مهاجم الكنيسة الفرنسية: طفولة مضطربة تنتهي بذبح قس في المذبح
سانت إتيان دو روفراي - رويترز
كان عادل كرميش طفلاً يسعى لجذب الانتباه إليه وكثيرا ما قادته مشكلاته السلوكية إلى مستشفى نفسي ولاحقاً إلى مدرسة متخصصة. وتوفي قاتلا بدم بارد قس فرنسي مسن باسم تنظيم داعش.
وتقلب المراهق - وهو ابن أسرة فرنسية عاملة من أصل جزائري تعيش على أطراف مدينة روان بمنطقة نورماندي - في صغره بين حالتي الطالب المثالي والشخص العدواني. وظهر في سجلات أجهزة الأمن في مطلع 2015 عندما قام بأولى محاولاته الفاشلة للوصول إلى سوريا.
واقتحم كرميش كنيسة على مشارف روان خلال قداس صباحي يوم الثلاثاء مع مسلح مراهق آخر تابع لـ "داعش"، فقتل القس البالغ من العمر 85 عاماً في المذبح مردداً هتافات بالعربية قبل أن تبادرهما الشرطة فترديهما قتيلين.
وقال جار لمنزل أسرة كرميش في ضاحية روان المحاطة بالأشجار حيث أجبر صاحب التسعة عشر عاماً على العيش بموجب أمر قضائي "كان منعزلاً. كان مضطرب النفس وانطوائياً. كانت سوريا هي كل ما يتحدث عنه".
قال مصدر قضائي إن كرميش حصل على علاج نفسي بين السادسة والثالثة عشرة وأرسل في هذه الفترة إلى مدرسة تلاميذها يعانون من مشكلات سلوكية.
ومن غير الواضح ما هو الدور الذي لعبته خلفية كرميش المضطربة في تحوله إلى قاتل. بيد أن تحول كرميش إلى التشدد كان سريعاً.
أبلغت أمه صحيفة "لا تريبيون دي جينيف" السويسرية العام الماضي أن كرميش أصبح "مبهوراً" بالفكر الإسلامي المتشدد بعدما هاجم مسلحون صحيفة شارلي إبدو الساخرة في باريس في يناير/ كانون الثاني 2015. وقام بعد شهرين بأولى محاولاته للوصول إلى سوريا.
وينقب المحققون في العلاقة بين كرميش وعبد المالك نبيل بوتيجان الذي يسكن بلدة في جبال الألب الفرنسية تبعد 700 كيلومتر عن كرميش وفي كيفية اتصالهما قبل شنهما الهجوم.
وكثيراً ما كان يتواصل كرميش مع العشرات من متابعيه عبر تليغرام وهي قناة اتصال خاصة يجعل نظام رسائلها المشفرة من الصعب على وكالات المخابرات تتبع مستخدميها.
"ارتكب مذبحة"
في تسجيلات صوتية حصلت عليها مجلة لاكسبريس وأكد مصدر بالشرطة محتواها لرويترز أبلغ كرميش نحو 200 من متابعيه أن الذهاب إلى سوريا لم يعد خيارا بسبب إجراءات ضبط الحدود وحثهم على شن هجمات على الأراضي الفرنسية بدلا من ذلك.
وقال "احصل على سكين واذهب إلى كنيسة وارتكب مذبحة وأحدث دوياً. اقطع رأسين أو ثلاثة وكفى".
وقبل ساعات قليلة من الهجوم نشر رسالة أخرى قال فيها "حملوا ما سيلي وتبادلوه على نطاق واسع". ودخل على التطبيق في الساعة 9:46 صباحاً من داخل كنيسة سانت اتيان لكنه فشل في نشر أي تسجيل مصور للقتل.
وأثار الهجوم تساؤلات بشأن كيف يمكن لقوات الأمن تضييق الخناق على انتشار التسجيلات المصورة على الإنترنت التي تحث المسلمين الذين يشعرون بخيبة الأمل على حمل السلاح لصالح "داعش" وجماعات أخرى وكذلك على قنوات التواصل على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال متحدث باسم تليغرام إن محتواه العام خاضع للإشراف على مدار الساعة وإنه "نتيجة لذلك تتوقف قنوات الدولة الإسلامية عن العمل في أقل من يوم وخلال ساعات في معظم الأحيان".
لكنه قال إن تليغرام شأنها شأن مواقع الرسائل المشفرة الأخرى ليس لها سبيل للوصول إلى المحادثات والمجموعات المغلقة وقد لا تشرف على محتواها.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني قالت تليجرام إنها حددت وأغلقت 78 قناة تابعة لـ "داعش" باثنتي عشرة لغة على موقعها.
وينتقد الساسة المحافظون السجل الأمني للرئيس فرانسوا هولاند ويصفوه باللين في التعامل مع من يشتبه بأنهم متشددون. وكان من المفترض أن كرميش نفسه خاضع لرقابة مشددة وكان يضع سوارا إلكترونيا في يده.
وقال أصدقاؤه إنه كان يحاول بدأب دفعهم إلى التشدد.
وقال صديق دراسة لكرميش يدعى رضوان (18 عاما) "في كل مرة كنا نقول فيها شيئا له كان يرد علينا بآية من القرآن. كان يقول لنا إن علينا القتال من أجل إخوتنا المسلمين وإن فرنسا بلد الكفار".
وحاول الوصول إلى سوريا مرتين. وفي المرة الأولى جرى اعتراضه في ألمانيا في مارس آذار 2015 حين كان يستخدم بطاقة هوية شقيقه بعدما أبلغت أسرته عن فقده.
ووجهت له عند إعادته إلى فرنسا تهما تتعلق بالإرهاب لكن أفرج عنه بكفالة قبيل المحاكمة. ومنع من مغادرة منطقته المحلية لكنه تمكن بعد شهرين من الفرار واعتقل في تركيا وكان في هذه المرة مسافرا ببطاقة هوية ابن عمه.
واحتجزت فرنسا كرميش حتى مارس آذار هذا العام عندما أصدر قاض حكماً بأنه يمكن الإفراج عنه تحت إشراف صارم على الرغم من احتجاج ممثلي الادعاء. وأجبر كرميش على التخلي عن جواز سفره ووضع في يده سوار إلكتروني ولم يكن يسمح له بمغادرة منزل والديه سوى لساعات قليلة في اليوم.
انتقام
أظهرت وثائق المحكمة التي نشرتها للمرة الأولى صحيفة لو موند وأكدها لرويترز مصدر قضائي أنه أبلغ القضائي أنه ندم على محاولاته المغادرة إلى سوريا.
وقال للقاضي "أنا مسلم يؤمن بالرحمة ..أنا أفعل الخير ولست متطرفاً. أريد أن أعود إلى حياتي وأرى أصدقائي وأتزوج".
وفي مقابلة مع صحيفة لاكسبريس قال مارك تريفيديك - وهو قاض سابق في مجال مكافحة الإرهاب حقق مع كرميش لكنه لم يشارك في قرار الإفراج عنه - إنه يعتقد أنه عنيد ومتغطرس.
ونقل عنه قوله "قضيته تماثل قضايا الأشخاص المصممين على الذهاب لكن العدالة تمكنت من إبقائهم هنا. لذلك هم يثأرون بالجهاد في فرنسا".
وفي حيه سانت اتيان دو روفراي الهادئ قال أشخاص محليون إنه كان لا يزال يناقش صراحة سبل الفرار مجدداً.
وقال سيباستيان وهو والد صديق الدراسة لكرميش لرويترز في متجر محلي "ابني التقى به مصادفة في مارس (أذار) في محطة للحافلات. أبلغه أنه أعيد من تركيا لكنه سيحاول مجددا"، مضيفاً "كان يحب الظهور عندما كان طفلاً. كان زائد النشاط وعصبياً للغاية وكان يثير المشاكل للفت الانتباه".
وقال سكان محليون إن كرميش لم يأت من أسرة منحرفة فأمه تلقت تعليمها في مدرسة عليا محلية وشقيقته درست الطب، مضيفاً أن المجتمع المسلم الأوسع مندمج بشكل جيد في المنطقة.
وفي المسجد المحلي أشار رئيس المجلس الإسلامي الإقليمي محمد كارابيلا إلى حائط صغير يفصل المسجد عن كنيسة ثانية في سانت اتيان على أنه إظهار للتناغم بين الطوائف الدينية في البلدة. وأضاف أن كرميش كان غير معروف في المسجد.
وأضاف "كنا نود أن يأتي إلى المسجد. لكن مسجد هؤلاء الأطفال اليوم هو غوغل ..الإنترنت".