بالفيديو: "آية"... طفلة بحرينية تعاني من مرض نادر يهدد حياتها ووالدتها تنشئ حساباً تثقيفيّاً
المنامة - محمد الجدحفصي
آية طفلة جميلة، تأسر القلب بابتسامتها العذبة، تملك الروح بخفة دمها ولطافة حركاتها. ومع إكمالها الثلاث سنوات، بدأت تمرض كثيراً، ترتفع حرارتها لأيام فيقوم والدها بأخذها للطبيب، لكن لم تكن الحرارة تنخفض حتى مع استخدام المضادات الحيوية.
تكرّرت الحالة لمدة ثلاثة أسابيع ليعاود الذهاب بها لطوارئ السلمانية، حيث تم تنويمها في المستشفى لمدة أربعة أيام، ولم يعرف والدها سبب ارتفاع الحرارة. وبعد شهرين تقريباً، اشتكت آية من ألم في رجلها. ذهب والدها بها للمستشفى وبعد الأشعة، ظهر أنها سليمة. وكانت والدتها تتساءل: "ربما سقطت وهي تلعب"، لكن مضت الأيام وأصبحت آية تعرج بشكل بسيط، ووالداها يراقبانها بقلق.
تضيف الأم: "سجلنا آية للروضة، وردتي الجميلة تحب الذهاب لروضتها وتحبها معلماتها، لكنها ليست كباقي إخوتها الذين تعودت أن يعودوا للمنزل ليقصوا قصص الأطفال والروضة. آية مازالت لا تستطيع أن تحكي قصة، تطوّرها اللغوي بطيء جدّاً".
وازدادت معاناة والدَي آية، لأنهما كانا يجهلان سبب معاناة ابنتهما الجميلة، فكانا لا يبخلان عليها بشيء، فمن طبيب لآخر ومن فحصٍ لثانٍ ولا سبب واضحاً، حتى أخذاها لعيادة أخصائي أعصاب الأطفال الذي قرر أن يعمل لها أشعة رنين مغناطيسي على الدماغ. وكانت الصدمة عندما ظهرت نتيجة التصوير، فأخبر والديها بأنها تعاني من مرض نادر، وهو نقص المادة البيضاء في الدماغ، وأن هذا المرض هو الذي يؤثر على النطق وعلى التوازن في المشي، وأن هذه المضاعفات ستزيد مع الوقت، وأن لا علاج لهذا المرض.
وتقول والدتها: "لم نصدّق ما سمعناه، ابنتي الصغيرة الحبيبة ستعاني من التدهور وعليَّ أن أنظر لها وأراقبها من دون أن أفعل شيئاً. لابد أن نجد لها حلاً في مستشفيات أخرى، بدأناها في داخل البحرين، واتصلت بأكثر من مستشفى خاص، معظمهم لا يوجد لديهم أخصائيو أعصاب للأطفال، ما عدا المستشفى العسكري، فأخذناها للفحص هناك، النتيجة نفسها والكلام نفسه، لا علاج للمرض ولا شفاء منه".
وتضيف الأم: "أخذناها إلى دكتور أعصاب اسمه رام، تابعنا معه لأكثر من موعد وعمل لها أكثر من تحليل، وأعطاها هرمونات ساعدت على حفظ توازنها، لكن وضعها عاد للتدهور، وأصبحت تسقط وتتعثر أكثر في مشيها. توجهنا بها للسعودية، مستشفى سعد التخصصي، وكانت النتيجة نفسها. أرسلنا تحاليلها وصور الأشعة إلى مستشفيات في الأردن، وفي أميركا، وكان الرد نفسه: مرض نادر لا علاج له.
بدأت والدة الطفلة آية رحلة البحث في شبكة الإنترنت، وتواصلت مع منظمة لدعم أهل المرضى بهذا المرض، ومع مستشفى أبحاث واتفقت معهم على إرسال عينات دم لآية، لهم، لتدخل من ضمن أبحاثهم للمرض، وذلك بغرض التشخيص وليس بغرض العلاج. تقول: "حين قرأت أكثر عن المرض عرفت أنه أكثر من نوع، وكنت مصرة على تحديد نوع مرض آية. قررنا المتابعة مع دكتور أيمن في مستشفى السلمانية لعمل التحاليل ومعرفة نوع مرض آية، حتى لو كان من دون علاج، لأن من حقي أن أعرف اسم مرض ابنتي، ولأنهم أخبروني أنه مرض وراثي، كان لابد أن نعرف اسمه، حتى نستطيع فحص بقية أبنائي والتأكد مَن منهم حامل للمرض ومَن منهم سليم حتى نحافظ على مستقبلهم. ومع إصراري، حوّلني الطبيب إلى عيادة الأمراض الوراثية، الدكتورة امتثال كانت متعاونة جدّاً، وساعدونا لعمل الفحص الجيني الشامل الذي حددنا من خلاله اسم المرض أخيراً، وظهر أن المرض ليس نقص المادة البيضاء، كما كان يعتقد دكتور أيمن، بل هو مرض اسمه NCL7 وقد أصاب آية، لأني أنا ووالدها حاملان للجين المسبب للمرض".
واستمرت معاناة أسرة آية خلال فترة البحث عن تشخيص مرضها، وكانت حالتها مستمرة في التراجع، فبعد أن كانت تعرج وهي تمشي، أصبحت تتعثر وتسقط، ما جعل من الصعب تركها تلعب لوحدها من دون رقابة، ثم بدأت مرحلة التشنجات التي كانت تتكرر طوال اليوم. وبعد فترة أصبحت آية لا تستطيع المشي، فكانت تحبو لتتنقل في المنزل، وتدريجيّاً فقدت آية معظم كلماتها، ومن دون أن يشعر والدها، مع الوقت تلاشت الكلمات، وأصبحت آية تزحف ولا تحبو، ثم صارت لا تقوى حتى على الجلوس بمفردها. ووصفت والدتها تلك اللحظات بالقول: "في كل فترة كان علينا أن نتكيف مع وضع آية بما يتناسب مع التغيرات التي تحدث". وأضافت: "ولا يخفى على أحد الحالة النفسية لنا كأم وأب، فهو اختبار صعب مرير، جرح كبير في القلب، بحاجة للصبر والإيمان، فلذة كبدك، ضناك، يتألم، يتهاوى، تفقده ببطء، تراقبه وتتألم، وليس بيدك حيلة، لا تملك أن تقدم له إلا الحب والدعاء، إنها إرادة الله لصغيرتنا أن تكون اختباراً لنا، وله حكمة في ذلك لا يعلمها إلا هو، وأنا كأم أحببت أن أحفظ مراحل حياة ابنتي أولاً بأول، ففكرت في إنشاء حساب (إنستغرام) لها، نشرت فيه صورها من أول يوم في حياتها ومروراً بسنواتها الثلاث الجميلة".
قامت والدة آية منذ فترة بإنشاء حساب تثقيفي عبر برامج وسائل التواصل الاجتماعي حمل اسم @ayahshawqi، وكان التفاعل مع الحساب من الناس كبيراً جدّاً. وتعرفت الوالدة من خلاله على أمهات من السعودية والإمارات والكويت لديهن أطفال مصابون بمرض آية نفسه. وتضيف: "تواصلنا مع بعضنا في مجموعة (واتس اب) عرفت منهن معلومات كثيرة عن المرض وكيفية التغلب على بعض المشاكل وكنّ خيراً لي في تحسين نفسيتي وإحساسي أنني لست وحدي في هذه الدنيا، أعاني من هذه المشكلة، كما أن الحساب أفاد غيري من الأمهات اللاتي يبحثن عن معلومات عن هذا المرض، فيتواصلن معي على (الدايركت) ويسألن أسئلة لا يستطعن معرفتها إلا من أم مثلهن".
يذكر أن الليبو فيسينوسيس المعروف بـ NCL هو مرض من أمراض التمثيل الغذائي التي تصيب الجهاز العصبي بشكل رئيسي وتؤدي للموت المبكر، حيث تسبب تدهوراً تدريجيّاً في القدرات العقلية والنمو مصحوباً بتشنجات. ويوجد منه ثمانية أنواع تختلف بحسب نوع الإنزيم الناقص والذي له دور في فاعلية الدماغ.