قصة قصيرة... رسالة خاصة
قصة قصيرة - علي شهرام محمد
لم يكن يعلم أن القدر كان يخبئ له الكثير، ذاك الذي كان على حافة الإنهيار، تقلّبه الهواجس من كل صوب، يسترجع الذكريات التي عاش معها، حلوها ومرها، يتكئ في زاوية غرفته كل يوم وكأنه ينتظر الموت، يسهر الليل كشيخ أرهقه المرض، كان يذهب كل صباح إلى عمله وهو في حالة يرثى لها ويعود إلى تلك الغرفة مرة أخرى.
"الهجر من بعد الوصال قطيعةٌ، يا ليت من قبل الوصال تركتني" هكذا كان يتمتم مع نفسه، ويقسم أنه لن يخوض هذه التجربة مرة أخرى، كره جميع النساء بسببها، بعد 10 سنوات من حياة غزلية عاشها مثل امرؤ القيس وعنترة وغيرهم من شعراء الحب، لم يكن يتوقع هذا الخذلان منها، بعد أن كان متيقناً بأنها هي التي ستعيش معه للأبد، ولم يجعل في الحسبان كيد النساء وغدرهن.
"يجب ألَّا تدمرك امرأة، أنت أقوى من ذلك" بهذه الكلمات تمكن صديقه أخيراً من إقناعه بالخروج واستنشاق الحياة قليلاً، البحر هو الملاذ الوحيد لمنهك مثله، وهو جالس على الشاطئ يرمي الحصى إلى أبعد مدى وكأنه يريد أن يرمي جميع مابداخله في البحر، لعل وعسى أن يداوي بعض الندوب، تلقى رسالة خاصة على "الإنستقرام" من حساب مجهول، مجمل الرسالة تقول: أنت لا تستحق كل هذا، أنت تستحق الأفضل"
دون أن ينطق بكلمة، أو يرد بحرف، أعطى الهاتف لصديقه ليقرأ الرسالة، تبادلا النظرات، وكأن كلا منهما يدرك ما يجول بخاطر الآخر، عمّ الصمت للحظة بينهما، أخذ هاتفه ليحاول معرفة هوية المرسل، تبادلا الحديث، حتى تمكن من الوصول إلى هويتها، نعم كانت تراقبه بصمت، وهي تعمل في نفس المكان الذي يعمل به، كانت تلاحظ عليه آثار الحزن، سمعته ذات يوم وهو يشكي لصديقه، فقررت أن تكون سبباً في تغير حياته.. فهل ستتمكن من ذلك ياترى؟
في بداية علاقتهما كان حذراً جداً، وكأنه تعلّم درساً لن ينساه طيلة حياته، تبادلا الحديث معاً في هذا التطبيق العصري الذي أتاح للجميع توثيق كل لحظاتهم بالصور، إن جريمة السرقة في الإسلام توجب قطع السارق يده، لكن ليس هناك عقوبة لجريمة سرقة القلب .. تطورت العلاقة شيئاً فشيئاً، فصارا يتحدثان في كل شيء بحذافيره، يفضفض لها وتفضفض له، يساعدها في العمل وتساعده، حتى خرجوا لاحتساء القهوة، وهنا بداية المنعطف..
تمكن من العودة لحياته الطبيعية، واستمر في علاقته معها، كانت تحاول معه كثيراً، "نعم لا تستطيع نسيان الحب الأول، لكن تستطيع أن تحب من هو أفضل" قالتها بعد آخر رشفة من القهوة وهي تنظر في عينيه، وضع الكوب على الطاولة ونظر إليها بصمت، كأنه وجد ضالته التي كان يبحث عنها منذ زمن.
تطورت العلاقة بسرعة بينهما، وأصبحا يخرجان بانتظام، وفي يوم من الأيام بينما كانا يمشيان معاً في طريقٍ مزدحم كانت الصدمة، كانت هناك تمشي هي الأخرى ومعها رجل غريب، والطامة الكبرى، أنها كانت تحمل طفلاً، اختلطت الأفكار والذكريات، ماذا ينقصني عن ذاك الرجل؟ هل أنجبت طفلاً منه وهي معي؟ هل كانت تخرج معه كل يوم؟ هل وهل وهل.. تمنى لو تبلعه الأرض في هذه اللحظة.
مهما بدا الحب الأول باهتاً وخافتاً ومهما توارى واختفى، سيظل في ثنايا القلب، تأتي لحظات اللقاء ولوعن طريق المصادفة كطعنة، لتحدث بركاناً عنيفاً يهز كل المشاعر الداخلية وتجعله يتوق لأن يعود به الزمن ولو للحظات، ربما ليعيد ويكرر هذه اللحظات وربما لكي لا يرتكب تلك الحماقات ثانيةً.