تباين الآراء بشأن نظرة المجتمع وأفراده لمراجعي الطبيب النفسي

الوسط - أماني الشوفة

يمر الإنسان في حياته بكثيرٍ من المشاكل الجسدية والنفسية، قد يعالج البعض مشاكله الجسدية ويغفل عن علاج النفسية، مقتنعاً بأن المشاكل النفسية التي يمر بها ليست مرضاً كباقي الأمراض وتحتاج إلى علاج، بل هناك من يخجل من مراجعة طبيب نفسي لحل مشاكله النفسية، ففي نظر الكثير أن من يراجع الطبيب النفسي شخص فاقد الأهلية (مجنون).

ومع مشاكل الحياة ومتطلباتها ليس من المخجل أن يمر الإنسان بضغوط نفسية، إذ من الطبيعي أن يمر الطفل بأمراض نفسية تسببها البيئة التي يعيش فيها كالتوحد مثلاً، ويمر المراهق بفترة اكتئاب، ويعاني الطالب من الضغط الدراسي الذي ينتج عنه العصبية بسبب عدم القدرة على تنظيم الجدول الدراسي والواجبات المتراكمة، ويمر الشاب المقبل على الزواج ببعض المشاكل النفسية أثناء بحثه عن عمل واستعداده للزواج، ويعاني الموظف من ضغوط العمل والتي قد تتسبب في دخوله في مشاكل نفسية، وكما يحتاج بعض الآباء لاستشارة طبيب نفسي لحل مشاكلهم العائلية كمشاكل الأبناء والمشاكل الزوجية، هذا ما قاله الكثير من الناس خلال حديثهم إلى "الوسط".

ولكن السؤال الأهم هل الناس مقتنعة فعلاً بأن مراجعة الطبيب النفسي أمر ليس بمخجل، وهل المجتمع ينظر للفئة التي تراجع طبيباً نفسياً نظرة عادية؟

رداً على ذلك، تقول الأخصائية النفسية أمل القثمي لـ "الوسط": "نظرة المجتمع لمن يذهب لمختص نفسي بعضها قاسية وظالمة قد يطلقها شخص غير واعٍ على شخص أراه أكثر وعياً لتقبله واتخاذه قرار البحث عن علاج، كما أن من يراجع طبيباً أو أخصائياً نفسياً لا يعني أنه شخص فاقد للأهلية أو هو شخص وصم بالعار، قد يكون شخصاً لديه مشكلة أسرية أو طلب مشورة بموضوع محدد، أو يعاني من صدمة قاسية أفقدته أموراً كثيرة وأكسبته ألماً قد يبدو له أنه لا ينتهي، أو لدى طفلة مشكلة سلوكية".

وتضيف القثمي أن "المرض النفسي قد يأتي بغتةً للشخص وليس بسبب ظروف أو صدمات، فَلِمَ القسوة في التعامل مع الأمر! والملفت أن في الآونة الأخيرة أصبح هناك تقبل وتحسن في مراجعة المختص النفسي، ومع ذلك هناك من يتأخر في المراجعة ولا يدرك أن التأخر في مراجعة المختص قد يؤثر سلباً عليه".

وحاورت "الوسط" فئة من الناس، منها أبرار عبدالجليل (25 عاماً) التي قالت: "من وجهة نظري أن جميعنا معرضون للإصابة بحالات نفسية سوى بسيطة أو معقدة، فليس من الضروري من يعاني من مشكلة نفسية يعتبر مختلاً عقلياً، بالعكس أرى من يدرك أنه يعاني من مشكلة نفسية ويذهب لعلاجها هو العاقل ليس غيره".

وتضيف "لكن المشكلة أن البعض عندما يسمع عن شخص ما يعاني من مشكلة نفسية يخافونه ويتجنبونه قبل أن يعرفوا ما هي مشكلته، لذلك يضطر أن يخبئ عن الناس أنه يعاني من مشكلة نفسية، فأنا عن نفسي عندما أسمع عن شخص يراجع طبيباً نفسياً تتغير نظرتي له لا شعورياً، ذلك كما حدث معي عندما سمعت عن إحدى البنات بأنها تراجع طبيباً لمشكلة نفسية تمر بها، فأصبحت أتعامل معها بحذر".

وتؤيدها حنان عبدالجليل (طالبة علم نفس)، التي قالت: "إن العاقل هو من يدرك أنه يحتاج لاستشارة نفسية ويذهب ليعالجها قبل أن يصل إلى مرحلة الجنون حقاً"، وتضيف "ليس كل من يراجع طبيباً نفسياً يعتبر مجنوناً هذا اعتقاد خاطئ، فالعاقل والناضج هو من يدرك أنه يعاني من مشكلة نفسية تحتاج إلى علاج ليتخلص منها، فالحياة فيها صعوبات والكثير منا يحتاج من يساعده لحل مشاكله، بل وجميعنا معرضون للإصابة بمشاكل نفسية، فالأفضل لمن يعاني من مشكلة نفسية أن يذهب لشخص يفهم في ذلك فيعطيه بعض الإرشادات ليس إلا".

وتواصل "من المتعارف عليه أن المصاب بألم في أسنانه يذهب لطبيب الأسنان قبل أن يُقلع سنهُ، كذلك من يعاني من مرض نفسي يذهب للطبيب النفسي قبل أن يصاب بالجنون".

وتقول معصومة السيد (23 عاماً): "للأسف نحن نعتقد أن الاستشاري النفسي فقط للمجنون، حتى لو أدرك المريض أنه يعاني من شيء يخجل من الذهاب ويسمع كلمة مجنون، لدرجة أن إحدى معارفي تراجع الطبيب النفسي حتى من غير علم زوجها، بالنسبة لي ليس من المخجل زيارة الاستشاري النفسي والأهم أن يكون استشارياً شاطراً".

من ناحية أخرى، ترى ولاء هاني (22 عاماً) أنه من الممكن أن يعالج الشخص نفسه قبل اللجوء للاستشارة النفسية، فتقول: "نحن بحاجة أحياناً لاستشارة نفسية وذلك ليس مخجلاً أبداً، لكن المشكلة في نظرة المجتمع السلبية لمن يلجأ لطبيب نفسي والتي تجعلنا نتخلى عن فكرة مراجعة الطبيب النفسي في حال حاجتنا لذلك، وأرى كذلك أنه من الممكن أن يقوم الشخص بمعالجة نفسه قبل اللجوء لطبيب نفسي بالقراءة مثلاً فمواقع التواصل الاجتماعي أصبحت الآن تقدم الكثير من عبارات لتطوير الذات وما شابه، وكذلك يمكن الاستماع للموسيقى وعمل "اليوقا"، فتلك الأشياء تساعد أحياناً على التخلص من الضغوط النفسية".

من جانبها، تقول زينب عبدلله (23 عاماً): "الجميع يمر بمشاكل وأمراض نفسية فيحتاج لشخص يسمعه ويفهمه (يحتاج يفضفض)، وفي رأيي أن على الشخص أن يحاول الاستماع لنفسه قبل أن يسمعه طرف آخر، ويتصالح مع ذاته، ويعرف ما يريد، ولا يعتمد على شخص آخر في مساعدته وإرشاده، فمهما كان الطبيب مختصاً وفاهماً فقد لا يستطيع مساعدتنا بقدر ما نستطيع نحن مساعدة أنفسنا".

وترى زينب عبدلله أن المجتمع العربي عندما يؤمن أجداده بفكرة معينة يؤمن بها هو كذلك، ولا يحاول تغييرها، فتقول: "بالنسبة لي نحن مجتمع يؤمن دائماً بفكرة صغيرة بدأ بها شخص ما، فتصبح مباشرة فكرة سائدة يؤمن بها الكثير ويتماشى معها، وطبعاً هذا شي خاطئ، فمثلاً فكرة الطبيب النفسي أصبحت تشكل عقدة بالنسبة للبعض، بسبب أن فئة من المجتمع أصبحت تؤمن بأن من يزور الطبيب النفسي (مجنون) فأصبحت فكرة سائدة بين أوساط المجتمع".

ولكوثر محمد (24 عاماً) نظرة أخرى تِجاه هذا الموضوع، فهي ترى أن الإنسان لن يصاب بأمراض نفسية لو كان على تواصل دائم مع "ربه"، إذ تقول: "ذهبت ذات مرة للطبيب النفسي فرأيت فتاة في مقتبل العمر تراجع الطبيب النفسي تعجبت من ذلك! ماذا تحمل من هموم وهي في ذلك السن! أرى أننا لا نحتاج إلى طبيب نفسي ودفع مبالغ للاستشارة، فنحن نمتلك طبيباً نفسياً وبلا مقابل ويمكننا أن نلجأ له في أو وقت ومكان وهو الله سبحانه وتعالى".

وتقول كذلك: "أتوقع أن هناك من يتخوف من الذهاب للطبيب النفسي ليس بسبب كلام الناس، بل خوفه من الأدوية التي قد توصف له وبالتالي يدمن عليها".

وتنصح القثمي "على كل من يعاني من متاعب نفسية سواء كانت بدرجة بسيطة أو شديدة هو مراجعة المتخصص لأن النفس كالجسد يجب أن تبحث عمّن يساندها ويرشدها ويفيدها، وعلى المجتمع تقبل المريض النفسي لأنه يحتاج للدعم والمراعاة والتقبل فلنكن يداً واحدة عطوفة وداعمة، وعلى الأسرة الحمل الأكبر، فمعاناتهم لا تقتصر على التوجه لأقرب مختص نفسي فقط بل هم بحاجة لمن يتقبل ومن يشعر ومن يساند، هذه القوة الكبرى التي يستمدها منهم، وكذلك على الفرد أن يعي كيف يبني مهارات تقيه تعب النفس والجسد والعقل والروح".