أين تجد مكان سعادتك... بالوظيفة أم السكن أم السيارة أم القناعة التي هي كنزٌ لا يفنى؟
في الآونة الأخيرة انتشر مفهوم "كن سعيداً"، "كن إيجابياً"، "كيف تصبح سعيداً؟"، "7 مقومات للسعادة"... وكلها مفاهيم حوّلت إحساس السعادة إلى سلعة تجارية يمكن شراؤها! لكن يا ترى هل السعادة رغبة حقيقية تنبع من أعماق قلوبنا؟ أم أنها هدفٌ يسعى كل البشر للوصول إليه؟
كنت جالسةً مع إحدى صديقاتي في مقهى معروف نحتسي قهوتنا اللذيذة، فاستشعرت معها بلحظةٍ من السكون، وأخذت شهيقاً عميقاً وقلت: "الحمد لله، إنها السعادة"! فأجابتني باستغراب: "فعلاً؟ كوب قهوة يجعلك مبتسمةً وسعيدة؟ السعادة عبارة عن مال أو بيت أو سيارة جديدة! كوني طموحةً في سعادتك"!
ما لم تعرفه صديقتي أن شعور السعادة ينبع من الداخل، من أعماق أعماق منطقة القلب، أي وسط الصدر. تلك المشاعر التي تكون كالنور من الطاقة تحتوي قلبك وتغذّيه بذلك الوهج، أو كما يصفه البعض بـ"السحر".
نعم، أنا استشعر السعادة في أبسط أمور الحياة، فمشاعر السعادة لا يهمها إن كنت فقيراً أو غنياً، عربياً أم أجنبياً، هنالك مصادر خارجية للسعادة، كمبلغ من المال أو بعض الممتلكات كالسيارة أو البيت، لكن يا ترى إذا كانت السعادة فقط في الخارج، فماذا سيكون في الداخل؟
سألت تلك الفتاة بحب: ماذا تعني لك السعادة في العمق؟ فأجابت: سيارة.. بيت.. مال. قلت لها: ولو امتلكتِ كلّ هذه الأشياء الخارجية ماذا تعني لك السعادة في العمق؟، قالت: لا أعلم! فأجبتها: أنا أعلم، كل ما ذكرتِهِ صحيحٌ، تلك الأشياء الخارجية رسّخها الإعلام في عقولنا. رسم صورة فتاةٍ سعيدةٍ في منزل جديد، أو شاب يضحك مع أصحابه في سيارته الجديدة، أو صورة أبٍ حصل على مبلغ من المال الكبير وكان يبتسم. صديقتي.. تلك مجرد إعلانات يضعها التجار لتسويق بضاعتهم، ولكن لا تعتبر تلك هي فعلاً شعور السعادة الحقيقية. يقول الرومي في اقتباس له عن السعادة: "لا تحتاج إلى البحث عن السعادة ستأتيك.. فقط فهي للإقامة في قلبك".
بدأ بعض من أفراد المجتمع يتكلّم عن موضوع السعادة، وكأنّما هي غاية! بالنسبة لي تلك هي الفطرة التي فطرنا الله عليها، مشاعر السعادة موجودة في قلب الإنسان ويستطيع أن يميّزها ويستشعر بها. لكن تبرمج البعض بأن السعادة شعور مزيف أو أنه يختفي بسرعة. عزيزي القارئ: يمكنك القيام بتطبيق بسيط، اسأل نفسك هذا السؤال: ما الذي يجعلني سعيداً؟. راجع كل شيء يدور في عالمك، ربما تكون السعادة في تفاصيل بسيطة، مثل كوب القهوة أو كتاب معين، لم تكن تركز عليها. راقب هذه التفاصيل واستمتع بتلك الذكرى التي تعتري قلبك. تلذّذ بهذه المشاعر الجميلة. استشعر كأنما نوراً أبيض يحتوي على رذاذ الذهب يعتري قلبك. تنفّس من هذا الشعور. ركّز الآن على هدفٍ ما في حياتك (الحصول على وظيفةٍ مثلاً)، تخيّل أن هذا الشعور موجودٌ في قلبك وأنت تعمل، بعدها استشعر المكان الذي أنت موجودٌ فيه، واحمد الله على هذه النعمة.
وفي الختام، أنوي لي ولكم أن تكون أيامكم مليئة بالحب والسلام الداخلي، أنوي لكم السعادة أينما حللتم.
مريم عصام عبدالله