«الكويت الوطني»: الاقتصاد المصري.. يتعثر
الوسط – المحرر الاقتصادي
ذكر تقرير بنك الكويت الوطني أن نمو الاقتصاد المصري شهد تباطؤاً في السنة المالية 2015 – 2016 بعد أن سجل تعافياً ملحوظاً في 2014 – 2015، وذلك نتيجة شح العملات الأجنبية والتراجع الحاد في قطاع السياحة. كما تأثر الاستثمار في مصر نتيجة كل من بطء تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية واستمرار العجز المالي، بالإضافة الى تدهور الأوضاع الأمنية. ولا تزال ضوابط رأس المال المفروضة للحد من التبادل الخارجي قائمة لا سيما مع حذر المستثمرين الأجانب وحفاظ السلطات على سياسة تثبيت الجنيه مقابل الدولار، وفق ما ذكرت صحيفة "القبس" الكويتية اليوم السبت (6 أغسطس/ آب 2016).
وقال «الوطني»: لا تزال أوضاع مصر المالية والخارجية تواجه ضغوطات كبيرة في الوقت الذي تراجع فيه العجز المالي قليلاً خلال السنة المالية 2015 – 2016 نتيجة تراجع أسعار دعم الوقود إثر تدني أسعار النفط. ولم تأت الاجراءات الاصلاحية بالسرعة المطلوبة رغم وجود العديد من المبادرات. وساءت الأوضاع الخارجية لا سيما مع اتساع عجز الحساب الجاري واستمرار ضيق الاحتياطي الأجنبي، وقد ساهم تخفيض قيمة الجنيه خلال شهر في مارس في التقليل من الضغوطات على العملة، إلا أنها لم تخفف من صعوبة الحصول على العملة الأجنبية.
وقد سعت السلطات المصرية في إعادة الإصلاحات إلى الطاولة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية، وذلك بعد إعادة تشكيل الحكومة. حيث قدمت العديد من المقترحات التي قد تساهم في تقليل العجز المالي واستعادة إقبال المستثمرين الأجانب. وصرحت السلطات مؤخراً بانها في صدد إبرام اتفاقية مع صندوق النقد الدولي قد توفر 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، وقد رحبت الأسواق بذلك الخبر كما رأى المحللون من خلالها فرصة لدفع عجلة الإصلاحات وتقليل الضغوط على الجنيه.
تباطؤ نمو الاقتصاد
تشير التوقعات إلى تباطؤ ملحوظ في النمو خلال النصف الأول من عام 2016، بعد أن سجل تراجعاً معتدلاً في عام 2015. إذ تشير البيانات الرسمية إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى %3.5 على أساس سنوي في الربع الأخير من عام 2015 متراجعاً من متوسطه البالغ %4.2 في السنة المالية 2014 – 2015. وتدل جميع المؤشرات أن النمو قد بدأ بالتباطؤ منذ ذلك الحين، ليبلغ متوسطهما بين %2 و %2.5. ونتوقع أن يبلغ النمو في السنة المالية 2015 – 2016 ما يقارب %3.0. كما اننا نتوقع أن يتحسن النمو الى مستوى أقل مما كنا نرى قبل عام، ليصل إلى %3.5 في 2016 – 2017 وإلى %4.5 في 2017 – 2018.
وقد بدأت وتيرة النمو بالتراجع تدريجياً على مدى التسعة إلى الاثني عشر شهرا الماضية. حيث سجل مؤشر الانتاج التابع لوزارة التخطيط تراجعاً خلال معظم تلك الفترة. فقد تراجع في مايو بنحو %16 على أساس سنوي، وقد جاء هذا التراجع نتيجة تراجع قطاع السياحة وقطاع النقل والمواصلات، بينما شهد قطاع التصنيع ركوداً في النمو والذي يعتبر قطاعاً أساسياً في عملية النمو الاقتصادي.
كما ظهر أيضاً هذا التباطؤ في مؤشر «ماركت» لمديري المشتريات في عام 2016، وقد تراجع المؤشر بدايةً إلى أقل من مستوى 50 منذ أكتوبر من عام 2015. وبالفعل فقد بلغ متوسط المؤشر 47.2 في الأشهر العشرة الأخيرة، وهو مستوى يدل على ان النمو قد تراجع الى ما بين %2 و%2.5 حسب تقديرنا. ومن المحتمل أن تتحسن الأوضاع خلال شهر يوليو مع ارتفاع المؤشر إلى أعلى مستوى له منذ عشر أشهر عند 48.9.
واستقر نمو الائتمان الممنوح للقطاع الخاص مقارنة بالمؤشرات الاقتصادية الأخرى إلا أنه أيضاً شهد تراجعاً في الفترة الأخيرة. فقد تراجع نمو الائتمان ليصل إلى %14 على أساس سنوي في شهر يونيو بعد أن بلغ نموه %17.5 على أساس سنوي في ديسمبر من عام 2015. وتباطأ النمو المعدل وفق التضخم إلى %0.1 على أساس سنوي خلال شهر يونيو بعد أن بلغ النمو الحقيقي ما يقارب %6 في شهر مارس.
تراجع السياحة
يعتبر قطاع السياحة في مصر أحد أهم أسباب التباطؤ في الاقتصاد المصري، إذ تأثر نشاط السياحة بصورة ملحوظة في مصر بعد حادثة إنزال الطائرة الروسية بعد إقلاعها من شرم الشيخ في أكتوبر من عام 2015، فقد جاءت هذه الحادثة في وقت عصيب للسياحة المصرية وسط محاولات للتعافي من التقلبات التي شهدتها نتيجة الأوضاع الأمنية والسياسية. وتشير بيانات السياحة لشهر أبريل الى تراجع في نشاط القطاع.
فقد تراجع عدد السياح في شهر أبريل بنحو النصف مقارنة بالعام الماضي او بنحو %54 على أساس سنوي. وقد أمضى السياح فترة أقصر بالمتوسط مع تسجيل إجمالي عدد الليالي تراجعاً بواقع %75 على أساس سنوي، ما أدى إلى تراجع الإيرادات من قطاع السياحة في الربع الأول من عام 2016 بواقع %62 على أساس سنوي، وذلك وفق بيانات ميزان المدفوعات.
رفع الفائدة
تسارع معدل التضخم خلال العام الماضي ليصل إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من سبع سنوات خلال شهر يونيو. فقد ارتفع معدل التضخم العام في مؤشر أسعار المستهلك إلى %14 على أساس سنوي، بينما ارتفع معدل التضخم الأساس إلى %12.4 على أساس سنوي. وقد تسبب تراجع الجنيه بنحو %12 خلال مارس في هذا الارتفاع على مدى الأشهر الأخيرة.
ومع ارتفاع معدل التضخم قام البنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة الأساسية عدة مرات خلال عام 2016. فقد رفع الأسعار بواقع 50 نقطة أساس في يناير لأول مرة منذ خفضها العام الماضي. وقام أيضاً برفع الفائدة مرتين بواقع 150 نقطة أساس في مارس و100 نقطة أساس في يونيو، وذلك بعد أن تراجع الجنيه خلال شهر مارس. واستقر سعر الفائدة على الإيداع عند %11.75 وسعر الإقراض عند %12.75.
كما ارتفعت أسعار فائدة الخزينة أيضاً تماشياً مع ارتفاع أسعار الفائدة الأساسية. إذ ارتفعت أسعار الفائدة لفترة الأشهر الثلاثة إلى %14 من %11.2 في ديسمبر 2015. وسرعان ما ظهر أثر هذا الارتفاع في الميزانية التي ارتفعت بها كلفة الفائدة بصورة ملحوظة لتشكل نسبة %10 من الناتج المحلي الإجمالي خلال شهر مايو مقارنة بالعام الماضي حينما بلغت %8.4.
العجز المالي
شهد العجز المالي تحسناً خلال العام الماضي نتيجة تدني أسعار النفط، وما تبع ذلك من تراجع في أسعار دعم الوقود. ولكن لا يزال العجز مرتفعاً. فقد تأثرت الميزانية من تراجع المنح الرسمية وارتفاع مدفوعات الفائدة، في الوقت الذي توقفت وتيرة تنفيذ المبادرات المقترحة لدرّ المزيد من الإيرادات. فقد تقلص العجز المالي إلى %12.7 من الناتج المحلي الإجمالي لإثني عشر شهراً على التوالي حتى شهر مايو من عام 2016، وذلك مقارنة بالعام الماضي حينما بلغ %14. ونتوقع أن يسجل المزيد من التراجع في السنة المالية المنتهية في يونيو من عام 2016، ليصل الى %11 من الناتج المحلي الإجمالي. ويأتي هذا التحسّن نتيجة محاولات الحكومة الناجحة في ترشيد مستوى الإنفاق. فقد ارتفع الإنفاق خلال الإثني عشر شهراً حتى مايو 2016 بنحو %0.5 فقط، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وبينما ظهر معظم التراجع في الإنفاق في مكون الدعوم، الذي يشكل حالياً %4.7 من الناتج المحلي الإجمالي، مسجلاً تراجع من %9.1 في العام الماضي، فقد تراجع الإنفاق أيضاً في مكونات أخرى. وتراجع النمو في الأجور والرواتب بنحو النصف أو أكثر ليصل إلى %6.3 على أساس سنوي بالرغم من قوة معدل التضخم. كما تم خفض نمو الإنفاق على المصروفات الأخرى إلى %3.9 على أساس سنوي.
إصلاحات قيد الدراسة
قال تقرير «الوطني» أن الميزانية المصرية شهدت تراجعاً في نمو الإيرادات، لتصل إلى %0.6 على أساس سنوي حتى شهر مايو. وبينما يعد التراجع في المنح الرسمية أحد أهم مسببات هذا التراجع في الإيرادات، إلا أنه أيضاً جاء نتيجة تراجع نمو إيرادات الضرائب إلى %1.8 على أساس سنوي، مما أدى إلى بلوغ الإيرادات باستثناء المنح %18.5 من الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإثني عشر شهراً، وذلك حتى مايو 2016 متراجعة من المستوى المسجل العام الماضي، الذي بلغ %20.6 من الناتج المحلي الإجمالي. وفي الوقت نفسه ارتفعت أسعار خدمات الدين الحكومي من %8.4 من الناتج المحلي الإجمالي إلى %10 خلال شهر مايو.
وتدرس السلطات حالياً عدداً من الإصلاحات، التي تأمل أن يقرها البرلمان خلال الأشهر القادمة، وتشمل هذه الإصلاحات فرض ضريبة القيمة المضافة، التي من المقرر ان تلغي ضريبة المبيعات الحالية غير المجدية. ومن شأن هذه الآلية الجديدة درّ المزيد من الإيرادات فور تطبيقها، بنحو %0.7 إلى %0.9 من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى العديد من الإصلاحات الأخرى، كفض الدعوم ورواتب القطاع الحكومي. وبعد إقرار قانون الخدمة المدنية مؤخراً من المفترض أن تكون هذه الإصلاحات أحد أهم بنود الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي خلال الأسابيع المقبلة.