستكونُ عاجزةً عن أنْ تحقِّقَ أهدافَها، وغاياتها النَّبيلة. وإذا كان النَّقدُ رشيدًا، والتَّعبيرُ عن الرَّأي مُحصَّنًا، فلا يجوز أنْ يُصادر، وأنْ يُقمع، فإنَّ هذا يُحوِّل الشَّبابَ إلى قُوى متمرِّدةٍ، وعناصر متطرِّفةٍ، وأدواتٍ عابثة. فهؤلاء الشَّبابُ (مخزونٌ كبيرٌ) من الطَّاقاتِ والقُدُراتِ، فإذا أُلجمَ هذا المخزونُ انفجر دمارًا، وعبثًا، وتطرُّفًا».
وقال الغريفي: «يجب على أنظمة السِّياسة، ويجب على منابر الدِّين، ويجب على مواقع الفِكر والثَّقافة، ويجب على مؤسَّسات الرِّعاية والتَّربية، ويجب على كلِّ المعنِيِّين بشئون الأجيال، يجب على هؤلاء جميعًا أنْ يتحمَّلوا مسئوليَّاتِهم الكبيرة في حماية الشَّباب من الانزلاقِ نحو (التَّطرُّف، والعنف، والإرهاب) من خلال (الاحتضان)، و(الانفتاح)، و(التَّرشيد)، و(حرِّيَّة التَّعبير عن الرَّأي) مادام ذلك لا يتجاوز المعايير الصَّحيحة، والضَّوابط القويمة، والأدوات السَّليمة».
وأكد أن «اعتماد الشِّدَّة والقسوة في التَّعاطي مع قناعاتِ الشَّبابِ الدِّينيَّةِ، أو الثَّقافيَّةِ، أو الاجتماعيَّةِ، أو السِّياسيَّةِ، وسواءً أكانت هذه القناعاتُ صائبةً أم خاطئةً، اعتماد هذا النَّهج له منتجاتُه الخطيرة، وتداعياتُه الصَّعبة، ومعطياتُه السَّيِّئة!... وكلَّما كان التَّعامل مع (خَيَاراتِ) الشَّبابِ يحملُ رفقًا، ولِينًا، ورحمةً، وحبًّا، وتسامحًا، وَفَّر ذلك القُدرةَ على إنتاج أجيالٍ صالحةٍ خيِّرةٍ، محبَّةٍ لأوطانِها، حارسةٍ لأمنِ بلدانِها، وَفِيَّةٍ لشعوبها، مدافعةٍ عن كلِّ ذرَّةٍ من تراب أراضيها، صادقةٍ كلَّ الصِّدقِ مع أنظمتها».