جنرال أميركي يسعى لتهدئة التوتر في العلاقات مع تركيا بسبب الانقلاب
اسطنبول – رويترز
سعى أكبر جنرال بالجيش الأميركي الإثنين (1 أغسطس/ آب 2016) إلى تخفيف التوتر في العلاقات مع تركيا حليفة بلاده في حلف شمال الأطلسي التي أغضبها رد فعل الغرب على محاولة انقلاب فاشلة فضلا عن إحجام الولايات المتحدة على ما يبدو عن تسليم رجل الدين الذي تقول إنه مسؤول عن هذه المحاولة.
وعمقت تداعيات محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/ تموز الشقاق بين أنقرة وحلفائها الغربيين. وخلال المحاولة التي قامت بها مجموعة من الجيش قاد جنود مقاتلات وطائرات هليكوبتر ودبابات في محاولة للاستيلاء على السلطة. وقتل 230 شخصا على الأقل خلال هذه المحاولة.
وغضب الرئيس رجب طيب إردوغان والكثير من الأتراك من الانتقادات الأمريكية والأوروبية لحملة حكومية في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا التي لها دور أساسي في المعركة التي تقودها الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية ولوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا.
واتهموا زعماء الغرب بالانشغال بحقوق مدبري الانقلاب أكثر من خطورة التهديد الذي تعرضت له تركيا.
ومنذ محاولة الانقلاب اعتقل أو أوقف عن العمل أو استجوب أكثر من 60 ألف شخص من الجيش والقضاء والقطاع الحكومي والتعليم مما أثار مخاوف من أن إردوغان يشن حملة عشوائية على كل أشكال المعارضة.
وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم لرئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد في أنقرة اليوم "من المهم بالنسبة للولايات المتحدة صديقتنا وحليفتنا أن تظهر موقفا واضحا وحاسما ضد محاولة الانقلاب الإرهابية الفاشلة هذه ضد إمتنا وديمقراطيتنا".
وجاء في بيان من مكتب يلدريم بشأن الاجتماع أن دانفورد المستشار العسكري الرئيسي للرئيس الأمريكي أدان الانقلاب الفاشل في تركيا وقال إن زيارته تأتي لإظهار الدعم وأضاف أن الولايات المتحدة تدعم بشكل كامل الديمقراطية التركية.
وفي وقت سابق اليوم شارك نحو 150 متظاهرا في مسيرة إلى السفارة الأمريكية في أنقرة للاحتجاج على زيارة دانفورد الذي اجتمع مع رئيس الوزراء بن علي يلدريم ونظيره التركي.
وهتف المحتجون خلال المسيرة التي اتجهت إلى شارع بوسط أنقرة باتجاه السفارة حيث أبقتهم الشرطة التركية على مسافة من المبنى "اخرج من تركيا يا دانفورد يا مدبر الانقلاب".
وحمل المتظاهرون لافتة كتب عليها "عد إلى بلدك يا دانفورد وأرسل فتح الله" في إشارة إلى رجل الدين المقيم بالولايات المتحدة فتح الله كولن الذي يتهم إردوغان شبكة أتباعه في الجيش ومؤسسات الدولة بالتخطيط لمحاولة الانقلاب.
ويعيش رجل الدين (75 عاما) في منفى اختياري بالولايات المتحدة منذ عام 1999 وينفي ضلوه في محاولة الانقلاب الفاشلة. وكان الرئيس باراك أوباما قال إن واشنطن لن تسلمه لأنقرة إلا إذا قدمت تركيا أدلة على ما تقوله.
كما اجتمع دانفورد مع أفراد من الجيش الأمريكي بقاعدة إنجيرليك الجوية في جنوب تركيا التي يستخدمها التحالف بقيادة الولايات المتحدة في محاربة داعش. وقالت السفارة الأميركية إن دانفورد جاء إلى تركيا للتعبير عن تضامنه.
وقالت السفارة في بيان مكتوب "سيقدم (دانفورد) رسالة تدين بأشد العبارات محاولة الانقلاب الأخيرة وسيشدد على أهمية شراكتنا الدائمة بالنسبة للأمن الإقليمي".
وفي واشنطن زار مشرعون أتراك يمثلون الحزب الحاكم وأكبر حزبين بالمعارضة وزارة العدل الاميركية الاثنين في المحطة الاولى في جولة تستمر أسبوعا سيحاولون فيها إقناع مسؤولين أميركيين بتأييد تسليم كولن.
وقال طه أوزهان رئيس الوفد إن تركيا سترسل إلى الولايات المتحدة أدلة جديدة في غضون أسابيع "إن لم يكن أيام" تثبت أن كولن أمر بالانقلاب.
وأضاف أن الادلة ستكون أحدث من الوثائق التي أرسلتها تركيا حتى الان إلى وزارة العدل الاميركية -التي كلها مؤرخة قبل الخامس عشر من يوليو تموز- وستشمل إفادات ورسائل جرى إعتراضها من متآمرين مزعومين اعتقلوا في تركيا.
وقال أوزهان "من خلال رسائلهم ومن خلال إتصالاتهم الخفية إلتقطت المخابرات التركية في الواقع الكثير من الادلة" التي تورط كولن بشكل مباشر في محاولة الانقلاب.
وبسبب نطاق عمليات التطهير التي تم خلالها عزل نحو 40 في المئة من الجنرالات والأميرالات بالجيش إلى جانب تلميح مسؤولين بأنه قد يعود العمل بعقوبة الإعدام شعرت الدول الغربية بالقلق خاصة وأنها متوترة بالفعل لتشديد إردوغان قبضته على السلطة.
وتعهد إردوغان بتخليص مؤسسات الدولة مما وصفه بأنه "سرطان" أتباع كولن.
وقال مسؤول كبير بالاتحاد الأوروبي شارك في جهود أنقرة المتعثرة للانضمام للاتحاد "ما يثير القلق هو أن الحكم في أنقرة حاليا هو حكم الرجل الواحد".
وأضاف لرويترز "المشاعر بعد محاولة الانقلاب مفهومة جدا لكننا نرى الآن انقلابا بعد الانقلاب".
وانتقد مسؤولون أتراك كبار ألمانيا لمنعها إردوغان من مخاطبة حشد من مؤيديه الأحد في كولونيا عبر دائرة تلفزيونية مغلقة. واعترف المتحدث باسم الخارجية الألمانية بأن العلاقات تسير على "أرض وعرة".
"سيتوسلون لنا لنقتلهم"
ألقت القوات الخاصة التركية القبض على مجموعة من 11 من أفراد الكوماندوس المنشقين حاولوا القبض على إردوغان خلال محاولة الانقلاب أو قتله.
وقال مسؤول إن طائرات بدون طيار وطائرات هليكوبتر حددت أماكن 11 هاربا من أفراد الكوماندوس في تلال تغطيها الغابات حول منتجع مرمرة المطل على البحر المتوسط بعد ملاحقة استمرت أسبوعين. وكانوا ضمن مجموعة هاجمت فندقا حيث كان يقضي إردوغان عطلته ليلة محاولة الانقلاب يوم 15 يوليو/ تموز.
وأظهرت لقطات فيديو أكثر من عشرة من المتظاهرين المناهضين للانقلاب وهم يطلقون صيحات الاستهجان عند رؤية الجنود الأحد عشر الذين اعتقلوا وكانت وجوه بعضهم متورمة وتحمل كدمات. ولوح المتظاهرون بعلم تركيا ورددوا هتافات تطالب بإعدام "الخونة".
وقال وزير الاقتصاد نهاد زيبكجي إن مدبري الانقلاب سيندمون بشدة على محاولة الإطاحة بالديمقراطية في تركيا في كلمات تعكس مدى الغضب بين آلاف الأتراك الذين شاركوا في تجمعات للتنديد بالانقلاب يوما بعد يوم.
ونسبت وكالة دوجان الخاصة للأنباء إلى زيبكجي قوله "سنجعلهم يتوسلون. سنلقيهم في حفر... سيعانون من عقاب شديد في هذه الحفر لدرجة أنهم لن يروا نور الشمس طالما كان في صدورهم نفس".
وتابع قوله "لن يسمعوا صوتا بشريا مرة أخرى. سيتوسلون لنا أن نقتلهم".
وقال مسؤول كبير في أنقرة إن وزارة الخارجية استدعت القائم بالأعمال بالسفارة الألمانية اليوم الاثنين بعد أن منعت السلطات الألمانية إردوغان من إلقاء كلمة وسط حشد من الأتراك في كولونيا السبت عبر دائرة تلفزيونية مغلقة.
وقضت المحكمة العليا الألمانية بمنع البث المباشر للخطاب وسط مخاوف من أن تمتد التوترات السياسية من تركيا إلى ألمانيا التي توجد بها أكبر جالية تركية في أوروبا.
وكتب وزير العدل التركي بكير بوزداج ردا غاضبا على تويتر جاء فيه "سيكون من غير المقبول على الإطلاق أن تورد ألمانيا ذكر الديمقراطية أو سيادة القانون أو حقوق الإنسان أو الحريات أمام تركيا بعد هذه المرحلة".
وزادت الحملة الأمنية التي شنتها تركيا بعد محاولة الانقلاب من شعور الزعماء الأوروبيين بعدم الارتياح لاعتمادهم على أنقرة في وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين مقابل وعد بالسماح للأتراك بدخول دول الاتحاد بدون تأشيرات.
ونقل عن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو قوله لصحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج إن تركيا ستنسحب من الاتفاق إذا لم ينفذ الاتحاد الأوروبي وعده بإلغاء تأشيرات الدخول.
"سيطرة مدنية على الجيش"
وسببت محاولة الانقلاب والتطهير الذي أعقبها صدمة في تركيا التي كان آخر انقلاب عسكري عنيف فيها لانتزاع الحكم عام 1980 وهزت الثقة في استقرار عضو مهم في حلف شمال الأطلسي في ظل المعركة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش والحد من الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا.
وتم كذلك تسريح نحو 1400 آخرين من أفراد القوات المسلحة وامتلأ المجلس العسكري الأعلى بوزراء من الحكومة أمس الأحد في خطوات يهدف إردوغان عن طريقها إلى تشديد القبضة المدنية على الجيش.
في غضون ذلك غيرت وزارة الدفاع التركية وظائف 167 جنرالا داخل الجيش اليوم في أعقاب تغييرات واسعة أجرتها على هيكل الجيش في مطلع الأسبوع بعد محاولة الانقلاب. وقال وزير الدفاع فكري إيشق إن عمليات الطرد من الجيش لم تنته بعد.
وقال في مقابلة مع قناة (سي.إن.إن تورك) "سيكون هناك المزيد إذا كان ذلك ضروريا." وأضاف أن 311 جنديا في المجمل لا يزالون هاربين في أعقاب الانقلاب.
وتم تسريح أكثر من 1700 من أفراد القوات المسلحة الأسبوع الماضي لدورهم في محاولة الانقلاب.
وجاءت الموجة الجديدة من تسريح أفراد الجيش وإعادة هيكلة المجلس العسكري الأعلى التي أعلنت في الجريدة الرسمية أمس الأحد بعد ساعات من قول إردوغان إنه يعتزم كذلك إغلاق الأكاديميات العسكرية القائمة ووضع القوات المسلحة تحت إمرة وزارة الدفاع.
وقال نعمان قورتولموش نائب رئيس الوزراء التركي في مؤتمر في أنقرة شرح فيه الإصلاحات الأخيرة "هدفنا هو إقامة نظام لا يمكن أي شخص من داخل القوات المسلحة من التفكير في الانقلاب مرة أخرى." وقال إنه سيجري بعد ذلك إعادة هيكلة أجهزة المخابرات.
وقال إردوغان إن كولن أقام شبكة من المدارس والجمعيات الخيرية والشركات في تركيا وخارجها على مدى عقود ليصنع "دولة موازية" بهدف السيطرة على البلاد.
لكن كولن أدان محاولة الانقلاب.
وقال في حديث لشبكة (سي.إن.إن) الإخبارية الأحد "إذا كان هناك أي شيء قلته لأي شخص بخصوص هذا الأمر. إذا كان هناك أي اتصال هاتفي أجريته إذا كان عُشر هذه الاتهامات صحيحا... لأحنيت رقبتي وقلت إنهم يقولون الحقيقة فليأخذوني... فليشنقوني".