العدد 5064 بتاريخ 18-07-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةبيئة
شارك:


سبع صحارى كانت غابات

بيروت - البيئة والتنمية

الكثير يمكن أن يحدث خلال ألف سنة، فكيف في آلاف السنين؟ يمكن أن تتغير مناطق طبيعية شاسعة بما فيها من حياة وجماد.


بعض أكبر صحارى العالم تمتد آلاف الكيلومترات، وتغطي ملايين الكيلومترات المربعة، ومن الصعب أن نتخيل أنها كانت في زمن مضى غير امتدادات شاسعة من الرمال والصخور الجافة، أو حتى من الجليد.


يقول الكاتب العلمي الأميركي شي غونتر: «أخبرني عن أي صحراء شاسعة، فأخبرك عن مساحة كانت تغطيها كائنات حية في ماض ليس ببعيد كثيراً». وهو كتب عن سبع صحارى كانت في ما مضى سهولاً وغابات غضة، داعياً البشرية إلى التأمل في وتيرة إطلاق غازات الدفيئة وزيادة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، وأخذ العِبَر من تحول مناطق كانت خضراء إلى صحارى. هنا موجز لكتاباته عن هذه الصحارى.
 
 
الصحراء الكبرى: أكبر صحراء حارة في العالم


تبلغ مساحة الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا 9.4 ملايين كيلومتر مربع، أي أكبر من الولايات المتحدة، وهي أكبر صحراء حارة في العالم. تغطيها امتدادات الرمال والكثبان الشاهقة، وتزدان بواحات متباعدة.


هذه الصحراء ليست بيئة متسامحة، إذ ترتفع فيها درجات الحرارة لتتخطى 60 درجة مئوية، وتهب فيها عواصف رملية خانقة تحجب السماء. لكنها لم تكن على هذا النحو دائماً. فقد كانت مكاناً خصباً قبل نحو 6000 سنة فقط. وإذا وسَّعت نطاق رؤيتك إلى مئات آلاف السنين، فسوف ترى عبور المنطقة في فترات رطوبة وفترات جفاف، أحدثتها تغيرات كبرى في المناخ. وقد ترك البشر الأوائل نقوشاً في كهوف تظهر تماسيح وزرافات وجواميس، ما يعني وجود بيئة خصبة كانت تكفي لإعالة حيوانات كبيرة.
 
 
صحراء فيكتوريا: أين الغابات المطيرة؟


تقع صحراء فيكتوريا الكبرى في الربع الجنوبي الغربي من أوستراليا، وهي من المناطق الأقل كثافة سكانية على الأرض. وقد اتخذ السكان الأصليون كثبانها وبراريها الرملية التي تذروها الرياح موطناً لهم قبل أن يُبحر الغربيون إلى القارة ويحتلوها. وفي خمسينات وستينات القرن العشرين، أجلت الحكومة الأوسترالية الكثير من السكان الأصليين الباقين واستخدمت المنطقة لاختبار الأسلحة النووية.


كانت أوستراليا أرضاً جافة نسبياً خلال المئة ألف عام الأخيرة أو نحوها. لكن إذا عدنا بضعة ملايين من السنين، لوجدناها خصبة خضراء، تغطيها الغابات المطيرة وتسرح فيها الحيوانات الضخمة. أما الغابات المطيرة في أوستراليا اليوم فهي أقارب بعيدة لهذه الغابات القديمة، دفعتها إلى أطراف القارة صحارى مثل صحراء فيكتوريا الكبرى.
 
 
صحراء غوبي: الصقيع رفيق الشتاء


تغطي صحراء غوبي نحو 1.3 مليون كيلومتر مربع من الصين ومنغوليا. وهي ذات طبيعة متنوعة، لكن جافة عمـومـاً . وتحـوي هضاباً مرتفعة تحاذي سهوباً عشبية في موسم الأمطار تمتد إلى كثبان رملية. وهي صحراء باردة تتدنى فيها درجات الحرارة شتاء إلى تحت الصفر. الهواء جاف تماماً، ما يعني وجود القليل من الثلوج، لكن الصقيع رفيق شتوي دائم.
ليس من الصعب إيجاد أماكن في صحراء غوبي كانت في ما مضى مساحات خضراء. ويقدر أن الصحراء هناك «تأكل» مئات الكيلومترات المربعة من الأراضي العشبية كل سنة بسبب الرعي الجائر وقطع أشجار الغابات وتغير المناخ. امشِ إلى الحدود الحالية للصحراء وانظر حولك. قبل بضع سنوات لكنت تنظر إلى حقول عشبية بدلاً من امتدادات قاحلة من الرمال والصخور السمراء.
 
 
صحراء كالاهاري: حيث كانت بحيرة


تمتد صحراء كالاهاري الأفريقية على مساحة 900 ألف كيلومتر مربع داخل ثلاثة بلدان هي بوتسوانا وناميبيا وجنوب أفريقيا. وتعتبر شبه صحراوية لأن أمطاراً موسمية تهطل عليها بانتظام، موقظة أعشاباً ونباتات أخرى كانت في سبات. ولكن عندما تكون جافة فهي تشبه أي صحراء مذكورة هنا. واسم كالاهاري مشتق من كلمة محلية تعني «مكاناً خلواً من الماء». وقد ترتفع درجات الحرارة فيها إلى أكثر من 43 درجة مئوية، مبعدة أي غيوم تتشكل في ذلك الهواء الجاف.
قبل عشرات آلاف السنين، كانت تغطي كالاهاري بحيرة ضخمة من المياه العذبة تزيد مساحتها على 80 ألف كيلومتر مربع يدعوها العلماء بحيرة ماكاديكدي. ومع توالي القرون، جفت البحيرة ببطء، لأن الأنهار التي كانت تتغذى منها سحبت مياهاً أكثر مما كان يصب فيها. وقبل نحو 10 آلاف سنة جفت غالبية البحيرة، وهي حالياً تجف أكثر فأكثر.
 
 
الصحراء العربية: أفراس نهر وجواميس


تمتد الصحراء العربية على مساحة 2.6 مليون كيلومتر مربع، معظمها في السعودية، وتضم أحد أكبر تجمعات الكثبان الرملية المتجاورة في العالم. وهي من الأماكن الأقـل تنوعـاً بيولوجياً على الأرض بسبب مناخها القاسي والأضرار الناجمة عن الأنشطة البشرية من صيد وتلوث صناعي وعمليات عسكرية. لكن قبل بضع عشرات آلاف السنين، كانت تحوي عدداً كبيراً من البحيرات الضحلة التي دعمت حياة مجموعة متنوعة من الحيوانات، بما فيها أفراس النهر والجواميس. وقد رصدت تحاليل صور الأقمار الاصطناعية والرادار بحيرات جوفية تحت أعماق رمالها.
 
صحراء موهافي: انحسار الأنهار الجليدية


تغطي صحراء موهافي معظم جنوب ولاية كاليفورنيا وأجزاء من ولايات نيفادا ويوتا وأريزونا. تبلغ مساحتها نحو 125 ألف كيلومتر مربع، وهذه مساحة صغيرة مقارنة مع الصحارى الأخرى الواردة هنا. وهي صحراء حارة وباردة معاً، وفق الوقت من السنة، وتتراوح الحرارة فيها بين 18 درجة تحت الصفر شتاء و54 درجة مئوية صيفاً.
قبل نحو 10 آلاف سنة، مع انتهاء العصر الجليدي الأخير وذوبان جليده، كانت موهافي مكاناً كثير المياه. وتميزت بالبحيرات والجداول التي غذتها أنهار جليدية منحسرة وعززها مناخ أكثر رطوبة.
 
 
القارة القطبية الجنوبية: صحراء الجليد


ننسى غالباً أن القارة القطبية الجنوبية (أنتارتيكا) هي صحراء، إذ تستقبـل أقـل من 20 سنتيمتراً من المتساقطات كل سنة. وهي صحراء باردة موحشة تسودها الظلمة طوال نصف السنة. لكنها كانت في ما مضى أرضاً خضراء وكثيفة بيولوجياً. في العام 1986، عثر باحثون من جامعة ولاية أوهايو الأميركية على آثار غابة مطيرة معتدلة المناخ يعود تاريخها إلى نحو ثلاثة ملايين عام.
واذا عدنا إلى الوراء أكثر لملاحظة الانجراف القاري، لوجدناها تتمتع بمزايا موقع أبعد إلى الشمال، يزحف ببطء نحو مكانه الحالي الذي يعانق القطب الجنوبي.



أضف تعليق