العدد 5065 بتاريخ 19-07-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة - يخت باسو

قصة قصيرة - حسن شوتام (المغرب)

حسن شوتام

 لَعْلَعَت الشّهب الاصطناعية في السماء وأَتْبْعَتْها النسوة زغاريد الدهشة والإكبار لينخرطن بعد ذلك في الغناء والرقص على إيقاعات الطبول والدفوف والصّنوج. تندفع أمّ باسو إلى وسط الحلقة فتعلو الزغاريد وترتفع الهتافات.. مَمْسوسَة بالإيقاع تُلوّح أمّ باسو بالمنديل ثم تَهُشّ به على الرؤوس المأخوذة بالأهازيج مُردّدة معهن: إجا باسو أم أيّور أوا إيسودّاد غيفي! (باسو مثل القمر أضاء بطلعته عليّ) ثم يظهر باسو من وراء أشرعة اليخت بطقمه الملكي الأنيق. فلا يكاد يتبسّم حتى تشرق أمامه كل الوجوه طلقة بشوشة مُرحّبة بحضوره المهيب. مِن عَلِ يُجيل النظر في العيون الشاخصة إليه؛ فيتنبّه لأمر غريب! قبْل أن تملك عليه الحيرة أكثر أو تنقلب أجواء الاحتفال، تُخاطبه الأمّ من وسط الجموع: أنت الليلة العريس والأمير الوحيد بين الحسناوات المدعوات. تخيّرْ من بينهنّ واحدة... واحدة فحسب بنيّ! 

بين الأحمر النحاسي والباذنجاني تحيّر باسو... أفكار عديدة خَطَرت في خَلَده: كأن يضمهن مثلا بذراعين عريضتين مُقتدرتين جميعهن وبدون استثناء! أو يصطفي واحدة والباقيات يستحييهن في ملحقة اليخت الملكي الفريد! لِمَ لا يقف بكامل قوته ومجده على حافة اليخت في الطرف الآخر، فينزلقن كأسماك طرية دفعة واحدة إلى شِباك حُبّه العجيب! أفكار وأفكار دارت برأسه ففغر فاه لفترة من الزمن ساد خلالها صمت رهيب وران الترقّب على الحضور. لحسن حظ باسو أنّ له والدة لمّاحة نبّهته للصّولجان! الصولجان يا باسو ترفعه في وجه الرياح الغاضبة فتسكن... تضرب به البحور العنيدة فتنفلق أمامك كالصبح وتُهديك من بطونها دُرَرا ونفائس... الصولجان يا باسو رأس مالك. الصولجان..الصولجان ! أمسكه بيده... رفعه.. لوّح به في كل اتجاه... ضرب به أشرعة اليخت فتخرّقت... في طرفة عين تبدّلت الأجواء وارتفعـت أصوات الاستجداء.. أين السبيل يا باسو إلى أحد الخلجان؟ تقاذفت الأمواج اليخت وتداخلت الأجساد بعضها ببعض... إنه الطوفان يا باسو الطوفان! اليَمّ ابتلع اليخت فتعلّق الجميع بالصولجان.

بعينين نصف مغمضتين ضبط باسو عُرَى قميصه على جسد مُنهك مُعرّق. كانت الأم قد فرغت للتوّ من نشر الغسيل على حبل مشدود من أحد طرفيه إلى شجرة رَكَنَ تحتها باسو عربته عند الظهيرة واستلقى داخلها لالتقاط أنفاسه بعد صبيحة حافلة بالذهاب والإياب، ضاجّة بالسّحب والرّفع والخفض، حارقة للأعصاب إبّان كل مساومة أو مُحاسبة. لكن النوم غلب عليه فدفع عربته في بحر الأحلام، مُصغياً لصوت حاجاته الأساسية التي ابتلعتها جلبة القهر وسلطان الواقع... واقعه المرّ!    



أضف تعليق



التعليقات 2
زائر 1 | 1:57 ص رائعة ????، اتوقع ان الجمل الغير مفهومة بالنسبة لنا هي من اللغة الامازيغية ، اضافة جيدة جدا رد على تعليق
زائر 2 | 5:09 ص باسو اسم أمازيغي و كلمات الأم أمازيغية اعطت للقصة نبضا واقعيا رد على تعليق