قصة قصيرة... خبر
قصة قصيرة - أحمد بديع
أسترق السمع، كل الأزقة تدندن، الطرقات تُسمِع حسيسها للمارة.
لغوٌ، الأصوات تتداخل وربما بُحّت.
نساء الحي ترجف هذراً وتحليلاً وهم في غمرتها ساهون.
أتعجَّب، ثم لا ألبث أغادر، تصرُّ كل الممرات أن أستحضر قميص يوسف، أو أرتجل شيئا من نسج تفاصيله.
أصاب بذهول مما يتداوله الناس؛ الجماهير تتسابق على حظوة نقل الخبر.
أستريح لأفرغ كل هذا الفزع؛ المقهى الذي كنت أرتاده عزّ عليَّ، الازدحام على أشدِّه، الحاج زيد يتصدَّر الحديث، والآذان تُشنّف وزرها كل هذا اللغط.
يسكت برهة لأخذ رشفة تدخين من نارجيلته - التي اختلط لونها بلون جبهته - فيتسابق من حوله في اقتناص الحديث عن الخبر الذي يلوكونه بألسنتهم فيعلو الصراخ مرة أخرى.
أترك الجميع لأنزوي بعيداً عن هذه الضوضاء، أمتشق مقعداً لأريح عليه ثقل هذه الضوضاء المخجلة؛ صوت كسهم اخترق مسامعي...
أترك الكرسي لو سمحت؟! النادل يصرخ .....
ألتفت وأدير طرفاً خفياً، يقترب مني شيئاً فشيئاً.
أستفهم منه... ما سر هذه الزحمة والفوضى؟؟
يهز جمجمته ويبعث بقهقهة محشورة بالسخرية.
هههههه... الكرسي محجوز، والخبر بألف!
الاستغراب يملأ كل جوارحي فيقرصني، يبدو أنني تقهقرت لسنوات مجهولة في طي النسيان الخرافي.
أقف أنتظر الدور لشراء صحيفتي المفضلة، أضع رجلاً وأرفع أخرى لكثرة الزحام وأتمثل العام 1991 في حرب الخليج عندما وقفت ساعتين لشراء خمسة أقراص من الرغيف على أثر خبر تناقلته العجائز. تنفد كل الصحف ولم أحض بمعرفة كنه الخبر.
ربما أجد ضالتي في العالم الافتراضي بين "تويتر" وما يطابقه لكنني أبحث في سراب.
جدتي تطل من غرفتها المزدحمة بالأساطير وبعض الحقائق وهي تطوي شريط ذاكرتها برواية عن مانديلا عندما أعطي حذاء ضيقا في سجنه، فكتبت الصحف أن رجله بُترت.
أبتسم، ربما بلغ بجدتي الزهايمر فلم تع ما تقول، لكنني أعلم أنها طالما ذكرت لي بعض مواعظها فاستنرت بها في ظُلَم الطريق.
الحقيقة تفر من بين مفردات فكري ولا أكاد أمسك بخيوطها، إمام الجمعة يؤكد في افتتاح خطبته " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" أكاد أصل للحقيقة.
الصحيفة التي كتبت الخبر حققت أرباح شهرين في ساعتين، وكاتب الخبر حصل على سيارة فارهة وفيلا فخمة في ضاحية كازابلانكا نتيجة الشهرة التي حققها.
عطس الزعيم، فكتب الصحافي المخضرم (الزعيم يحتضر) فأخذت الجماهير تتلاقف الخبر لتدغدغ مشاعرها، لكن الزعيم ظهر بعد يومين يحي الجماهير بمناسبة العيد الوطني.